الرئيسة/  مقالات وتحليلات

الاختيار الآمن.. في دائرة من اثنتين!

نشر بتاريخ: 2024-10-22 الساعة: 14:41

 

 - موفق مطر


ان يكون المرء عاقلا متعقلا، حكيما، تدله بصيرته على حقائق الحياة، وتمنحه قوة فك اسرارها، أن يأخذ اموره الشخصية وقضايا مجتمعه الانساني بالبحث والعلم والمعرفة، أن يقرر التمركز في نقاط الدائرة الصريحة، ويقدس روح ونفس الانسان، ويؤمن بأن الشريعة القادرة على حفظ توازن الكون هي الحياة، وأن الموت حق ويحضر في لحظة ما آتية لا ريب فيها، أن يكون مؤمنا بالمبادئ والقيم الأخلاقية الانسانية، والشرائع والفلسفات والنظم والمواثيق والقوانين المتجددة مع كل يوم تشرق فيها شمس الدنيا على أرض آدم وسلالته، أن يعمل بإخلاص لإعلاء كرامة الانسان  وعزته وحريته وحقه في الحياة ايا كان جنسه وعرقه وعقيدته وهويته، أن يكون صابرا وبذات الوقت شجاعا، منتصرا للحق حيث يجب الانتصار، وأن يجسم عمليا رؤاه الصائبة، معنى خلود الأسماء والأعمال الأسمى، ذلك أنه الانتصار الأعظم  للإنسان، انثى كان أو ذكرا، لكل امرئ يعتقد بقدرته على المساهمة في بناء صرح الانسانية.

 أما أن يكون المرء جاهلا، عبثيا، تدفعه غرائزه للسقوط مرة تلو اخرى، جاف الدماغ، بلا ذاكرة، يحفظ الأبجدية وكلماتها وكتبها وقواميسها لكنه لا يفقهها ولا يفهمها إلا بما يحقق رغباته، متمركزا ومتشبثا بموقع ما في الدائرة المريحة لشيطانه البشري، المستوطن في مركز دماغه الجسدي والنظري، مستميتا لخوض المستحيل من اجل إقناع أحفاد آدم لتقديس القتل، وسفك الدماء، ومحترفا في تزوير وتحريف مفردات وكلمات وحروف ونقاط الكتب والرسالات السماوية واستخدامها في حروبه الشخصية، ولتحقيق مكاسب سكن الباطل في تفاصيلها سلفا !.. أن يكون اعمى، بلا رؤية حتى لو كان ناجحا بامتياز في فحوصات سلامة حاسة البصر، أن يعتقد بان قيادة الناس كقيادة آليات فولاذية، يجلس في كابينتها الصلبة المحمية المؤمنة اصلا من الشركات التي منحته رخصة قيادتها! متجاهلا الفارق بينها وبين روح الانسان التي هي من امر الله، ونفسه التي قدسها الله، وساعيا لإبطال معادلة القانون الالهي: أن من احياها قد أحيا الناس جميعا، ذلك بقصد نشر القتل وسفك  الدماء كشريعة بديلة، لشريعة الحياة  والسلام والمحبة بين احفاد سلالة آدم، فهذا هو الانكسار الأعظم الذي سيصيب الانسانية اذا سادت ذرية هذا المرء المتشيطن، ايا كانت لغته ومراجعه.

ما بين المرء في دائرة الحق والسلام (الصريحة)، والآخر في دائرة الباطل والقتل (المريحة) مساحة وافرة للمرء الذي ما زال ميزان عقله سليما صحيحا، فعلى ارض هذه المساحة الزمانية والمكانية ما لا يعد ولا يحصى من الشواهد، والبينات والدلائل والبراهين، المساعدة على اخذ القرار الصائب، ولا يحتاج الأمر لأكثر من وضعها تحت عدسة عقلانية مكبرة، متحررة من التراكمات والإسقاطات، والمفاهيم المعلبة التي غذي ذهنه منها، حتى افسدت روحه، فهذه المساحة المفتوحة للاختيار، ليست  بلا نهاية، فإما دخول الدائرة (الصريحة) والفوز بذهبية الإنسانية باطمئنان للسلام الممتد حتى ما بعد الآفاق، أو الهروب الى ما يظنها الدائرة (المريحة) فلا يفوز إلا بمسمى المنتحر الذي يستعجل الموت ليواري سوأة ضعفه وفشله في امتحانات الحياة.

لا يوجد للمرء خيار ثالث، فكل دائرة ستكبر على حساب الأخرى، فإما دائرة الحياة بالسلام مع الذات والآخرين بالحق والعدل، فتتوسع حتى تبلغ اقصى جهات الأرض، أو دائرة القتل ستنشر كلما توسعت الدمار والخراب والهياكل العظمية لأحفاد آدم في العراء، حتى لا يبقى لهذا المرء الثالث مكان على الأرض .

mat
Developed by: MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024