الرئيسة/  مقالات وتحليلات

الغزيون يحررون أنفسهم ويحررون الوعي الوطني

نشر بتاريخ: 2025-03-31 الساعة: 00:27

 

باسم برهوم


من المفيد أن نسأل أنفسنا نحن الذين نراقب حرب الإبادة الجماعية عن بعد: لماذا انتفض الغزيون في وجه حماس وضد الحرب؟ ومن المهم، بل والمحظور هنا أن يلجأ احد إلى تخوين المنتفضين، وهم أغلب الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وألا نشوه تحركهم ونقول ان إسرائيل هي من حركتهم، وبالمناسبة لقد فاجأ الغزيون المخابرات الإسرائيلية ومخابرات حماس، وفاجأوا العالم، لأن تحركهم لم يكن بإعداد مسبق من أحد، انما انفجر الناس غضبا، بعد ان اختبروا مرة تلو الأخرى تقاطع المصالح بين حماس ونتنياهو، وهم من دمهم ومقدراتهم يدفعون ثمنا باهظا ويعيشون نكبة حقيقية منذ أكثر من عام ونصف العام، هم انتفضوا على حرب لا تجلب لهم سوى الكوارث.

كثيرون ممن تمكنت الماكينات المضللة النيل من عقولهم وشوهت وعيهم لا يريدون، ويرفضون رؤية الواقع كما هو وان يلاحظوا تقاطع مصالح حماس مع اليمين المتطرف الإسرائيلي منذ تأسيس حماس عام 1988، حماس وهذا اليمين كانوا شركاء في افشال حل الدولتين، ومما فجر غضب الغزيين، هو إصرار حماس على المضي حتى النهاية في تقاطعها مع نتنياهو واليمين الفاشي الإسرائيلي، وكلاهما لا يقيم وزنا لحياة الفلسطينيين وحقه في حياة طبيعية عادية مستقرة.

المواطنون الفلسطينيون في قطاع غزة راكموا هذه التجربة المرة مع حماس وتقاطعها مع الفاشية في إسرائيل ليس في حرب الابادة الحالية انما، وعلى الاقل، منذ ان سيطرت حماس على القطاع بالقوة العسكرية عام 2007، وهي تجربة تنقل خلالها من حرب إلى اخرى، ولم تحقق لهم سوى الدمار والقتل في حين تقوم حماس بجني الاموال لها ولجماعة الاخوان.

السؤال الثاني المهم: من هي الأطراف التي ترى في تحرك الغزيين خطرا عليهم؟ غير حماس المستهدفة من هذا التحرك الشعبي، بالطبع تأتي إسرائيل وخاصة هذا اليمين المتطرف الفاشي، وربما هم يدركون بشكل اعمق مدى خطر هذا التحرك الشعبي، ان الطرف الثالث وهو كل من نجحت ماكينات التضليل في تشويه وعيهم، وتلك النخب التي غرقت في اجندات جميعها تقود للهدف الصهيوني تصفية القضية الفلسطينية، وهي نخب اغراها المال لتنخرط في عملية التضليل. لنترك حماس جانبا، والتي كشف الشعب الفلسطيني في غزة مدى السواد الذي في عقول وقلوب قيادتها، المشغولة في جمع أموال التبرعات التي هي بالأساس تجمع تضامنا ومن اجل لأهالي غزة، لكنها تذهب لهم وللتنظيم الدولي لجماعة الاخوان المسلمين.

تدرك إسرائيل مدى خطورة ان يتحلى شعب يقصف من الجو والبحر والبر بالشجاعة والجرأة ويقوم بتحرير نفسه من قبضة حماس الحديدية، ويحاول منع مخطط إسرائيل لتهجيره، هذا الشعب امتلك الوعي العميق بالتجربة المرة والمعاناة القاسية، وإذا رفض حكم حماس فهو لن يقبل بالاحتلال الإسرائيلي مطلقا، ولعل إسرائيل تدرك اكثر من غيرها ان تحرير الغزيين لأنفسهم سيقود إلى تحرير الوعي الوطني الفلسطيني من كل ما لحق به من تشوه وتشويه، والتي ترغب به إسرائيل وتنظر اليه  بالرضى فهو يهشم وحدة الشعب الفلسطيني ويهشم هويته الوطنية ويسلبه قراره الوطني.

 تدرك إسرائيل ان نجاح انتفاضة الغزيين هي بداية لمرحلة ستقود إلى الدولة الفلسطينية، لان انتفاضتهم لن تحرر الوعي وحسب بل ستعيد توحيد قطع الدولة الفلسطينية التي بعثرها تقاطع حماس مع نتنياهو، سيجري جمع قطع الدولة بعضها مع بعض، وتعيد توحيد الشعب الفلسطيني انطلاقا من وعي وطني مشترك.

اما حماس  ومعها جماعة الاخوان المسلمين، فهم يدركون ان خسارتهم لغزة لن تتوقف عند حدود القطاع،  بل ان مشروعهم الذي كان يكسبهم الجماهيرية والمال على حساب الشعب الفلسطيني، مع انتفاضة الغزيين فإن هذا سيتوقف.. لماذا انتفض الغزيون؟ لانهم لو صمتوا لزمن إضافي لتحولوا إلى زومبي بلا روح، او سيجدون أنفسهم في الصحراء العربية المديدة، لكنهم اختاروا ان يحرروا إرادتهم ويحرروا أنفسهم ويحررونا.

mat
Developed by: MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2025