هذا الجاسوس والعميل ( النخبة ) !
نشر بتاريخ: 2024-08-05 الساعة: 03:43
- موفق مطر
ما زلت اذكر شكل ومضمون ملصقات (بوسترات) جدارية، الصقت على جدران مقابل مدرسة المنصورة في مخيم اليرموك بدمشق في سوريا، عندما كنت تلميذا في السنة الثانية من المرحلة الابتدائية، وجميعها بمثابة رسائل توجيهية للكبار والصغار على حد سواء، بمواضيع متعددة اهمها الحذر من الطابور الخامس، والشائعات، وكيفية منع العدو من الوصول للمعلومات الخاصة بسلامة وأمن الوطن، وكنا نسمع في نشرات الأخبار عن اعتقال جاسوس، أو خلية متعاملة مع ( اسرائيل )، حيث حدث اعتقال عميل أو جاسوس آنذاك (منتصف الستينيات) بمثابة ضربة كبيرة لأجهزة امن واستخبارات منظومة الاحتلال (اسرائيل)، لأن الأمر كان يتطلب جهودا وإمكانيات وقدرات خارقة لإسقاط شخص ما أو مجموعة تعمل في الميدان المرسوم لها، فمنهم من كلف بمهمة نشر اشاعات تنعكس سلبا على أمن البلد، وبالتوازي اشاعات خارقة حارقة للنسيج الاجتماعي والوطني، ثم تطور وعينا وإدراكنا لعمليات الاختراق الأمني، وكيفية إسقاط الأفراد في براثن اجهزة استخبارات ومخابرات وأمن (العدو) وكيفية الحذر والنجاة، باعتبار أن الاشاعة، والسقوط الأمني أهم اسلحة اسرائيل السرية الموجهة نحو عصب حياة وسلوكيات وأنماط تفكير الشعب الفلسطيني، وحركة تحرره الوطنية، ونحو امتنا العربية ودولها وشعوبها، أما غاية أجهزة أمن منظومة الاحتلال (اسرائيل) كانت وما زالت، ضرب قدرة المرء على التفكير، وإحداث شروخ عميقة افقية وعمودية في هرم البناء السياسي والاجتماعي والاقتصادي وحتى الثقافي الوطني، وإشغال الجماهير بصراعات عمل عملاء الاحتلال على اشعال حرائقها، بجهد ليس اكثر من جهد اشعال قشة يضمن الفاعل امتداد لهبها المتواضع ليحرق الغابة كافة ! وهذا تماما ما يحدث بين ظهرانينا في هذه الأيام، ولنا تخيل الصورة إذا علمنا أن منظومة الاحتلال لم تعد بحاجة الى (جواسيس وعملاء) نخبة، بل يكفيها (تسميد) ضغائن وكراهية، وعدائية، وتعاليم وتعاميم تكفير وتخوين، اصلتها جماعات وفئات سياسية استخدمت مصطلحات دينية وشعارات وطنية، فتنمو الاشاعة المصممة بمكاتب الشاباك مثلا (كالفايروس القاتل )، وتنتشر بالهواء اسرع من (الكوفيد 19) بحكم البيئة التي أوجدها المعنيون بتخريب الكينونة الوطنية الفلسطينية، ظنا أن العاقبة ستكون لهم، بعد انهيار هرم بناء المشروع الوطني، فهؤلاء ومنظومة الاحتلال اسرائيل معنيون بارتداد اشكال الصراع نحو الجبهة الداخلية الفلسطينية، وأدواتهم لتحقيق ذلك: مضللون، وهم الأوسع انتشارا، وآخرون أسقطوا أو سقطوا في فخ اجهزة أمن الاحتلال، فباتوا ذراعه، تنفذ أوامر المركز بعد نزع عواطفهم ومشاعرهم وفكرة الانتماء من جذورها !
والسؤال الآن كيف ينجح (العدو) بتحقيق اهداف هامة كيفا وكما؟ وهو لا يسيطر إلا على بضعة افراد هنا او هناك، أما الجواب فبسيط جدا، وهو استغلال تكنولوجيا الاتصال ووسائل التواصل الاجتماعي، والفضاء المفتوح فيها بلا حدود تحت أسماء وهمية، اذ يكفي لأحدهم بث اشاعة، أو فبركة خبر، أو حرف واقعة ما، لتكوين ردود فعل انفعالية لا مكان فيها للتفكير وتحليل الوقائع والمستندات المادية، تلتقطها وسائل اعلام كبرى وتضعها في خانة الرأي العام، وتبدأ في الطعن بجسد المشروع الوطني الفلسطيني، وتقطع اوصاله، وفي الحد الأدنى تعمل على تخريب جسور الثقة بين قيادة السلطة الوطنية الفلسطينية، وقادة ومناضلي مؤسساتها الرسمية القائمة اصلا لخدمة الشعب، وأولها المؤسسة الأمنية الفلسطينية بفروعها كافة، العاملة بإخلاص، على صون وحماية وحفظ أمن المجتمع، ما يعني أن " الجاسوس والعميل " النخبة لدى منظومة الاحتلال، الكفيل بتوصيل الاشاعة بكبسة زر الى أبعد الحدود المستهدفة، موجود بشكل (هاتف ذكي)، أما ضماناتهم لتحقيق أهدافهم المرسومة، فهي التركيبة الخاطئة لمعاني المواطنة، وتشويه رؤية المواطن لمعنى الحقوق والواجبات، وحرف منطق حرية الرأي التعبير، حتى لو بلغ الاضرار بأمن وسلامة الوطن، ناهيك عن تأصل العدائية، حتى صار الاختلاف، خلافا جوهريا وجذريا.
mat