الرئيسة/  تقارير

أرض الزيتون والكرز

نشر بتاريخ: 2020-05-11 الساعة: 17:33

جنين - مراسل وفا – بين إحدى البساتين على سفح إحدى التلال المطلة شرق بلدة كفرراعي جنوب جنين، يمضي المزارع أحمد رزق (82 عاما)، يومه منذ بداية شهر نيسان/ابريل، برفقة بضعة عمال، يواظبون على جني محصول الكرز، تمهيدا لبيعه لعدد من تجار البلدة.

وتبدو بساتين الكرز بألوانها الزاهية في البلدة التي تنتج قرابة 80% من الإنتاج الفلسطيني من الكرز وفق سجلات بلدية كفرراعي، كلوحة فنية تغطي سهول البلدة وجبالها ووديانها، وساحات المنازل فيها أيضا، فيما تتقاطع مع أسراب من أشجار الزيتون واللوزيات.

ويبدأ موسم الكرز عادة من بداية ابريل/ نيسان ويستمر حتى أواخر شهر أيار.

في ثمانينيات القرن الماضي، كانت نقطة التحول في حياة مدرس اللغة الإنجليزية رزق، بعد أن غرس عشرات الأشتال من الكرز بأرضه البالغة تسعة دونمات، حيث كانت مقصده بعد انتهاء دوامه المدرسي حتى ساعات المساء، وفي أيام العطل.

واليوم، بعد مضي قرابة أربعة عقود على الغرسة الأولى، يفخر الثمانيني بأن عدد الأشجار بأرضه ازداد عن خمسمئة شجرة كرز، و200 شجرة من الزيتون.

ويوضح رزق في حديث مع مراسل "وفا"، إنه بعد تقاعده من التدريس عام 1995، تفرغ للاهتمام بالأرض، فيوميا يغادر منزله الساعة السادسة صباحا لبساتين الزيتون والكرز خاصته، للتنقيب والتقليم والحراثة وإزالة الأعشاب، فكل مهمات الأرض المطلوبة ينجهزها الثمانيني بنفسه، باستثناء جني المحصول.

ويأتي موسم الكرز بالدرجة الثانية من حيث الأهمية لأهالي بلدة كفرراعي بعد موسم الزيتون، لما يشكله من مردود اقتصادي للأهالي والمزارعين في البلدة، "ففي ساحة كل بيت في البلدة تجد كرزة"، وفق ما يؤكد زرق.

ووفق سجلات بلدية كفرراعي، فإن مساحة أراضي البلدة الكلية 36 ألف دونم، منها 4500 دونم مزروعة بالكرز، و11300 دونم مزروعة بالزيتون، و1200 دونم مزروعة باللوزيات، مشمش، لوز، خوخ، نكترينا، جرانق، ...".

ويتراوح معدل الإنتاج السنوي من الكرز بين 1000-1200 طن سنويا، فيما يعمل في الموسم 450 مزارعا من أبناء البلدة.

وشجرة الكرز، متوسطة الحجم متساقطة الأوراق، تبدأ الإزهار مبكراً في فصل الربيع ومتزاماً مع عملية التوريق عادة، وأوراقها رمحية مستطيلة، معنقة، والأزهار مفردة أو في مجموعات، خضراء أو حمراء اللون، والثمرة بيضاوية وهي صغيرة بعد مرحلة العقد ودائرية في مرحلة النضج.

"عندما يكون الموسم ماسي أنتج 6 أطنان من الكرز، لكن هذا العام أتوقع إنتاج أربعة أطنان فقط" يضيف رزق.

وبينما كان عدد من العاملين يجنون ثمار آخر أشجار الحقل، تحدث رزق بأنه يحتاج سنويا لمئتي عامل خلال الموسم الماسي أي إذا كان الإنتاج وفيرا، لكن هذا العام فقط بلغ عدد العاملين بالموسم لديه130 عاملا فقط، نتيجة انخفاض الإنتاج.

ويشير إلى أن الكرز أربعة أنواع خضراء وحمراء، وهي "الشامي والأمريكي والخليلي والبلدي"، أفضلها الشامي كونه الأغلى سعرا والأوفر إنتاجا والأسهل في القطف وكذلك لاستمرار قطفه لفترة أطول عن بقية الأنواع.

وفي بستان قرب، تقلب حورية الشيخ إبراهيم (63 عاما) أغصان شجرة الكرز وتقطف ثمارها بكيس تعلقه على وسطها، تحدثت لـ"وفا"، إنها منذ ثماني سنوات تعمل في هذا الموسم ويساعدها أبنائها.

وتجني الشيخ إبراهيم ثمار الكرز برفقة ولدها من قطعة أرض تعود لأحد أبناء البلدة تصل مساحتها ستة دونمات، مقابل ثلث الإنتاج، مشيرة إلى أنها تأتي يوميا للبستان باستثناء يوم الخميس وأيام المطر؛ نظرا لإغلاق الحسبة. "يوميا نقطف من 100-150 كغم".. تضيف الشيخ إبراهيم.

ويبدو أن موسم الكرز هذا العام كغيره من المواسم والقطاعات في المجتمعات تلقى ارتدادت تفشي فيروس كورونا والإجراءات التي اتخذت لكبح جماحه؛ كإعلان حالة الطوارئ ومنع التنقل بين المحافظات وإغلاق المدارس والجامعات.

وتضيف الشيخ ابراهيم "هذا العام مختلف عن سابقه، نظرا لانحصار التسويق للمنتج والتي أدت لانخفاض الأسعار، ففي السنوات السابقة كانت أعلى، لكن إغلاق الجامعات والمدارس ووقف التصدير، انعكس علينا كمزارعين".

ويتفق تاجر الكرز أشرف الشرش مع الشيخ إبراهيم بتأثر الموسم بالإجراءات التي اتخذت لمكافحة الفيروس، خاصة إغلاق الجامعات والمدارس والمنتزهات التي كانت تشكل نسبة عالية من المتسوقين خلال الموسم في السنوات الماضية.

ويضيف الشرش الذي يعمل بالمجال منذ أكثر من 10 سنوات، إنه يسوق سنويا بين 150-200 طن من الكرز في السوق المحلي، لكن هذا العام تراجعت أسعار الكرز بداية الموسم قرابة 10 شواقل عن العام الماضي، حيث كانت تباع بـ55 شيقلا وتراجعت إلى 45 شيقل.

ويشير إلى أن أسعار الكيلو الواحد تتراوح بين 4-5 شواقل حاليا، منوها إلى أن ترتيبات جرت منذ العام الماضي لتصدير الكرز للأردن هذا العام، إلا أن إغلاق المعابر والجسور نتيجة الفيروس حال دون ذلك.

وحاول تجار تصدير الكرز في الأعوام السابقة لدول الخليج العربي، إلا أنه تعرض للتلف إثر درجات الحرارة المرتفعة خلال النقل البري، وعدم القدرة على التصدير عبر ثلاجات خاصة أو الطيران التجاري، وفق ما يوضح الشرش.

ويقال عن الكرز في الموروث الشعبي، بأنه "خمس سنوات تعب، ومثلها ذهب، ومثلها حطب" تخلص عمر شجرة الكرز الزمني البالغة 15 عاما، حيث تحتاج للتعب خلال السنوات الخمسة الأولى، فيما تنتج بخمسة أخرى، فيما يتستغل في سنواته الأخيرة كحطب للمفاحم، وفق الشرش.

ولم ينعكس تأثير الفيروس على تسويق الكرز فقط، بل على طبيعة العاملين بالموسم، حيث انضم عدد من العاملين في أراضي الـ1948 للعمل بجني ثمار الكرز، بعد أن رفضوا المبيت بالداخل.

باهر الشيخ إبراهيم (32 عاما) أحد هؤلاء العاملين، تحدث لـ"وفا" بأنه اضطر لترك العمل بالداخل بعد إغلاق المعابر لمنع تفشي فيروس كورونا، والعمل بجني ثمار الكرز، رغم أن أجر عمل 10 أيام بموسم الكرز توازي أجر يوم عمل واحد بمجال البناء بالداخل.

ويتراوح الأجر اليومي للعامل في موسم الكرز بين 60-80 شيقلا.

m.a
Developed by: MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024