الرئيسة/  مقالات وتحليلات

حزب التحرير وموقعة باريس...!!!

نشر بتاريخ: 2020-11-04 الساعة: 10:48

بقلم: ميساء أبو زيدان

يتكرر المشهد وتصدح الأصوات المطالبة بنصرة الإسلام لتحرير القدس..!! لكن وخلافا لحشد الشباب الفلسطيني الذي تم أواخر سبيعينيات القرن الماضي وبداية ثمانينياته وإرسالهم إلى أفغانستان نصرة للإسلام (...!!) عبر انخراطهم في صفوف حركة المقاومة الأفغانية المدعومة من الولايات المتحدة الأميركية حينه، رغم أن بضعة أمتار فقط كانت تفصلهم عن القدس المحتلة، تطالب الأصوات ذاتها بالتحشيد لبدء عملية التحرير من باريس..!!! وما زالت القدس تبعد عنهم بضعة أمتار، وما زال جنود الإحتلال الإسرائيلي يتغولون بطشا وتنكيلا بشعبهم الذي من المفترض أنهم من بين صفوفه خرجوا.

 

لكأن حالة الخصام بين حزب التحرير، وفلسطين ثابتة، ومستمرة، فلا احتلال القدس وعملية تهويدها المستمرة هدفهم، ولا القضايا الوطنية شأنهم، بل إنهم يجدون في كل جريمة تُرتكب بحق أبناء شعبهم، وبكل استلاب للأرض الفلسطينية، والحقوق التاريخية قضية مؤجلة لا تعنيهم، ففي استعراض لمسيرة الحزب منذ نشأته إلى يومنا هذا، نلمس التنافر الواضح بين كل فعل نضالي أقدم عليه الفلسطينيون ضد الاحتلال الإسرائيلي منذ منتصف القرن الماضي، وبين توجهات وأهداف الحزب. الحال الذي يضعنا أمام التساؤل الكبير: هل يتناقض تحرير فلسطين، ونصرة قضيتها، وصون كرامة شعبها، ومنطلقات الدين الإسلامي السمح..!!  الدين  الذي جاء رسالة الله لخير البشر، وإحقاق الحقوق، وتجسيد العدل والسلام، السلام والحق والعدل والتي هي اسماء لله عز وجل.

 

من تحت فوهات بنادق جنود الاحتلال الإسرائيلي طالب أنصار حزب التحرير في فلسطين فتح الحدود كي يتمكنوا المشاركة في موقعة (باريس) دفاعا عن رسول الله وخير أنام البشرية! الرسول الكريم الذي وصف أبناء شعبهم بأنهم "على الحق ظاهرين لعدوهم قاهرين لا يضرهم مَن عاداهم وهم في رباط إلى يوم الدين" لكن وعلى ما يبدو أن هؤلاء الأنصار يرون في "باريس" ما هو أجدى من الرباط على أرض فلسطين، والأجدر من تحرير مسرى نبينا بما يبذلونه ويحشدون له...!!  نعم؛ وكما يبدو فإن رصاصهم وصراخهم وتلويح أذرعهم ومنذ تاريخ ثورة شعبهم انطلق وَسُخر لكل وجهة، بعيدا عن قادة الكيان الغاصب مجرمي الحرب، أو مَنْ أدار الآلة العسكرية التي نهشت لحم أبناء شعبهم، وهدرت دماءهم، وعليه فإن سجلهم في حزب التحرير  خال من كل فعل تحرري، وكل موقعة كان بإمكانها أن تمنحهم شهادة الالتحاق بركب شعبهم، في مسيرته النضالية التحررية.

 

أمام هذا النموذج المسمى بـِ(حزب التحرير) كما باقي النماذج (المشاريع الاستعمارية ذات الطابع الديني) التي تركبت من وبين شعوبنا واتخذت من العقيدة وجها لها، وستارا يمنحها جواز المرور بظلِ مناخات هيأت انتشارها ومكنتها بين الشعوب التي عانت ولا تزال أصعب الظروف، خدمة لمصالح الاستعمار في منطقتنا العربية والتي تلخصت بالقضاء على الإرادات الوطنية وطمس الهويات وهدم الحضارات، بات استنهاض الإرادة الوطنية، وتعزيز أدوارها ضرورة مُلحة بل على رأس الأولويات، كون تلك النماذج تشكل التحديات البنيوية  أمام كل فعل تحرري إذ أن إنساننا هو هدفها الأساس. الأخطر في هذا السياق هو تنامي القوى اليمينية في الغرب والتي تتبنى ذات المنطلقات والمنهجيات العقائدية التي كونت فكر الاستعمار سالفا، الحال الذي نشهده في المواقف المنسجمة بين قوى اليمين لدى المجتمع الأميريكي والإسرائيلي مؤخرا.

m.a

التعليقات

Developed by MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024