الرئيسة/  مقالات وتحليلات

مفاوضات وعدوان وتضحيات غزة

نشر بتاريخ: 2024-08-23 الساعة: 04:30

 

استمعتُ لتحليل أحد الأخوة لصالح طرف، وبوضوح لصالح محور محدد في إطار العدوان الصهيوني الهمجي على فلسطين من بوابة شعبنا في قطاع غزة المكروب. وللحق فلقد امتلك من القدرة على التلاعب بالكلمات والمصطلحات الكثير، متناولًا سردية تبريرية بحمولة تقديسية لبعض المصطلحات تخفي الحقائق الفاقعة حيث الدمار المادي والنفسي والاقتصادي والديمغرافي الذي لم يحصل له مثيل منذ الحرب العالمية الثانية، وفي الحد الأدنى منذ النكبة عام 1948م، ومع تهشيمه للواقع كان يُعظّم وينفخ في بعض الأمور على أنها حقائق وانتصارات مؤكدة، فكان لي من الرد التالي على الاخ الكريم الذي أرسل خطاب الرجل.

لا أتفق بالمطلق مع تحليل الرجل: لأن الاسرائيلي ببساطة يسعى لتحقيق أهدافه، وهي في ثلاث طبقات

الأولى، هي المعلنة أي تحرير "المخطوفين" وانهاء قوة "حماس". والثانية، تواصل حكومة نتنياهو وعرشه.

أما الثالثة، وهي الأهداف العميقة للعدوان فهي استكمال التطهير العرقي والإبادة بقتل ما يستطيعون من الشعب الفلسطيني في غزة (الحرب الديمغرافية) وجعل غزة غير قابلة للحياة باعادتها للعصر الحجري وهو ما تحقق بجدارة (40 ألف ضحية مدنية من الشهداء، و100 ألف جريح على الاقل).

وعليه خلال 20-40 عاما لن تعود غزة الفلسطينية كما كانت مطلقًا، ولن تعود لما قبل العدوان قط. هذا إن لم تحصل الهجرات القسرية أو الطوعية إذ لا مكان للحياة فيها.

أما عن حكم غزة أو اليوم التالي -كما يسمونه- فإن الإسرائيلي يريد التعامل مع أيّ كان بحلّته الجديدة، أي بتحقيق أهدافه هو، فلا بأس أن تكون فتح الجديدة أو حماس الجديدة أو غيرهما حاكمًا ذاتيًا تحت الإرادة الصهيونية في القطاع.

وبالمناسبة فإن بعض المحللين توقفوا مطولًا عند الصمت أو عدم الاستجابة لفصيل حماس لقرار الرئيس محمود عباس الذهاب مع القيادة الفلسطينية والأمم المتحدة الى غزة، الذي توقع البعض أن تلتقطه حماس وتكون بالمقدمة مع الرئيس في قطاع غزة مع شعبها. وهذا الموقف الصامت أثار الكثير من الشكوك والتساؤلات!؟ ودور المحور واختلاف الأهداف وكيفية النظر لليوم التالي في غزة!

أما عن النقطة الثانية من الأهداف الأساسية العميقة للإسرائيلي ولربما هو الهدف الأعظم فهو منع قيام دولة فلسطينية ويسبق ذلك كمانع إبقاء الفصل بين غزة والضفة إلى الأبد، وكما ذكرنا فإن المؤهل للدور لتحقيق هذا الهدف كما يريد "نتنياهو" أي فصيل أو جِهة تستجيب للشرائط الإسرائيلية.

إن المفاوضات الإسرائيلية مع الوسطاء اليوم هي على وقف النار، والانسحاب، وعودة من يسميهم الإسرائيلي المخطوفين مقابل الأسرى. وليس على طوفان الأقصى أو القدس وتحرير فلسطين. بالواقع العملي لم يعد لحماس قوة عسكرية ذات قيمة على الأرض، بعد أن تُركت لوحدها بالميدان مع الفصائل الأخرى. كما أنهِك الجيش الصهيوني بلا شك، لذا فإن القبول بالفتات سيكون مقدمًا من "نتنياهو" لمن يحقق له الحكم المنفصل للقطاع كمانع أبدي لاستقلال دولة فلسطين القائمة رغم عن أنفه لكنها تحت الاحتلال.

أما الأمريكان فلديهم -كما تعلم- صراع الحزبين والانتخابات، وبجميع الاحوال فالحزبان مع الإسرائيلي ظالمًا أو مظلومًا. أما المحور الممانع كما يسمى فهو يسعى لمصالحه عبر عديد السدود أو الحوائط الذي منه الحائط الفلسطيني، ولا يمكن ان يتقدم المحور بقيادة إيران ولو خطوة والحدود مفتوحة أمامه-سورية ولبنان مثلا- لاجتياح فلسطين وتحريرها كما كانت تسير ظنون البعض بالبدايات على الأقل للعدوان الكارثي. وإلى ذلك فلا محور عربياً داعماً وموحداً حتى الآن قادر على المواجهة بموازاة المحاور الأخرى في الإقليم!

ومن هنا وجب التنظير لفكرة الانتصار المبهمة والعجيبة، سواء من قبل نتنياهو المنتصر قطعًا بالإبادة والقتل وضرب النماذج الفاقعة بالوحشية، ومنع الدولة الفلسطينية للأبد كما يريد، أولمروجي تسفيه وتحقير تضحيات الفلسطينيين وكأنهم ذباب على أقفية الخيول ليس إلا. إذ كيف يكون انتصاراً مثلًا للمحور الممانع والشعب انتهى والبلد دمار شامل!؟ الا في عقل المؤدلجين المدلّسين فقط.

 

أما تحقيق الهدنة المؤقتة فجائز، بينما انتهاء العدوان الفاشي فمستحيل برأيي الآن لأن "نتنياهو" بانتظار "ترامب". ولن يخرج من غزة (وما يفعله بالضفة) دون أن يضرب النموذج للقائد المهيمن على الإقليم ليخضعه كليًا، ولو أدى ذلك لحرب إقليمية مدمّرة.

 

في جميع الأحوال فإن التقاط اللحظة المناسبة للدخول في آلية تطبيق اتفاق تنفيذي فلسطيني وحدوي حقيقي-وبدعم عربي إصيل بعيدًا عن الأفكار التسلطية المتحكمة بأطراف المشهد الفلسطيني قد آن أوانها، ونكرر أنه يجب أن تستثمر الفرصة المتناقصة، احتراما وإجلالًا لدماء آلاف الشهداء، وملايين المنكوبين من الجماهير الغاضبة، وبعد أن تحولت غزة الى العصر الحجري.

 

أما المحور الممانع كما يسمى فهو يسعى لمصالحه عبر عديد السدود أو الحوائط الذي منه الحائط الفلسطيني، ولا يمكن ان يتقدم المحور بقيادة إيران ولو خطوة والحدود مفتوحة أمامه-سورية ولبنان مثلا- لاجتياح فلسطين وتحريرها.

Developed by: MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024