الرئيسة/  مقالات وتحليلات

الفكر التنظيمي لصخر حبش

نشر بتاريخ: 2020-06-04 الساعة: 09:55

بكر أبوبكر

ملخص

يشكل القائد المناضل صخر حبش علامة بارزة في التاريخ الفلسطيني كما في التاريخ الفتحوي كمفكر وأديب وفنان وسياسي ودبلوماسي ورجل تنظيم، إذ جمع في شخصيته مجموعة أشخاص كأنها كلها تقاطعت معا لترسم المزيج الفريد الذي أنتجه.

وسنتعرض بايجاز لمؤشرات دالة في شخصيته الفكرية التنظيمية ارتبطت بالشواهد التالية:

1- القائد صخر حبش قومي عروبي النزعة بكل وضوح مما نقرأه بدقة في صياغاته وتأكيداته المتكررة فيما يكتب، وفي ندواته وصولاته.

2- كان"أستاذا نجيبا لمدرسة حركة فتح العطاء" كما وصفه أحد قادة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين معبرا عن أفكارها الأساسية.

3-الفكرة الوطنية في مدرسة صخر حبش تتعانق مع مفهوم الوحدة، ولا تنفصل عنها، ممثلة بوحدة الخط الفكري و وحدة النظرية ووحدة التنظيم بكافة مكوناته بعيدا عن الشللية والزعرنة والتكتلات سواء داخل حركة فتحن أو الوحدة الوطنية في إطار (م.ت.ف) وفصائلها والشعب الفلسطيني.

4-آمن بالمبادرة والمبادأة والإبداع والفكر والجسد والعقل والعمل، و رأى في التوازن بين مكونات الجسد والعقل والروح والنفس  

5-تظهر التأثيرات الحضارية العربية الإسلامية الواضحة في كتابات صخر حبش التنظيمية سواء من خلال الاستشهادات أو الاقتباسات.

6-صخر حبش مناضل أممي بفكره وممارساته عدا كونه وطني وحضاري وقومي.

7-هوالمؤمن الصادق الصلب بثورته وفكره وحتمية الانتصار وبالانتماء الطوعي ، إذ سطّر كتاباته الفكرية التنظيمية داعيا للثبات على المبدأ وداعيا للشجاعة لأننا (مناضلون مقاتلون).

8-شكّل صخر حبش حالة نادرة في حركة فتح بين مجموع المفكرين فيها لأنه أول من استطاع ربط الفن و الأدب بالفكر برباط وثيق.

9-أغرم صخر حبش باختراع المصطلحات والصور في أفكاره ومحاضراته وندواته وكتاباته

10-صنع أبونزار نفسه بنفسه من خلال الميدان، و عبر ما حبي به من مواهب وثقافة سعى لتنميتها وتطويرها (مادعى له-أي التطوير-في كل كتاباته)بشكل متلازم.

11-كان مستمعا جيدا ومتحدثا آسرا ورجل خلق لا يعادي أحدا على قاعدة الاختلاف في الرأي ما شكل طريقة فكره وتعاملاته.

 

مقدمة

في المرة الأولى التي التقيت بها صخر حبش كان يهدر عاليا في بيروت بين القصائد والعناوين وبين الدوشكا وأشجار التين، وكان يتحرك بحجم كلامه ، فهو المنظّر الفتحوي والفيلسوف سريع الإيقاع فريد الخصائص كثير الإنتاج ، لا ترى من عينيه إلا صوت العزيمة وحِدّة الإصرار، لم تكن تنقصه في طول حياته وعرضها النضالية ولا الشاعرية، فخرج بينهما وأجاد .

صخر حبش أحد مفكري حركة فتح القلائل ومسطّر كتاب (النقد والنقد الذاتي ) و(تطور الفكر الفتحوي) من بين كتب أخرى كثيرة أصبحت تعد من أدبيات حركة فتح، أبونزار رئيس تحرير دورية (فتح) لسنوات طوال صاحب النفس الطويل والثورة المستمرة لم يخلع بزته الخضراء المتواضعة حتى وفاته .

 التقيته ثانية في الكويت عندما كنت عضوا في لجنة الإقليم هناك ، لم يكن يناور أو يداور كان واضحا في آرائه يعبر عنها باقتناع حتى لو صدمت أو خالفت الآخرين ، فكان حّرا مقداما وهى سمة الكتاب والمفكرين الحقيقيين.

وفي تونس كان (أبو نزار) مصنع ثقافة وعدة حرب في جسد رجل واحد ، تواصل صلب كاسمه الحركي رغم أنه يحيى، فاتخذ مواقف واضحة ومحددة من العدوان على الأمة العربية التي كانت والقضية الفلسطينية تشغل عقله وتدير مسارات حياته ، وفي مواقفه الشجاعة هذه لم يتغير وظل مخلصا لمبادئه القومية وفكر فتح الثوري حينما انتقل للوطن .

قاد خلال الانتفاضة الثانية القوى الوطنية والإسلامية موحدا فيها النفس النضالي الذي عرف به ، وعقد عشرات الندوات وعشرات اللقاءات حول محاور عدة هامة ضمن مسؤليته كمفوض  للدراسات الفكرية في حركة فتح.

ألف العديد من الكتب وكتب الكثير من المقالات والدراسات عن  حركة فتح وعن العلاقات العربية وعن الدولة الفلسطينية ، وعن الدور الأمريكي وعن الثوابت الوطنية والاحتلال الصهيوني ولم يترك مجالاً في السياسة أو الفكر التنظيمي إلا وكتب فيه ، والى ذلك كان رحمه الله فنانا وشاعرا فذا كتب الشعر بأنواعه كما كتب الشعر العامي واشتهرت له قصيدة أصبحت لازمة هي قصيدة (لازم تزبط) ، وقصيدة دليلة الملحمية، ثم قصيدته الرائعة عن أبي عمار التي كتبها تحت عنوان (سيد البشرى).

نفس الثوار يحيي الثوار حيث كان صخر حبش نفسا قويا في إطاره في اللجنة المركزية لحركة فتح وفي بيته بيت فتح (دار الكرامة) أين رسم وكتب وجلس على (الرصيف) صحيفته النقدية، و(آفاق) دوريته الرصينة، وظل طوال عمره رجلا جماهيريا لا تفلت من بين يديه لحظات الحماسة الجماهيرية والبعث النضالي.

 

شواهد فكر صخر حبش

 

يشكل القائد المناضل صخر حبش أو (يحيى عبد السلام حبش) علامة بارزة في التاريخ الفلسطيني كما في التاريخ الفتحوي كمفكر و أديب وفنان وسياسي ودبلوماسي ورجل تنظيم ، إذ جمع في شخصيته مجموعة أشخاص كأنها كلها تقاطعت معا لترسم المزيج الفريد الذي أنتجه.

في فكر صخر حبش الذي نقتطف بعضا منه في هذه الورقة نقرأ مجموعة من المؤشرات التي تميّزه عن سواه من مفكري الحركة المخضرمين المعروفين أمثال كمال عدوان وخالد الحسن وماجد أبو شرار وهاني الحسن وعثمان ابو غربية وغيرهم.

وفي كتابات صخر حبش ذات الطابع الفكري والتنظيمي لا نستطيع أن نفصل صخر الأديب والفنان عن ذاك السياسي والمفكر لذا فان المؤشرات في ثقافته وفكره وخلفيته تعكس ذاتها لتدلّل لنا على المعاني التالية، وهي غيض من فيض الشواهد في فكره الثري والواسع:

1-    كان القائد صخر حبش قومي النزعة بكل وضوح مما نقرأه بدقة في صياغاته وتأكيداته المتكررة فيما يكتب، وفي ندواته حيث شدد دوما على العمق العروبي، الذي لا منجى منه ، فقيم العروبة والاصرار على وحدة الأمة العربية، ودعم رجالاتها كان  دأبه في كل مفاصل الأزمات التي عاشتها الأمة، لذا كانت القضية الفلسطينية لديه مرتبطة بصحة الأمة ونهضتها.

 

 

 

 

 

يقول أبونزار (لأن الثورة الفلسطينية هي طليعة الأمة العربية في معركة التحرير المصيرية فإن شعارنا الضروري من أجل تكريس وحدة التحرر العربية يجب أن يرتفع ليؤكد أن : وحدة الثورة الفلسطينية .. وحدة حركة التحرر العربي.)[3]

 

 

 

وبعد أن يؤكد قدرة الثورة على الاستمرار بالمناضلين الأشداء الصلبين، وبالجماهير المستعدة دوما للعطاء، يقول ثالثا: (إن الثورة قادرة أن تستمر لأن هناك جماهير عربية وقوى وطنية عربية ، مؤمنة بأن تحرير فلسطين قضيتها، وهي ملتزمة بالثورة الفلسطينية ولكنها اذا لم تكن قادرة اليوم أن تفعل شيئا كثيرا ، فإنها لن تبقى كذلك طويلا ، والقمع لن يبقى سيد الاحكام في هذا الوطن العربي الى الابد ولن يستطيع ان يخضع هذه الجماهير العربية أبدا. ولذلك فالثورة سوف تستمر ، والنصر محتم.)[4]

 

 

2-    شكل أبو نزار علامة خاصة إذ وضع بصمته بصفته "أستاذا نجيبا لمدرسة حركة فتح العطاء" كما وصفه أحد قادة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين معبرا عن أفكارها الأساسية –وسلوكياتها- الواردة في هيكل البناء الثوري ثم في النظام الأساسي (الأهداف والمبادئ والأسلوب) قولا و فعلا ، وهو إذ آمن بحرب الشعب طويلة الأمد وفي سياقها الكفاح المسلح فانه لم يتخلى يوما عن بدلته المتواضعة، بدلة السفاري الأقرب للسمات العسكرية أو التي تذكرنا بسفاري قادة الثورات التي تعطي رسالة التقشف والانتماء والتماهي مع فكره الذي يطرحه، ومع الجماهير.

 

 

 

وفي مدرسة حركة فتح وتأكيده على دور التنظيم، حيث يقرن الالتزام الحركي بنقطتين الأولى هي الابداع والثانية هي الفعالية، يقول في تعميم (حول المبادرة والالتزام) (لا يمكن أن تكون هناك قضية ثورية دون التزام ونضال وألا تصبح القضية ضائعة ومهددة بالاختناق ويجب أن نعرف بالتالي أن الالتزام يجب أن يكون فقط بالقضية ونظريتها وبالحركة التي أوجدت هذه النظرية عندها تكون ممارستنا ونتائجها مثمرة وصحيحة على أرض الواقع ولا نكون عرضة للتشتت والضياع ، ويبقى هناك حالة سلبية اخرى تتجلى بالملتزمين الكسالى الملتزمون الذين تحكم بهم الصقيع فتجلدوا .. التزموا وناموا ولم يتحركوا معتقدين أن في النهاية الفوز لهم.)[5]

 

 

 

ويقول عن مبدأ الرقابة والمتابعة في سياق مبدأ المركزية الديمقراطية[6] في حركة فتح (إن مجموعة الضوابط التي تحمي العمل التنظيمي تنبع بشكل أو بآخر من المبدأ الرئيسي في البنيان التنظيمي للحركة الثورية ألا وهو مبدأ المركزية الديمقراطية . وشروط المركزية الديمقراطية لا تؤمن سلامة أخذ القرارات فحسب. وإنما تؤمن سلامة تنفيذها أيضا. ويتم التأكد من سلامة التنفيذ عبر التمسك بشرطين أساسيين من شروط المركزية الديمقراطية:

 

الأول : هو أن واجب الأفراد والهيئات القيادية المنتخبة يقتضي أن تقدم التقارير الدورية الى اللجان أو المؤتمرات التي انتخبتهم لتتم محاسبتهم على أساسها.

 

الثاني : هو أن على المراتب الأدنى تقديم التقارير المفصلة دوريا عن كل نشاطاتها.)[7] مضيفا لذلك في ذات الورقة (أن فعالية التنظيم تتطلب الإنجاز للمهمات وتجديد وتطوير الكوادر،  وهذه الفعالية لا تؤمنها حقا إلا المراقبة والمتابعة)، مؤكدا على أهمية المراقبة والمتابعة في التنظيم وهي مهمة ادارية-قيادية لا غنى عنها -كما قال- في اختيار الكفاءات والتحقق من تنفيذ العمل وكشف الثغرات وتنشيط العمل الجماعي وتربية الأعضاء وبث روح التحفز وتعميق روح المسؤولية.

 

 

 

 

 

 ويقول "الأستاذ النجيب في مدرسة حركة التحرير الوطني الفلسطيني-فتح" عن الحركة بشموخ ومحبة (هذه فتح "الشجرة المباركة التي أصلها ثابت وفرعها في السماء"[8] .أما تلك الزهور المتطفلة في ظلال شجرة فتح والتي تسبح جذورها بعيدا عن مصلحة الجماهير الفلسطينية والعربية فإنها ومهما بدت زاهية ويانعة فإنها تلوث النسيم بسمومها . إن "خضراء الدمن"[9] وزهورها تذبل مع أول طلعة شمس تفتح أبواب التضحية أمام النحل الباحث عن عسل النصر.)[10]

 

 

 

    يواصل أبونزار التعبئة الفكرية للأعضاء من خلال كتاباته التنظيمية كمفكر ومعلم حيث يقول في

 

ورقة-تعميم (عضو التنظيم وواجباته النضالية واليومية تجاه نفسه) التالي: (‘ن دور الأعضاء في الحركة لا يتوقف عند مشاركتهم في العمل الجماعي والقيادة الجماعية وإنما بتحملهم لمسؤولية شخصية تتعلق بتطوير العمل يوميا. وحيث أن الاعضاء كأفراد هم في حالة تماس مباشر مع الشعب ومطالبون أن تنصب مسؤولياتهم الشخصية فيما يخدم مصلحة الشعب والجماهير...فإن من واجب العضو أن يخدم الشعب بأمانة وإخلاص...)

 

ويضيف في ذات التعميم (وحتى تصبح القاعدة المنظمة لحركتنا جديرة لأن تكون مصدر للسلطات فان على كل عضو في القاعدة أن يكون جديرا بالإنتماء لحركتنا. وأن تكون ممارسته اليومية عبر برنامجه الشخصي للعمل اليومي في كافة المجالات تؤكد هذه الجدارة. ان مجالات العمل اليومي التي يعمل العضو فيها تتطلب منه القيام بواجبات تجاه نفسه أولا. وبواجبات تجاه الحركة ، ثانيا . وبواجبات تجاه الجماهير ثالثا.)[11]

 

 

 

 

 

 

 

3-    الفكرة الوطنية في مدرسة صخر حبش تتعانق مع مفهوم الوحدة، ولا تنفصل عنها، ممثلة بوحدة الخط الفكري و وحدة النظرية ووحدة التنظيم بكافة مكوناته بعيدا عن الشللية والزعرنة والتكتلات، وهي الفكرة الوطنية داخل حركة فتح المتعانقة مع وحدة فكر الثورة وأداتها من خلال (م.ت.ف)، ومن خلال وحدة فصائل المنظمة على الجوامع المشتركة (كان يرفض كلمة قواسم ويستخدم جوامع مشتركة بدلا منها) الذين دأب على التواصل معهم حتى وفاته، من خلال الفكر والحوار والنقاش وعبر الندوات، ومن خلال المشاركات التي أتاحها لهم في المؤسسة أو المؤسسات التي ترأسها مثل إطار القوى الوطنية والإسلامية الذي أبدعه في الوطن.

 

 

 

 لقد جعل أبونزار من المؤسسات التي أدارها معبّرا عن وحدة كان ينشدها ولو في حدها الأدنى في كثير من المراحل حينما تفتت الرؤى وتاهت الطرق وفيه يقول أبو ليلى قيس عبد الكريم نائب الأمين العام للجبهة الديمقراطية "انه رغم تعصبه لحركة فتح الا أنه بالقدر ذاته كان أكثرهم انفتاحا على الفصائل لأنه كان صادقا ويعتقد ان على فتح تجميع الفصائل في بوتقة تحرير فلسطين" مضيفا ما قلناه بالتصريح انه كان "رجلا وحدويا بامتياز".

 

 

 

 

 

4-    آمن بالمبادرة والمبادأة والإبداع والفكر والجسد والعقل والعمل، و رأى في التوازن بين مكونات الجسد والعقل والروح والنفس، أساسا طبقه على نفسه، كما نظّر له فيما كتب وقال وفعل فكان رياضيا مفكرا شاعرا فنانا وعالما، وهو ما مثل صلب التعبئة والتربية التنظيمية التي سعت لها الحركة وسعى لها أبو نزار بدمج الجسد مع النفس والروح، والعقل الذي أعلى من قدره كثيرا وجعله حاكما للأقانيم الأخرى، ومايز بين الاستراتيجية وبين التكتيك وجعل العلاقة بينهما بمثابة العبد المطيع لسيده في ترابط وطاعة والتزام وجب حين التطبيق إذ أن "الديمقراطية حين النقاش والديكتاتورية حين التنفيذ".

 

 

 

يقول في محاضرة له (العقل هو مفتاح الممارسة ، العقل هو المفتاح الذي يحدد طبيعة خلق التوازن بين المكونات الثلاثة الاخرى ، فلا يسمح للروح أو النفس أو الجسد  أن تطغى،  ان العقل هو الذي يخلق حالة التوازن ، هو الذي الله سبحانه وتعالى وضعه في كل الناس ، وعلم فيه كل الاديان ، وجعل له السيطرة ... في التكوين البشري على الاجزاء الاخرى )[12] 

 

 

 

ويقول ان (الرسول عليه الصلاة والسلام ، وأنبياء الله ، لم يُنزّل عليهم الرسالة، الا بعد اكتمال هذا العقل. إن هذه المكونات الاربعة ، تلعب دورا اساسيا في طبيعة الانسان في حياته ، اذا اختار أن يصبح مناضلا)[13]

 

 

 

 

 

وفي ذلك يقول القائد صخر حبش ضمن تعميم تنظيمي تحت عنوان (حول شعار "دع ألف زهرة تتفتح")[14] ليدمج فكره التنظيمي بعطائه الأدبي وحس الفنان (تفتح الأزهار قد يعني النضوج والوعي وقد يعني تنوع الأفكار والحرية المطلقة على حساب الإلتزام بفكر فتح. وتفتح الأزهار قد يعني المبادرة وطرح الأفكار الخلاقة لتطوير العمل الثوري. وقد يعني حرية الجمود العقائدي وحي الازهار الجافة والبلاستيكية بفرض وجودها الأبدي.وتتفتح الأزهار قد يعني حق صراع الأفكار ضمن الوحدة كطريق أساسي للتطور . وقد يعني تعايش الأفكار ضمن الإنقسام والشللية والتشرذم.

 

وتفتح الأزهار قد يعني تطور النضال ضد العدو الإمبريالي الصهيوني والعملاء وقد يعني الخلط وتوسيع جبهة الأعداء الى درجة تشمل بعض الحلفاء.

 

ألا نشتم في بعض هذه الأزهار رائحة العداء لحلفاء أساسيين لحركتنا؟ أولا نشتم أيضا رائحة التساهل مع أعداء اساسيين وعملاء؟

 

إن الأزهار تتفتح من أجل أن يختلط رحيقها بالندى فيشكل للنحل جعبة شهدها توهج الدرب الى النصر. ولكن الأزهار السامة تتفتح زاهية الألوان لتصطاد النحل وتسد أمامه دروب النصر.)

 

 

 

 

 

 

 

5-    تظهر التأثيرات الحضارية العربية الإسلامية الواضحة في كتابات صخر حبش التنظيمية سواء من خلال الاستشهادات أو الاقتباسات أو الأمثال أو القصص، والإشارات المستقاة من تاريخنا الحضاري العربي الإسلامي، فهو المؤمن بالثورة وحتمية  النصر الذي كان يتزود من معين حضارتنا وبالأفق الرحب المتماهي معه بالإسهامات المسيحية والعالمية.

 

 

 

 ولك أن تنظر في ثنايا هذه الورقة لأمثلة من إشاراته لعديد الآيات القرآنية الكريمة مثل آيات الوسطية، والعبارة القرآنية "شجرة مباركة أصلها ثابت وفرعها في السماء" ، وتضمينه لمقالاته عبارة مثل عبارة "خضراء الدمن" المقتبسة من الأحاديث النبوية الشريفة.

 

 

 

 

 

6-    إن قلنا أن صخر حبش مناضل أممي بفكره وممارساته عدا كونه وطني وحضاري وقومي فإننا لا نجافي الحقيقة، إذ لطالما استدعى كبار المفكرين والثوار والقادة من الثورات الروسية والصينية والكوبية والكورية والفيتنامية عدا الجزائرية والمصرية، ولطالما دعا لتلاقح التجارب واستلهام تجارب الثورات مع النظر لخصوصية ثورتنا و واقعها المميز.

 

 

 

ولم يخلُ حديثه من المصطلحات ذات الطابع الأممي مثل الامبريالية والثورة العالمية ....محاولا اضفاء الطابع العالمي على القضية والثورة الفلسطينية، وإدخال جميع ثوار العالم وأحرارها في النضال تحت عباءة الثورة الفلسطينية التي ضمت بحق مناضلين عرب وأجانب أممين.

 

 

 

7-    أبو نزار المؤمن الصادق الصلب بثورته وفكره وحتمية الانتصار، وبالانتماء الطوعي سطّر كتاباته الفكرية التنظيمية داعيا للثبات على المبدأ وداعيا للشجاعة والاستقلالية والانتماء غير التبعي لأننا كما يقول (مناضلون مقاتلون) قادرون على المواجهة ولأننا (نمتلك الرؤية الثورية السليمة) ما يستوجب منا المحافظة على معنوياتنا وجماهيرنا في كافة المنعطفات السياسية .

 

 

 

يقول أبونزار (تواجه حركتنا ضمن صفوف التنظيم وفي أجهزتها المختلفة من يشعرون أن انتماءهم ليس للحركة وإنما لأفراد فيها سواء في المراتب المسؤولة أو دونها . وهؤلاء عادة يحققون الوصول الى حقوقهم ليس نتيجة القيام بواجباتهم تجاه الحركة وإنما لقيامهم بخدمات خاصة لمن يشعرون أنه ضماناتهم في الحركة . ولقد اصبحت نغمة "الاعمام" مسوعة ومترددة في كافة الدهاليز "فالذي ليس له عم ... يروح ينطم")[15] ويضيف:( حركتنا حتى تكون غير خاضعة ولا تابعة ولا موجهة تقتضي حياة داخلية يكون فيه العضو غير خاضعة ولا تابع ولا موجه إلا بالنظام الداخلي وبمبادئ الحركة وأهدافها وأساليبها.)[16]

 

 

 

 

 

8-    لربما شكّل صخر حبش حالة نادرة في حركة فتح بين مجموع المفكرين فيها لأنه أول من استطاع ربط الفن و الأدب بالفكر برباط وثيق ، وعمّق البعد الثقافي في الحركة اذ جعل من مكتبه وحدة واحدة تتداخل فيها اللوحات الفنية والتي منها ما رسمها بيده وواحة الشعر الذي كتبه وغيره، وصناعة الشرائط السينمائية والمقاطع المرئية التي أشرف عليها، مع بوابة الفكر والسياسة التي فتحها لكافة الأطياف الفكرية والسياسية من خلال الندوة الأسبوعية في دار الكرامة في فلسطين (ندوة الأربعاء) التي درج على استضافتها حتى سنيه الأخيرة.

 

 

 

9-    أغرم صخر حبش باختراع المصطلحات في أفكاره ومحاضراته وندواته وكتاباته وهذا ليس غريبا عن عمل شاعر و أديب وفنان مرهف الحس، فهو صاحب المقولة الشهيرة المستقاة من قصيدة له (لازم تزبط) وهو من استخدم مصطلح (أطواق النجاة ) في السياسة الفلسطينية و (المجازفة التاريخية) التي أطلقها على اتفاقية أوسلو 1993 كما استخدم ما أسماه (الوسط الذهبي) والنهر والروافد، وغيرها من المصطلحات، والتشبيهات والصور البليغة.

 

 

 

 

 

يقول أبونزار أنه عندما نتحدث (عن المركزية الديمقراطية ، لا هي مركزية مطلقة ، ولا ديمقراطية مطلقة ، فالمركزية الديمقراطية هي "الوسط الذهبي" في العملية ، اذا اخذنا هذه الكلمة ، لنفهم معناها   نجد في القرآن الكريم ما يؤيد فكرتنا الوسطية، فان الله سبحانه وتعالى يقول ، (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً ) البقرة143 ، وقال (وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ ) الاسراء29، وقال (وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ ) الإسراء 37، مايجعل الانسان والعقل بهذه المكونات يسيطر سيطرة كاملة على مسيرة حياته ، بحيث تجعله يسير في الاتجاه الصحيح ، دون انحياز يؤدي به الى الدمار يسارا أو يمينا فهو هذا العقل.)[17]

 

 

 

 

 

10-                       صخر حبش المثقف والمفكر السياسي والتنظيمي صنع نفسه بنفسه من خلال الميدان، و عبر ما حبي به من مواهب سعى لتنميتها وتطويرها (مادعى له-أي التطوير-في كل كتاباته) بشكل متلازم، متقاطع أحيانا أو متوازي، فكان الأديب والسياسي والدبلوماسي والشاعر والمثقف وصاحب الرؤية "وكان الصخر بحق الذي تواجد في وسط المعارك" و"كان صادقا مع نفسه، محافظا على تفاؤله بأن شعبنا منتصر حتى في أصعب الظروف" كما قال عنه زميله في القيادة المفكرعثمان أبو غربية ما أكده عضو اللجنة المركزية عباس زكي في الذكرى الرابعة لرحيله عام 2013 إذ قال هو الآخر: "لم أكن أطيق فراقه ، ولا أملّ الجلوس إليه والاستماع لكلماته وقصائده و أدبه وخبرته ، وهذا أمر فريد من نوعه أن نجد شخصا لديه صفات ومهارات وخبرات متنوعة."

 

 

 

 

 

يقول صخر حبش المثقف صاحب المواهب التي يستخدمها جميعا في ندوة (حول المثقف والانتفاضة) في العام 2001 إن (التصدي بالنشيد والحجر مهم على هذه الصور ، التي استطاع الفنان المبدع الأول في هذه المرحلة طلال أبو رحمة ، أن يحولها الى صورة الطفل محمد الدرة، هذا هو دور مثقف فلسطيني يحمل آلة التصوير ، يقف بين الرصاص، يذكرنا بهاني جوهرية ،ويقول للعالم ، لا يستطيع إلا أن يرى كيف انتصر دم هذا الطفل على كل آليات ودبابات وصواريخ هذا العدو الصهيوني.المشروع الثقافي يا إخواتي وإخواني هو مشروع الحماية وطوق النجاة للمشروع السياسي.

 

ونحن من دعاة ثقافة السلام ولكننا عندما نستخدم كلمة التطبيع يجب أن يقال ان هذه الكلمة ، تتم بين شيئين هما طبيعيان، لا يجوز التطبيع بين النار والبنزين ، لا يجوز لأنهما متناقضان ،وبالتالي الكيان الصهيوني المحتل القاتل لا يمكن أن يطبع أي أن يكون للتطبيع بينه وبين الضحية. وكل محاولات بذور السلام ، ومركز بيرز للسلام كأن نجد من يدعمها أيضا من المثقفين ، الذي يسقطون في هذه السقطة . الان وقد ظهرت الحقيقة إن الدم ينتصر على السيف.

 

أخطر ما يواجهنا الآن ليست الدبابات ولا الطائرات ولا كل أسلحة العدو ، أخطر ما يواجهنا الآن هو الخوف وبالتالي الفلسطيني الذي يخاف يفقد هويته الفلسطينية. الفلسطيني خلق كي لا يخاف وإنما لكي يخيف الموت ويخيف كل ما هو من شأنه أن يضعفه هذه قضية أساسية يجب أن تكون مفهومة لنا جميعا  وأنا تقديري دور المثقف الآن أن يرفع صوته عاليا ، من أجل الشجاعة من أجل التضحية من أجل الإيمان المطلق بحتمية النصر.)[18]

 

 

 

 

 

11-                       اتسمت كتاباته وفكره وتنظيراته بالسِّعة والرحابة، لذا فلقد كان مستمعا جيدا ومتحدثا آسرا ورجل خلق لا يعادي أحدا على قاعدة الاختلاف في الرأي ، ما نقرأه (وما عايشناه) في فكره السياسي والتنظيمي وفي كتابه الهام (النقد والنقد الذاتي) وكتاب (المنهج في العمل الثوري)، وفي (الديمقراطية المركزية) و(تطور الفكر الفتحوي)حيث تحولت وغيرهما من الكتابات لأدبيات في حركة فتح والثورة الفلسطينية.

 

 

 

 

 

ولأنه لا يعادي أحدا على قاعدة الاختلاف بالرأي فإنه أعلن ثقته بالكادر والتنظيم فسطر كتابا هاما في النقد والنقد الذاتي نقتبس منه العبارة اللطيفة التالية: (إن النقد والنقد الذاتي من العوامل التي تدفع بالتنظيم والحركة بشكل متسارع والى الأمام ، ولكن إذا ما استخدمتا في المكان والزمان المحدد لهما، فالنقد والنقد الذاتي مكانهما الإطار التنظيمي وزمانهما الجلسة التنظيمية ، ومتى خرجا عن ذلك يكونان من العوامل المثبطة والتي تشد بالتنظيم والحركة الى الخلف.) مضيفا ( إذا تمت عملية النقد خارج الأطر التنظيمية مع وجودها فإن هذه ليست إلا عملية هروب وضعف وجبن. ولكن إذا تمت عملية النقد خارج الأطر التنظيمية لعدم وجودها فيجب أن يدفعنا ذلك الى التساؤل ، أين الأطر التنظيمية ؟ ولماذا هي معطله ؟ ومادامت الأطر التنظيمية معطلة فمن ذا الذي يستطيع كبح الأعضاء المخلصين والطلب اليهم عدم ممارسة النقد خارج الاطر التنظيمية.)[19]

 

 

 

صخر حبش ذو الفكر الحر والديمقراطي والوطني القومي تمسك بالمركزية الديمقراطية عماد البناء التنظيمي بمعناها الذي يوازن بين ديمقراطية المؤتمرات ومركزية القرار حين اتخاذه عبر التسلسل التنظيمي ، وفي ذلك كان الداعية لجماعية القيادة وعدم التفرد في اتخاذ القرارات كما أوضح في (النقد والنقد الذاتي).  

في ختام ورقتي هذه عن القائد المفكر الكبير صخر حبش آثرت أن أضع بين أيديكم نصا كاملا كتبه كتعميم تحت عنوان (حول التثقيف والتربية الفتحاوية) لمزيد من التأمل في فكره وسلاسة طرحه ومضاء عقله وتعبويته معا.[20]

(الثائرهو الذي يدرك بوعيه الطليعي ما يعانيه شعبه من تمزيق واستغلال وما يعانيه وطنه من تجزئة واحتلال من قبل الإمبريالية والصهيونية والقوى المرتبطة بها . فهؤلاء الثوار هم الذين يتحركون بدوافع من وعيهم وشهورهم بالمسؤولية بالمسؤولية لملقاة على عاتقهم للعمل على تخليص شعبهم من الظلم والاضطهاد.

 

كل هذا يتطلب وعيا ثوريا وثوارا متمرسين على العمل النضالي ولا يتم هذا الوعي إلا بالتثقيف والمتابعة والتعلم والثقافة الثورية هي التي تخرج الثائر من إطاره النظري والثرثرة الى ميدان العمل الجاد للسير على تحرير وطنه وأرضه لأن الثقافة سلاح أساسي من أسلحة الثورة.)

 

 

 

 ثم يسترسل أبونزار في تعداد أوجه وأساليب وبرامج التثقيف الواجبة "على المناضل الطليعي كي لا يضل الطريق ويعجز بالتالي عن الإستمرار بالثورة" كما قال، كالتالي:

 

 

 

1. أن يدرس ويلمّ بجميع ما يصدر عن الحركة من أدبيات ويوجّه نقدا ثوريا لما تتعارض مع مبادئ الحركة ويعمل على تطوير الصحيح منها.

 

2. هذا الوعي الثوري لأهداف ومبادئ وأساليب حركتنا يسهل على أبناء حركتنا نقل أفكار الحركة الى جماهير شعبنا نقلا أمينا وسهلا يمكّن هذه الجماهير من معرفة حركتنا على حقيقتها حيث أنها انطلقت من أجل تلبية حاجات هذه الجماهير في التحرير والوحدة وبناء المجتمع العربي التقدمي الموحد.

 

3. لقد وضعت حركتنا نظريتها الثورية وحددت الأسس والمفاهيم التي تقوم عليها كحركة وطنية وثورية. وحددت علاقاتها بشكل خلاق مع الجماهير العربية منذ انطلاقتها.

 

4. إن حركتنا أيضا ربطت بين نضال شعوب العالم المضطهدة والتي تتطلع الى الإستقلال ونيل حقوقها ، حيث قال  نظامنا الداخلي : (إن نضال الشعب الفلسطيني جزء من النضال المشترك لشعوب العالم ضد الصهيونية و الاستعمار والإمبريالية العالمية).

 

5.   حددت حركتنا مبادئها في أهدافها في تحرير كامل التراب الوطني الفلسطيني، وتصفية القاعدة الصهيونية الإمبريالية التي أقامتها الامبريالية لضرب أي حركة تحرر وطني في منطقتنا العربية ولكي تضمن سيطرة الامبريالية على كل موارد بلادنا والإبقاء على شعبنا رازحا تحت نير الجهل والتخلف.

 

6. يجب على كوادر حركتنا أن يؤكدوا دائما ان الحركة هي التثقيف الجماعي لأعضائها من خلال أطرها ومن خلال ممارستها العملية اليومية للفعل الثوري الحي والتصدي الجاد لكل المعوقات.

 

7. إن ثورتنا الفلسطينية لم تخلق فجأة أو من فراغ بل هي امتداد حقيقي لتاريخ شعبنا النضالي من أجل كرامته واسترداد أرضه. بل هي إمتداد لثورة الشيخ عز الدين القسام والتي هي صفحة مشرفة في تاريخ شعبنا.

 

8. يجب أن يبحث كل مناضل عن الملابسات الدولية والعربية التي أحاطت بقضيتنا حتى نستطيع الدفاع عنها في المحافل الدولية التي تصلها بنادق الثوار.

 

9. يجب على مناضلينا أن يعرفوا ويتعرفوا على تاريخ الأطماع الصهيونية في فلسطين إذ أنها تمتد الى مئات السنين وليست وليدة وعد بلفور.

 

10. إن الامبرياليين يعرفون جيدا أن نهايتهم في المنطقة هي بانتهاء قاعدتهم في الشرق الأوسط . من هنا فهم مستعدون لبذل كل ما في وسعهم من أجل الدفاع عنها وهم لا يتورعون عن تسليمها كل أدوات الحرب.

 

11. يجب أن نعرف جميع جوانب هذا الكيان العنصري وأن ندرسه دراسة جيدة وأن نعرف كل خبايا هذا الكيان لأنه بمعرفتنا له بشكل جيد نستطيع أن نتعامل معه بشكل جيد ونعرف من أين يجب أن يضرب. فيجب أن نتعرف على أحزابه ومنظماته وتشكيلات جيشه ومخابراته وأوضاعه الاقتصادية والسياسية والعسكرية.

 

12. يجب أن نتعلم من تجارب الشعوب والثورات التي مارست الكفاح المسلح ضد أشكال الإستغلال حتى نلم بأخطاء تلك الثورات والشعوب التي خاضت الكفاح المسلح بأساليب كثيرة (الصين وكوريا وروسيا والجزائر وفيتنام) ، مضيفا أن: التعلم من هذه التجارب يوفر علينا دماء وأخطاء، وضرورة الدراسة لها بشكل واقعي في ظل خطنا السياسي الواضح والمستقل، وبما يلائمنا، ومضيفا الاعتبار من تجارب شعبنا بروح نقدية.

 

13. إن أخطر شيء في الحياة الثورية هو أن تشعر الجماهير أن تلك الثورة لا تختلف على النظام التي ثارت عليه أصلا، فالثائر مطالب دوما باحترام عادات الجماهير والتعرف عليها والاستماع الى مشاكلها وآرائها ومطالبها . فإذا لم نستطيع فإن هذا ينعكس على m.a

Developed by: MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024