الرئيسة/  مقالات وتحليلات

صائب عريقات في قاموس (عظماء فلسطين )

نشر بتاريخ: 2020-11-12 الساعة: 08:01

موفق مطر  

لدى كل شعب في الدنيا قاموس خاص دونت فيه اسماء بماء ذهب ، وتركت فيه صفحات بيضاء بلا حدود ، لتخط فيها أسماء علم لا يعلم احد من سيحظى بهذا الشرف ، لكن المدرك لمعنى الانتماء للإنسانية والوطن ، مالك القدرة على التميز بالعطاء والتضحية والافتداء هو الذي يحجز مسبقا في ذاكرة الشعب تذكرة الوصول الى صفحات كتاب العظماء ( القاموس ).  

خط الدكتور المناضل صائب عريقات الحروف الأولى من اسمه في قاموس قادة فلسطين العظماء قبل حوالي ربع قرن من الآن، وترك بقية المهمة كأمانة لدى ذاكرة الشعب الفلسطيني عموما ، وذاكرة الذين ناضلوا الى جانبه وكافحوا ، والذين رافقوه في مسيرة اقل ما يقال فيها أنها كانت في حقول الغام كانت انفجارها كفيل ليس بتشظية أسمائهم  وحسب بل بتدمير ركائز استناد القضية الفلسطينية. 

صائب عريقات المناضل القائد الوطني الانسان مع أسماء كثيرة حظيت بهذا الشرف ، نظم منهجا سياسيا متميزا لمدرسة الكفاح الوطني الفلسطينية ، كان معلما  ملهما  ، وكان كالمنارة في زمن هيمنة الظلم والظلام الصهيوني العنصري. 

صائب عريقات الذي كانت فلسطين كنبض قلبه ،كأوكسجين الدماء في شرايين دماغه ، كانت آخر كلماته كما سمعها منه عزام الأحمد عضو مركزية فتح واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير : "اوصيكم بفلسطين " ، عاش من اجل شعبها  العظيم  ، من اجل تحرير العدالة الانسانية والقانون الدولي من مغتصبهما الصهيوني والمتمرد عليهما منظومة الاحتلال الاستعمارية  العنصرية المسماة ( اسرائيل). 

سار عريقات برؤية ثاقبة بشجاعة نادرة وخاض معارك المفاوضات بإيمان وعقل غني بالمعرفة والعلوم والمنطق مهتديا بمبادئ حركة التحرر الوطنية الفلسطينية متسلحا بإرادة الشعب الفلسطيني وتجاربه الكفاحية النضالية  وبقدراته اللا محدودة على الصمود والمواجهة ، كان مؤمنا بانتمائه لوطن الاحرار في زمن استسهل البعض العبودية والخضوع والذل كأسلوب حياة . 

كان صائب عريقات رمزا لرجل الدولة ، واعتقد ان بحثا أو دراسة ما ستخلص ألى انه كان ممن يستحقون سمة رجل الدولة في العالم ، فهيبة الروح والعلم والمنطق المتسلسل المتماسك ، والقدرة على فكفكة شيفرات الصراع الفلسطيني- الصهيوني  ، ومتابعة مسارات جذور القضية وتفرعاتها، وتحديد محطات الانتصارات والانتكاسات وتعليل اسبابهما ، وأخذ الحكمة واستخلاص العبر، ورسم خطط الهجوم السياسي  الدبلوماسي القانوني  وكذلك تعزيز خطوط الدفاع على هذه الجبهات ما كان لشخص واحد ان تجتمع فيه كل هذه القدرات ما لم يكن صائب عريقات.. المنطلق من اول مدينة مأهولة في الدنيا ( اريحا ) رئة القدس ، والمسافر دائما نحو منابر العدالة الانسانية كرسول لقضية لا أحق منها ولا أعدل.  

ترك لنا صائب عريقات ثروة لا تقدر بثمن ، ترك لنا كتبه التي ألفها باليقين قبل تأليفها بالأبجدية ، وترك لنا تجاربه وخبرته التي اذا حفظناها وضمنا لها الأمان  ومضينا على خلاصاتها ، نطورها الى سلاح فاعل في زمن الصراع السياسي ( المفاوضات ) وزمن المقومة الشعبية السلمية ، والقانونية والدبلوماسية التي حرص صائب عريقات على أن تكون مادته ألأولى عند كل مخاطبة لعقول ووجدان المستمعين اليه ، فلغته وجروح المفردات التي يستخدمها لطرح الموقف الفلسطيني لا تتغير سواء كان في اجتماع تنظيمي ، أو لقاء دبلوماسي سياسي قيادي أو  اعلامي ، وأستطيع القول بكل يقين اني شاهد على عصر عريقات ، ومنطق الثائر الذي أبدع في اقناعنا بأن كل مسارات حياتنا التي نتمناها تقتضي منا التهيوء والاستعداد بسلاح الثقة والحق الطبيعي والقانون،والشرعية لمفاوضة نقيضها . 

 كتب الدكتور صائب عريقات في مقدمة كتابه الحياة مفاوضات :" المفاوضات علم يقوم على تداخل العلوم ، ففي حدوده تعيش السياسة  والعلوم الطبيعية والاكتشافات العلمية  والموارد الطبيعية والاقتصاد والأديان والقيم والأعراف وصناعة القرار وعلم النفس " وأضاف:" هي طريقة لاستثمار الصمود والتضحيات والبطولات  والوفاء لها وترجمتها الى حقائق على ألأرض ، تبنى من خلالها  المؤسسات وترسى على نتائجها اسس الشفافية والحكم والمصالح". 

صائب عريقات اسم خلده الشعب الفلسطيني في قاموس (عظماء فلسطين ) فعمله  هدي وكفاحه مدرسة الأوفياء تلاميذها ، سيعيش في قلوبنا وذاكرتنا ويراه الناس في وطننا بسلوكنا ووفائنا . 

m.a
Developed by: MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024