الرئيسة/  مقالات وتحليلات

القتل على "خلفية الشرف".. أزمة مفاهيم وقيم..!!

نشر بتاريخ: 2019-09-01 الساعة: 11:15

موفق مطر تبرز جرائم قتل النساء ازدواجية معايير ومراجع القيم الأخلاقية والروحية التي يدعي الفرد في المجتمع انه يحتكم إليها، فهو من ناحية يدّعي الإيمان بالشرائع السماوية التي اعتبرت قتل النفس التي حرم الله قتلها كقتل الناس جميعا، والامتثال بشريعة رب الناس التي حرمت قتل النفس إلا بالحق ثم نراه يرتد إلى جاهليته من الناحية الأخرى وينقض على هذه المرجعية عندما تصطدم مع سلطان ذكورته ورغبات فحوليته والتي على أساسها نظم القوانين لإخضاع نصف المجتمع إن لم يكن أكثره، وتوظيف قدراته في إطار نظام اجتماعي وسياسي واقتصادي يقوم على ركيزة تفوق جنس الذكر وقوامته، والانتقاص من عقل جنس الأنثى والحط من شأنها حتى ولو دمغت تفوقها العقلي والإبداعي بالبراهين والأدلة القاطعة، نظام يضمن فيه الرجل الفحل الذكر التحكم والحكم والسيطرة، وسبل توزيع الثروات والميراث، وهو نظام إذا ما أخلصنا في قراءة أدبياته، وبحثنا في سلوكيات أنصاره، وتبريراتهم وتفسيراتهم لاستنتجنا الطرائق المتعددة لنفي العلم، الحرية، العدالة، السلام، المحبة، المساواة، والحوار ومحاولاتهم المستميتة لإبقاء مضامين النظام ونصوصه وتطبيقاته خالية منها، فأصبح للجهل مدارس وللعبودية تخريجات، وقدست الحروب، وباتت الكراهية للآخر معيارا للانتماء إلى قواعد الأحزاب، ونشرت أبجدية سفك الدماء، ورخصت لعجلة قوانين التمييز العنصري بالانطلاق لهدر دماء الإنسان الأنثى وجسدها والانتقاص من قيمتها، واعتبارها كسلعة بلا روح، وفي أحسن الأحوال روح لا تفقه !!
* ان جريمة القتل على خلفية الشرف هي تعبير عن الأزمات المتلاحقة والمتتابعة في منظومة العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والفكرية للفرد بصفة خاصة وللمجتمع عموما، وهي بالتالي انعكاس طبيعي لواقع حال العلاقات الاجتماعية، والمفاهيم السائدة، وتدني مستوى الثقافة الأصيلة وانكسارها وتراجعها أمام التعاليم والتعاميم الدخيلة أو المستوردة أو المنبوشة من دفاتر وسجلات العادات والتقاليد التي لطالما كانت السبب في إبقاء الأمة في مساحة البشر الهمجيين الذين لا يقيمون وزنا لقيمة الإنسان وقدسيته!
* هذا النوع من الجرائم هو خير دليل على قصور نظريات ورؤى وأدبيات ودساتير وأنظمة ولوائح المنظمات والأحزاب، ودليل وحجة على التناقض ما بين نظرياتها وتطبيقاتها، وضعف أدواتها، وعدم جدوى أساليبها، وهي برهان قاطع على فشل قوى الحركة الوطنية المعاصرة ومؤسساتها بكل مسمياتها، والسلطة الرابعة، ولا نستثني منظمات المجتمع المدني، فبعد عقود من النضال تحت رايات ومسميات وطنية وقومية ودينية كان مشهد التحلل الثقافي هو السائد.
* عند كل شعوب العالم المناضلة من أجل الحرية والاستقلال كان ظلم الاحتلال دافعا يمكن تصنيفه تحت عنوان العوامل الايجابية الدافعة للتحرر من المفاهيم والعادات والتقاليد التي يحرص الاحتلال على استمرارها كبدائل عن الثقافة التنويرية المتناقضة أصلا مع قوانين الاحتلال، ونرى بان شعوب العالم كانت تناضل لإقامة سلطة تعمل على تنقية القيم الفاضلة مما علق بها، وتكافح بكل الوسائل للارتقاء بمفاهيم المجتمع التي تحرص على ان تكون عصرية تحرره من هيمنة صناع الخرافة والأساطير، العاملين على شد المجتمع لإخضاعه لسلطتهم كبديل عن سلطة الاحتلال لا تحريرا للناس منها، فبعضنا الفاشل يحمل الاحتلال الإسرائيلي مسؤولية جهله وقصوره وانحراف رؤاه فيحرر نفسه من المسؤولية عند زعمه فيطرح نفسه " كمفسر أحلام " بدل أن يكون مفكرا أو معلما أو مثقفا ثوريا أو طبيبا معالجا أو عاملا أو مزارعا منتجا أو مبدعا يخلق الثورات في وعي الناس لتحريرهم من قيود الخرافات.
يتكون الشرف من مجموعة القيم والوصايا المقدسة التي يربى عليها الإنسان منذ ولادته، وينضج وينمو معنى الشرف إلى حد يصبح فيها هو البناء الشخصي المتكامل للإنسان، فالصدق والوفاء والمروءة والإيثار وقول الحق والعدل، واحترام رأي وحقوق الآخر وقيمته الإنسانية، والتسليم بحرية الإنسان واحترام مشيئته وقراره في الاختيار هي سمات للشرف الإنساني، أما التهافت على جعل الأنثى عنوانا للشرف فما هو إلا استعباد للإنسان الأنثى واغتصاب معنوي لكيانها، وتحقيرا لعقلها وعواطفها ومشاعرها وأحاسيسها، وعليه فإن الخطيئة الجريمة تبدأ في طرح العرض أي النساء كمرادف لمعنى الشرف، وان القتل على خلفية الشرف هو الحد الذي ينفذه القاتل متسلحا بتفسيرات لمعنى الرجم حتى الموت وتفسيرات الزنا النمطية السائدة والتي لا يخلو بعضها من انعكاسات الذكر المريض نفسيا، فهؤلاء يعتبرون الأنثى شيطان غواية، وعورة.
فالقتل والجريمة فعلان تعاقب عليهما شريعة السماء ولا يمكن ان تقرهما شريعة سماوية لأنهما يتناقضان مع الحياة، ومنطق العفو والغفران والتوبة والرحمة، وقانون الخلق الذي أكد على أن الانسان مخلوق غير كامل وانه قابل للوقوع بالخطأ، انه قادر على تجاوز أخطائه بالتعقل والحكمة واللجوء إلى الصبر والعمل الصالح. 
* نحتاج لتحرر عامة الناس من سيطرة الذين أوهموهم أنهم القادرون على التفكير والعمل نيابة عنهم والتوسط لهم عند العلي القدير.
إن جريمة قتل الإنسان وتبريرها بالشرف هي نموذج مستنسخ للعنف المادي والمعنوي اللفظي والمسلح الذي ألبسه بعض المشرعين ثوب القانون الطبيعي والشرعي عنوة !! بل ذهب بعضهم إلى حد تقديس العنف، وفرضوه على الناس كأسلوب لحل قضايا الإنسان، الأمر ليس بمفاجأة إذا علمنا أن وراء كل هذا فحول الجماعات والأحزاب الطامعين بالسلطة بأي ثمن.
* لقد أسهم تدني الثقة بالنفس، وهبوطها السريع إلى تجميع حالة في قاع مجتمع المدينة كما في مجتمع القرية والبادية حيث يعتقد الفرد هنا أن قتل إنسان على خلفية الشرف عمل بطولي!! هذا ناهيك عن الشكوك والظنون الآثمة باعتبارهما سمتين كالجوهرتين على تاج صاحب السلطة الجاهل، وبما أن الذكر في المجتمع يرث السلطة الأبوية والعائلية والاجتماعية والسياسية بغير كفاءة معرفية أو علمية ويسيطر على الموارد الاقتصادية فهو رهين الشك والظن، يتخذ قراراته من تفاعلهما في نفسه ترسمان توجهاته، فيحكم على قبوله القيم الفاضلة بمقدار حجم الشكوك والظنون التي غالبا ما تكون متوفرة إلى الحد الذي يؤهلها لأن تغير القوانين وفقا لمصلحة الأنا السلطوية الفحولية الذكورية الضعيفة الثقة بالذات جدا.
قد لا يكون تطوير نصوص القوانين والتشريعات وتنقيحها أو تجديدها وحسب هو الحل الشافي للقضاء على ظاهرة القتل على هذه الخلفية. فالأمر يتعلق بإرادة التقويم والتقييم، واستخلاص العبر والحكمة، وإجراء المحاكمات العقلانية الفردية منها والجمعية للوصول إلى صيغة القوانين والأحكام الواجب تنصيصها من اجل ضبط خطط وبرامج التنمية الفكرية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية، ويمكن تمثيلها بنظام سياسي ديمقراطي يجسم معنى حرية الانسان عبر مؤسسات الحكم، معتمدا المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان كمرجعية في دستور البلاد، ويتعلق برقابة شعبية فاعلة من خلال مؤسسات المجتمع المدني، والسلطة الرابعة الصحافة، والمنظمات الحقوقية، إلى جانب السلطة التشريعية، وحزم السلطة التنفيذية في تطبيق القوانين المتعلقة بالموضوع، وعلى رأس كل ما ورد هو سلطة قضائية يخضع لقوانينها وتسري أحكام وقرارات محاكمها المنصوبة في ظل ميزان العدالة على الأشخاص المساواة بين الإنسان الذكر والإنسان الأنثى في قوانين العقوبات، وإلغاء القوانين التي تبيح التخفيف على أساس الجنس، وتطهير القوانين من كل المصطلحات التي من شأنها تفضيل جنس على آخر في الأحكام والعقوبات. والتي إذا ما بقيت فيجب النضال ضدها على اعتبار أنها قوانين عنصرية. وهذا يتطلب إعادة النظر في فلسفة السلطة القضائية ومرجعياتها، والقوانين والمبادئ الأساسية الحاكمة والضابطة لعمل وقرارات المحاكم وأحكامها. 
علينا تكوين رأي عام ضاغط ودائم يعمل ويناضل من أجل إقرار أحكام على مرتكب الجريمة المسماة «القتل على خلفية الشرف» وفقا لأسس وحيثيات الجرائم الجنائية المكتملة المكونات، باعتبارها جريمة قتل. 
التركيز في التقارير الإعلامية والتحقيقات على اعتبار الاعتداء الجنسي مع سبق الإصرار والترصد على شخص آخر جريمة قتل جنائية، وتكوين الرأي العام المقنع للمشرع لتبني تنصيص ذلك في مواد قانون العقوبات، سواء كان المعتدي ذكرا أو أنثى أو كانت الضحية أنثى أو ذكرا، والحكم على المعتدي جنسيا على أي قاصر من الجنسين الذكور أو الإناث ( دون سن 18 ) بأعلى درجات العقوبة وأقساها، واعتبار الجريمة عملية قتل للنفس والروح، حتى لو بقي الجسد حيا، واعتبار التحرش الجنسي بأنثى أو ذكر سواء كان المتحرش ذكرا أو أنثى جريمة يعاقب عليها القانون، مع تأكيد التنصيص على التالي: إذا اعتدى شخص ذكر على شخص ذكر أو إذا اعتدى شخص ذكر على شخص أنثى، أو إذا اعتدى شخص أنثى على شخص ذكر، أو إذا اعتدى شخص أنثى على شخص أنثى، ومثله في موضوع التحرش الجنسي حتى تكون المساواة بين الجنسين أمام القانون بائنة في نصوص الأحكام، والعدالة وأحكامها لا تفرق بين الشخص الذكر والشخص الأنثى فالأشخاص من كلا الجنسين يتحملون تبعات تصرفاتهم وسلوكياتهم وأعمالهم وقراراتهم وكل ما له علاقة بحياتهم التي نفترض أنهم يناضلون جميعا من أجل شخصية إنسانية حرة ومستقلة.

anw

التعليقات

Developed by MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024