الرئيسة/  مقالات وتحليلات

قراءة قانونية في طلبات المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بشأن الحالة في فلسطين

نشر بتاريخ: 2024-05-22 الساعة: 07:14

 

المحامي د. ايهاب عمرو

 

أصدر المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان بيانا تاريخيا يوم الإثنين الموافق 20/05/2024 تضمن طلبات لإصدار أوامر قبض بشأن الحالة في دولة فلسطين. وتضمنت الطلبات المذكورة الموجهة للدائرة التمهيدية الأولى للمحكمة الجنائية الدولية إصدار أوامر قبض ضد المشتبه بارتكابهم جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية منذ السابع من أكتوبر /تشرين الأول من العام المنصرم تأسيسا على أحكام نظام روما الأساسي المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية، منها الإبادة كجريمة ضد الإنسانية، والقتل العمد كجريمة ضد الإنسانية وكجريمة حرب، والاغتصاب والتعذيب كجرائم ضد الإنسانية وكجرائم حرب، وأخذ الرهائن كجريمة حرب. إضافة تجويع المدنيين كجريمة حرب، وتعمد توجيه هجمات ضد السكان المدنيين كجريمة حرب، والاضطهاد كجريمة ضد الإنسانية.

وكان المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية المذكور قد أشار في معرض تناوله للحالة في ليبيا وفلسطين وأوكرانيا أثناء اجتماع لمجلس الأمن الدولي بتاريخ 14/05/2022 إلى أنه لن يرضخ لضغوط أقوياء العالم الذي يتمتعون بالقوة والنفوذ، مع تأكيده على مواصلة النضال من أجل العدالة، ومن أجل الضحايا. ولا بد من الإشارة هنا إلى أن تلك الطلبات بشأن الحالة في دولة فلسطين إنما جاءت نتيجة صدور قرار عن الدائرة التمهيدية الأولى للمحكمة الجنائية الدولية بتاريخ 05/02/2021 القاضي بامتداد الولاية الإقليمية (الاختصاص المكاني) للمحكمة المذكورة لتشمل الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ العام 1967، أي الضفة الغربية، وقطاع غزة، وشرقي القدس، وذلك بناء على طلب من المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية آنذاك فاتو بنسودا. وكنت قد تناولت تلك المسألة في مقال نشر في حينه.

واختتم المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بيانه المذكور بالتأكيد على استعداده لتطبيق القانون على قدم المساواة دون انتقائية، ما من شأنه تعزيز الروابط والصلات بين المجتمعات. كما جدد التأكيد على أن القانون الدولي الإنساني الذي يشكل القاعدة الأساسية التي يرتكز عليها السلوك الإنساني في أوقات النزاعات لا بد أن ينطبق على الأفراد كافة بالتساوي كون حياة البشر تتساوى في قيمتها.

ومن خلال قراءة قانونية لتلك الطلبات نستطيع القول إن العدالة القانونية الدولية الناجزة بدأت تأخذ مجراها فيما يتعلق بالحالة الفلسطينية، وأن حياة الأطفال والأبرياء في فلسطين تساوي في قيمتها حياة الأطفال والأبرياء في أي مكان في العالم. ومعلوم بالضرورة أن القرار النهائي بشأن تلك الطلبات لإصدار أوامر القبض سالفة الذكر إنما يكون بيد المحكمة التي قدمت لها الطلبات المذكورة، وليس بيد المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كجهة اتهام لا تملك الإدانة.

وتملك المحكمة المختصة إدانة الأشخاص المشتبه بارتكابهم جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، أو إسقاط التهم عنهم، أو إدانة بعضهم دون البعض الآخر. كما تستطيع إدانتهم ببعض التهم الواردة دون البعض الآخر. وقد تسنى لي أثناء إقامتي في مدينة لاهاي في العام 2009 حضور بعض جلسات المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة، ما أمكنني من التعرف عن كثب على طريقة إدارة جلسات تلك المحكمة، وطرق المرافعة والمدافعة التي ربما لا تختلف كثيرا عن المحاكم الجنائية الوطنية.

غير أنه لا بد من التأكيد في هذا السياق، وفي ضوء مهنتي القضائية سابقا، خاصة عملي كمدعٍ عام لسنوات، على أن المدعي العام كأصل لا يقوم بتوجيه اتهام ضد أي شخص مشتبه به بارتكاب جريمة إلا بتوفر أدلة كافية للإدانة. وفي حالة الطلبات المقدمة من المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، يتضح قيامه ومكتبه بجمع الأدلة الكافية من مصادر مختلفة، ومن خلال شهاداتمع ناجين وشهود عيان، ناهيك عن وجود لجنة محايدة من خبراء القانون الدولي الإنساني شكلها بنفسه لفحص الأدلة قَدمَتْ له النصيحة والمشورة بشأن الطلبات المذكورة أعلاه، وفريق استشاري خاص به عمل على فحص تلك الأدلة والوقائع المادية المرتبطة بها، حسبما جاء في البيان المذكور أعلاه، ما يمكن القول معه أن بناء القضية القانونية كان مُحْكَمَا من طرف مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، ما يعني أن قرار المحكمة المعنية ربما لن يحمل أية مفاجآت غير سارة للضحايا وأُسَرِهِمْ.

وفي حالة قيام المحكمة الجنائية الدولية بإصدار أحكام تتضمن مذكرات قبض بحق المشتبه بارتكابهم جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية فإن كل دولة من الدول الأعضاء وعددها 124 دولة ينبغي عليها إلقاء القبض على المطلوبين للعدالة الدولية وتسليمهم للمحكمة تمهيدا لمحاكمتهم. لا بل إن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية ذهب أبعد من ذلك بإعلان نيته الطلب من الدول غير الأعضاء أيضا التعاون في هذا الصدد حال صدور قرار المحكمة الجنائية الدولية بشأن الطلبات المعروضة عليها.

mat

التعليقات

Developed by MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024