الرئيسة/  تقارير

الصين وفلسطين: معًا في مواجهة وباء كورونا

نشر بتاريخ: 2020-06-16 الساعة: 13:52


عبد الجبار الحروب 



 

وصل، قبل أيام، وفد طبي صيني إلى فلسطين للمشاركة في الجهود المبذولة لمواجهة وباء كورونا، ومنع انتشاره، وتبادل الخبرات والمعلومات، ومشاركة السياسات الوقائية لمكافحة نقل العدوى، خاصة داخل المستشفيات، إلى جانب تعزيز قدرة النظام الصحي الفلسطيني على مواجهة موجة جديدة من الفيروس.

سبق ذلك إرسال مساعدات طبية من الحكومة الصينية إلى الشعب الفلسطيني، تضمنت عشرات الآلاف من شرائح فحص فيروس كورونا، ومستلزمات وأجهزة طبية، وملابس واقية، وأقنعة، وكمامات، وأجهزة فحص الحرارة. ويأتي ذلك في إطار الجهود التي تبذلها الصين لمواجهة وباء كورونا في دول العالم، حيث قدمت بكين مساعدات طبية إلى 130 دولة، وعقدت 120 مؤتمرًا عبر "الفيديوكونفرنس" مع ما يزيد على 160 دولة ومنظمة حول كيفية مواجهة انتشار الوباء، إلى جانب دعم مالي صيني متزايد لمنظمة الصحة العالمية.

تركز هذه المقالة على الدعم الصيني لفلسطين في مواجهة وباء كورونا في ظل ما تعانيه الأراضي الفلسطينية من قلة في المعدات والمستلزمات الطبية ذات الصلة بمواجهة الوباء. وتتطرق إلى الطريقة الصينية في مواجهة وباء كورونا، ومساهمتها في مكافحته في دول العالم، من خلال تبادل المعلومات، وإرسال الوفود الطبية، وتقديم المساعدات الطبية.

الدعم الصيني لفلسطين

وصلت الدفعة الأولى من المساعدات الصينية، بتاريخ 14/4/2020، وتضمنت 50 ألف شريحة فحص خاصة بفيروس كورونا، وملابس ونظارات واقية وأقنعة وجه، تستخدمها الطواقم الطبية خلال التعامل مع الحالات المشتبه بإصابتها بالفيروس، تلاها دفعة ثانية بعد بأيام تضمنت شرائح فحص ومستلزمات طبية، إلى جانب عقد اجتماعات بين خبراء صينيين وفلسطينيين في مجال الصحة عبر الإنترنت، لبحث كيفية رفع القدرات والإجراءات لمجابهة كورونا، بمشاركة وزيرة الصحة الفلسطينية.

وفي سبيل نقل الخبرة وتبادل المعلومات، أرسلت الصين وفدًا طبيًا إلى فلسطين، بتاريخ 10/6/2020، برئاسة الدكتور هو بنغ، ويضم 10 خبراء في أمراض الجهاز التنفسي والأمراض المعدية والطب الصيني التقليدي وعلم الأوبئة والتمريض، من أجل تقديم التوجيهات والإرشادات الطبية اللازمة لوضع السياسات الوقائية لمكافحة نقل العدوى خاصة داخل المستشفيات، وتبادل المعلومات والخبرات المتعلقة بالوقاية من المرض والسيطرة عليه، والعلاج السريري، والاختبارات المعملية.

وحصل هؤلاء الأطباء على خبرة في مواجهة المرض خلال مشاركتهم في الجبهة الأمامية لمحاربة المرض في بلدية تشونغتشينغ ومقاطعة هوبي.

وجاء الوفد الطبي محملًا بمساعدات طبية مقدمة الحكومة الصينية، شملت كمامات من فئة "N95"، وكمامات جراحة، وأجهزة قياس حرارة ،ومسحات لاكتشاف الفيروس. وعقد الوفد عددًا من الاجتماعات مع المسؤولين في وزارة الصحة، وزار مراكز الحجر الصحي ومراكز العلاج في الضفة الغربية.

تعكس هذه المساعدات الدور الذي تقوم به الصين في مواجهة كورونا على امتداد العالم، كما تساهم في دعم قدرة النظام الصحي الفلسطيني لمواجهة احتمالية حدوث موجة جديدة من المرض. وتعكس العلاقة الوثيقة التاريخية بين الصين وفلسطين، وتحمل رسالة تضامن "طبي وسياسي".

خطة الصين لمواجهة كورونا

منذ الكشف عن أولى حالات الإصابة بفيروس كورونا في مدينة ووهان الصينية في كانون الأول/ديسمبر 2019، سارعت الحكومة الصينية إلى اتخاذ إجراءات وقائية للحد من انتشار الفيروس، كفرض الإغلاق على المناطق الموبوءة، وإجراء الدراسات الطبية حول الفيروس، ومشاركة المعلومات حول الوباء مع منظمة الصحة العالمية ودول العالم، إضافة إلى مساعدة دول العالم في مواجهة الوباء.

وعلى عكس الدول التي أعطت الأهمية للاقتصاد، قدمت الصين نموذجًا للعالم في كيفية الحدّ من انتشار الفيروس، اتّسم بالسرعة والكفاءة والابتكار، عبر إحكام الإغلاق، وعزل المدن، ومن ثمّ الجمع ما بين مكافحة الوباء وإحياء عجلة الاقتصاد.

ومع أن الصين نجحت حتى اللحظة في احتواء الوباء والسيطرة عليه، إلا أن هناك أصواتًا متزايدة، وخاصة في الولايات المتحدة، تحمّلها المسؤولية عن انتشاره، لتبرير فشلها، إضافة إلى أصوات أخرى ترى أن الصين لم تقدم كل ما لديها من معلومات، وتأخرت في الكشف عن الوباء وقدرته على الانتشار، وأنّها وقعت وغيرها من الدول المتقدمة في أخطاء لمواجهة الوباء، إلا أن ذلك لا يبرر عدم رؤية سرعة استجابة الصين في محاصرة الوباء، والتحلي بالشفافية من خلال تزويد منظمة الصحة العالمية وبقية الدول بما لديها من معلومات عن الفيروس، وتطوره، وكيفية انتشاره.

وظّفت الصين منذ انتشار فيروس كورونا في مدينة ووهان بمقاطعة هوبي جميع قدرات البلاد التكنولوجية، والإجرائية، والبشرية، للحد منه، حيث فرضت السلطات إغلاقًا كاملًا للعديد من المدن التي تحوي عشرات الملايين من الأشخاص، وقيّدت حركة ما يقارب 760 مليون شخص، وسارعت إلى التشخيص المبكر والعلاج المبكر للحالات المصابة، حيث حوّلت جميع الحالات التي يشتبه بإصابتها بالعدوى إلى مراكز احتجاز ضخمة، ومستشفيات ميدانية. كما استخدمت التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي والطائرات بلا طيار في الرقابة على الحجر الصحي.

وشمل الإغلاق كافة مناحي الحياة، إذ أغلقت المراكز التجارية، والمدارس والجامعات، والأماكن الترفيهية، والمؤسسات والشركات، غير أن الحكومة وفرت للمواطنين في الأماكن المغلقة كل سبل الحياة، حتى لا يضطروا إلى النزول إلى الشوارع.

أما على الصعيد البحثي، فقد قام الخبراء والعلماء الصينيون بتحليل التسلسل الجيني للفيروس، ومعرفة طرق العدوى، وفترة الحضانة، وحالات الإصابة الخطرة، وجرى مشاركة هذه الأبحاث وتبادلها مع منظمة الصحة العالمية وبقية دول العالم، إضافة إلى بذل الصين جهودًا في اكتشاف لقاح لفيروس كورونا[1]، فحتى اللحظة وفق منظمة الصحة العالمية، جاري العمل على 200 لقاح، من بينها 10 في التجارب البشرية، خمسة في الصين، وأربعة في الولايات المتحدة، وواحد في المملكة المتحدة، و126 في التجارب قبل السريرية على مستوى العالم[2]، حيث تعمل بكين على تطوير "لقاح كورنا المؤتلف"، الذي دخل مرحلة التجارب السريرية، وهو من تطوير أكاديمية العلوم الطبية العسكرية بالأكاديمية الصينية للعلوم العسكرية.

وعلى صعيد التشخيص المبكر، عملت الصين فحوصات الحمض النووي، لملايين المواطنين، وهذه طريقة ناجعة، فكلما زاد عدد الفحوصات زادت القدرة على السيطرة على الوباء وعزل المصابين. وحينما بدأت بالفتح الجزئي لمدينة ووهان في نيسان/أبريل 2020، وضعت خطة لفحص جميع سكان المدينة البالغ عددهم 11 مليون، حيث أعلنت هيئة الطب الوقائي الصينية عن إجراء 10 مليون فحص في مدنية ووهان خلال النصف الثاني من شهر أيار/مايو 2020، دون تسجيل أي إصابات.[3]

ساهمت الخطة الصينية هذه في السيطرة على الوباء، ومنع انتشاره إلى مختلف المدن، وإلى اقتداء دول في العالم بهذه الطريقة الناجعة. فالصين، منذ بداية شهر آذار/مارس 2020، توقف عندها منحنى الإصابات والوفيات، بعد أن شهد شهر شباط/فبراير ذروة تفشي الوباء. وسجلت حتى اليوم، 83 ألف إصابة، تعافى معظمها، وأكثر من 4600 حالة وفاة، وكانت الرقم الأول بين الدول في عدد الإصابات والوفيات. أما الآن ففي الوقت الذي تخطى فيه عدد الإصابات في العالم 8 مليون، تأتي الصين في الترتيب 19 عالميًا من حيث عدد الإصابات، و18 من حيث عدد الوفيات، حيث تتصدر الولايات المتحدة الترتيب، بواقع 2 مليون و160 ألف إصابة وأكثر من 117 ألف وفاة، تليها البرازيل مسجلة 870 ألف إصابة و43 ألف حالة وفاة.[4]

الصين وإمدادات الدعم الطبي

باشرت الصين بعدما سيطرت على انتشار الوباء داخل أراضيها بتقديم الدعم للدول الموبوءة لمنع تفشي الفيروس، حيث قدمت مساعدات طبية إلى 130 دولة في آسيا وأفريقيا وأوروبا والأميركيتين، وعقدت 120 مؤتمرًا عبر الفيديو كونفرنس مع ما يزيد عن 160 دولة ومنظمة، وتبادلت معهم المعلومات حول مواجهة الوباء، وشاركتهم الطريقة الصينية في مواجهة الوباء والوقاية من تفشيه، إلى جانب إرسال مئات الوفود الطبية إلى العالم لمحاربة الفيروس.

كما صدّرت الصين منذ بداية آذار/مارس 2020 أكثر من 50 مليار قناع طبي، و216 مليون بدلة واقية، و81 مليون نظارة واقية، و26 مليون جهاز لقياس الحرارة بالأشعة تحت الحمراء ومليار زوج من القفازات الجراحية، وحوالي 73 ألف جهاز تنفس صناعي، وأنابيب اختبار للمرض تكفي لـ 162  مليون شخص حول العالم.[5]

وتولي الصين اهتمامًا كبيرًا لمكافحة الوباء على مستوى العالم، وفي أفريقيا بشكل خاص، إذ قدمت الدعم والمعرفة لـ 50 دولة أفريقية، إلى جانب ضمان توريد 30 مليون من معدات الاختبار و10 آلاف جهاز تنفس صناعي، و80 مليون قناع كل شهر لأفريقيا.[6]

وفي هذا السياق، قدمت الصين 50 مليون دولار لمنظمة الصحة العالمية في شهري آذار/مارس ونيسان/أبريل 2020 لمواجهة وباء كورونا، إلى جانب تعهد الرئيس شي جين بينغ بمبلغ ملياري دولار على مدار عامين لدعم الاستجابة لمواجهة الوباء خلال اجتماع لجمعية الصحة العالمية.

التعافي الاقتصادي

أثر الإغلاق الكامل الذي اتخذته الصين على المدن الموبوءة على الاقتصاد الصيني، فانخفضت الصادرات الصينية إلى دول العالم، وتراجع الاقتصاد الصيني خلال الربع الأول من العام 2020 بنسبة 12%، كما انخفضت التجارة بنسبة 6.4%، كما انخفضت التجارة مع الولايات المتحدة بنسبة 18%، ومع الاتحاد الأوروبي بنسبة 10%، ومع اليابان بنسبة 8%، في حين زادت بين الصين والدول الآسيوية والأفريقية بنسبة 3%.[7]

بدأ السوق الصيني بالانتعاش مع بدء الربع الثاني، وهناك توقعات بأن يشهد الربع الثالث ومن ثم الرابع نموًا قويًا، إلا أن التعافي الكامل للمؤشرات الاقتصادية الرئيسية يستغرق مزيدًا من الوقت، كما صرح، ليو هوان، المستشار في مجلس الدولة الصيني. وما يعزز انتعاش الاقتصاد وجود سوق صينية لأكثر من مليار و400 مليون، وهي الأضخم في العالم، وبدأ هذا السوق بالانتعاش بعد عودة الحياة إلى طبيعتها في المدن الصينية، إضافة إلى أن سيطرة عدد من الدول على الوباء، وخاصة في أوروبا، يدعم زيادة الصادرات الصينية والتبادل التجاري، ما ينعكس إيجابًا على تحسن الوضع الاقتصادي. وتخطط الصين في هذا السياق لتوفير 10 مليون فرصة عمل داخل أراضيها لئلا يزيد معدل البطالة عن 6%.

m.a
Developed by: MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024