الرئيسة/  مقالات وتحليلات

فاعتبروا أيها الفاشلون!

نشر بتاريخ: 2024-12-22 الساعة: 22:04

فاعتبروا أيها الفاشلون!

موفق مطر


الانسان المؤمن بمبادئ وقيم، وعقيدة، والحافلة مسيرته في الحياة بعطاء بلا حدود، وافتداء وإيثار، ونكران للذات، لا يجزع، ولا يخاف، وإنما تتقبل نفسه مصيرها النهائي برضا وطمأنينة، ذلك أنها تركت في دروب المسيرة انجازات نظرية وعملية، ستبقى نبراسا للأجيال، فالشجاعة في الثقافة الانسانية، تكمن لدى الإنسان المؤمن بأن الحياة هي السبيل، للتفكير والعمل، واستخلاص الحكمة والعبر من التجارب العملية، وإبداع أدوات مشروعة، لتحقيق الفوز والانتصار على صناع الموت، وأعداء الحق والحياة. 

أما الفاشلون، العاجزون عن تحقيق انجازات، ومبتدعو الانتصارات الغيبية الوهمية، فتراهم  يسارعون لتعميم مصطلحات دينية، ضربت من كل جانب، لتتناسب مع دعايتهم، وادعاءاتهم وكذبهم ودجلهم على الناس، وكل ذلك للتغطية على دمار نفوس بشرية، وهلاك مجتمعات، ومحو عائلات من السجل المدني، ودمار مواز لمقدرات البلاد المادية والأساسية يدفعهم العناد، وهم يعلمون يقينا أن تقديس القتل، والموت عبثا، وبلا هدف حق، ما كان من الثقافة الانسانية، ولن يكون أبدا، ويلوكون ألسنتهم عند كل منبر بمصطلح "التضحية"! وهم يدركون، أن التضحية لا تعني دفع الناس وهم في عز الحاجة للحياة الى الجحيم، ولا تعني تحويل ارض الوطن (الجنة) الى مقبرة!

فأرض الوطن تحيا بشعبها الحي المبدع، بإنسانها المعطاء، المناضل الملتزم بالمبادئ، لتحقيق أهداف انسانية مشروعة، اسماها وأرقاها الحرية، العامل بعقله ويده على حماية حياة الشعب، وبذل اعظم وأحسن قدراته وإمكانياتها من اجل انتصار الحق، فالنفس هي أعظم ما يملكه الانسان ذكرا كان أو انثى، والعاقل يبذل اقصى ما يستطيع للحفاظ على حياته، في سياق مسيرة ابتدأها بقناعة المؤمن بقدرته على العطاء، بلا حدود، وبقانون مراكمة الانجازات، التي لا بد من توظيفها في عمل جمعي وطني، لمنح مسيرة العطاء والتضحية معناها، أما اذا حلت لحظة الحقيقة (الموت) أيا كان السبب، والموقع المشرف، حيث تتوقف شرايين وأوردة قلب المناضل عن النبض..فإنه وفقا لمنطق الحقيقة، بات مؤهلا لمنح الأحياء من بعده، شهادة عطاء وتضحية بامتياز، في كتاب، خطت كلماته وفصوله بمزيج من عرق ودم، وألم وأمل، وفرح وحزن، ونجاح، وخلاصة عبر من فشل!

لا يمكن لعاقل التسليم بالموت والدمار الشامل، وتعميمه كقناعة، تحت عنوان "التضحية" ووجوبها، و"المقاومة" وأثمانها! فهذا قول قاصر، فالأمم كالنحل والنمل، تقاوم وتضحي، ومن يدقق بأفعالها، يستخلص قوانين وقواعد يظنها خارج قدراته العقلية، فهذه الأمم مثلا، تؤمن أسباب وجودها واستمرارها، في المأكل والمأمن، والدفاع عن ذاتها جمعا، وعن حدود ومركز موطنها، وموارد حياتها، فتراها تتمكن من مفترسات أكبر منها حجما وأثقل بمرات مضاعفة، لكنها تنجح بفضل اصرارها على الحياة، وبعقلية المحافظة على الوجود، التي لا يدرك ولا يفقه لغتها وسلوكياتها البشر الفاشلون، فحتى أمم النحل والنمل، قد وضعت التضحية في مقامها الصحيح، ولم تعبث بقانون الحياة، ولم يغلبها أو تفنيها قوانين الافتراس والموت لدى اعدائها. فاعتبروا أيها الفاشلون.


 

mat
Developed by: MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024