يوم يُجْلَبُ المشعوذون للحساب !
نشر بتاريخ: 2024-11-17 الساعة: 14:25
موفق مطر
اطمأنت منظومة الاحتلال الاستعمارية الصهيونية العنصرية الى مجموعة ركائز، مكنتها من اختراق مقومات الثقافة والبنية الشخصية الفردية والجمعية لمجتمعاتنا العربية بصفة عامة، والفلسطينية، خصوصا مع الأخذ بالاعتبار الفارق في نسب الاختراق ونتائجه، في كل دائرة مقارنة مع الأخرى، ومنها الاتكال المقطوع مع العقل، والتفكير وحسن التدبير، أما المعرفة؛ فتبدو كالمحرمات، لا يجوز التعامل معها، أو النظر اليها أو مجرد التفكير بالبحث عن سبل الوصول اليها، فأمور الانسان وفق المفاهيم الدخيلة، مرتبة سلفا، وتحديدا فيما خص الرزق والفقر، الاستقرار والرفاهية، ونقيضهما الضياع والمعاناة والمآسي، الصحة النفسية والبدنية، والمرض والعلل الموروثة والمكتسبة، وحدث كل هذا بسبب تعميم مفاهيم حضت على استبعاد العقل، وإغفال مبدأ تفعيل قدراته، واعتبار منطق الحسابات العلمية مكروها إن لم يحسب في دائرة المحرمات عند فئات ليست قليلة !! وتضييق زاوية المعرفة، وحصرها في مجال معين، صمم بعد العبث به بالتزوير والتحريف للإطباق على نفس وبصيرة المرء، حتى بات الفعل الوحيد على جدول اعمال حياته الفردية والعائلية، وحتى المجتمعية،وانسحب الأمر كذلك على النصر والهزيمة، في المعارك المصيرية والوجودية مع الغزاة والمحتلين، وعلى الفوز والخسارة في المنافسات الفردية والجمعية، وبذلك اخلى المرء نفسه من المسئولية، وبات عاجزا عن محاسبة المسئولين عن مآل حاضره ومستقبله المتراجع باستمرار، حتى سقوطه في قاع الكارثة، بقوة دفع المشعوذين !.
الى هنا قد تبدو المصيبة نتاجا طبيعيا لقرون من تجهيل متعمد متتابع، عبر مشاريع استعمارية حُمِّلَت شعارات دينية وأخرى دنيوية مغرية ! لكن المصيبة الأعظم كانت ببروز جماعات وكيانات، بالتوازي زمانيا مع تهيؤ الدول الاستعمارية الكبرى لاقتسام بلاد الوطن العربي والسيطرة على ثروات الأمة، ومنح المنظمة الصهيونية مقومات تشكيل كيان سياسي باسم اليهود، كانت ذات الإمبراطوريات والدول الاستعمارية قد اتفقت على انشائه في سنة 1905 - حسب وثيقة كامبل –ورُفِعَت قواعد وأركان هذا الكيان ( اسرائيل ) تدريجيا تحت سمع وبصر المسيطرين على البلاد،والعباد الذين جردوا من القدرة على تقرير مصائرهم، وذلك عبر تعاميم حرمت مخالفة ارادة ورؤية السلطان المعصوم، الذي استعان بوجوه وأسماء روجت لإلهامه ومنابعه المقدسة!إلى أن ابتليت الأمة بجماعة الاخوان المسلمين، حيث تسللت " بعباءة الدعوة " الى قلعة الشعوب العربية التي بدأت تبرز فيها ملامح التنوير والتعقل والحكمة، وتسييد قواعد وقوانين العلم في بناء الانسان والوطن، في مجالات الحياة كافة، التي لكان لابد أن تؤسس على قيم أخلاقية فردية ومجتمعية، صحيحة سليمة، معافاة من الزيف والتحريف، وقراءات موضوعية لنصوص الكتب المقدسةمتحررة من الرغبات السلطوية، فعملت هذه الجماعة على احداث طوفان من التعميمات والمفاهيم، والدعايات المضادة لحركة التطور والتقدم الانساني المشروع، ونجحت بذلك، الى حين تثبيت اساسات مشروع القاعدة الاستعمارية المتقدمة ( اسرائيل ) على أرض وطن الشعب الفلسطيني التاريخي والطبيعي ( فلسطين )، باعتبارها الموقع الاستراتيجي الفاصل بين الشقين الآسيوي والأفريقي للوطن العربي، وكان الاجتهاد الأول والأخير لهذه الجماعة منصبا على منع الشعوب العربية من إبصار التقدم العلمي والمعرفي الذي بلغته شعوب ودول قريبة جغرافيا، أو بعيدة، ليس هذا وحسب، بل محاربة كل رؤية أو تفسير أو قراءة مخالفة لمنطق الجماعة، التي سرعان ما سقط قناعها، مع اول موجة تحررية وطنية في الوطن العربي، وبرزت كطامع في السلطة الدنيوية، يسعى للسيطرة على الحكم، حتى لو كلف الأمر صراعات دموية في مجتمعات المسلمين انفسهم، ومابين الشعب الواحد، في الوطن الواحد ! ... ولو نظرنا جيدا الى أحداث عقدين ماضيين، في ارجاء الوطن العربي لوجدنا حجم الارهاصات والمبررات والذرائع التي قدمها الاخوان المسلمون، ومشتقاتهم، للمستعمرين لإعادة احتلال بلاد عربية، "كالقاعدة" و"داعش " وغيرهما على شكل تنظيمات مسلحة ارهابية، ولمنظومة الاحتلال اسرائيل التي مكنتهم، حتى اكتملت مهمتهم، وبلغوا تاريخ انتهاء صلاحيتهم، فاتخذوهم ذريعة لإعادة تشكيل الاستعمار والاحتلال الاستيطاني لكل فلسطين، أما هؤلاء، فإنهم مازالوا يعملون على شل حركة العقل، وتعطيل قدراته، ويمارسون ذات الشعوذة التي ابتدأها مورثوهم (مستخدمو الدين) لأهداف دنيوية سلطوية، وذلك لمنع يوم - عند ظنهم – حين يجلبهم الشعب الى يوم حساب وقضاء بالعدل.
mat