نتنياهو واستراتيجية منع قيام دولة فلسطينية
نشر بتاريخ: 2024-01-23 الساعة: 02:59
نتنياهو وإستراتيجية منع قيام دولة فلسطينية
باسم برهوم
لا يفوت رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو فرصة إلا ويؤكد خلالها انه لن يسمح بإقامة دولة فلسطينية. وكأنه يصر على تذكير الرأي العام الإسرائيلي بأنه أنذر شخصيا من الرب لتحقيق هذا الهدف. تاريخ هذا الرجل وحاضره يقول انه من أولئك الصهاينة المتطرفين، المتمسكين بحذافير الفكرة الصهيونية، التي تتنكر لوجود الشعب الفلسطيني، وتحتكر ملكية الارض وتحصرها باليهود فقط، ولعل نتنياهو قد ورث تصلبه الصهيوني وفاشيته من والده بن صهيون نتنياهو وهو مؤرخ في التاريخ اليهودي وكان يشغل منصب سكرتير زعيم التيار التصحيحي الاكثر يمينية في الحركة الصهيونية جوبوتنسكي. الذي تفرعت من حركته عصابات الارغون العسكرية المتطرفة، التي تأسست عام 1931، وهي المسؤولة عن مذبحة دير ياسين ومذابح اخرى، وفي عام 1941 انشقت عنها عصابة اكثر تطرفا وفاشية، حملت اسم شتيرن وهي بدورها وقفت وراء العديد من المجازر والاغتيالات في صفوف الشعب الفلسطيني.
نتنياهو هو سليل هذا الاتجاه المتطرف في الحركة الصهيونية، ومثّل لاحقا يمين حزب الليكود الذي هو حزب يميني بالأساس، وكان من اشد اعداء عملية السلام، ويرفض، كما سبقت الاشارة، فكرة إقامة دولة فلسطينية كليا. ومن اجل منع الدولة عمل نتنياهو على عدة جبهات، الاولى، فرض واقع على الارض يمنع ذلك، وتكثيف الاستيطان بشكل، وزيادة عدد المستوطنين ، ثانيا، العمل على شق الفلسطينيين، دعم الانقسام وتعزيزه، وإضعاف السلطة الوطنية ومنظمة التحرير الفلسطينية، باعتبارها القيادة الشرعية للشعب الفلسطيني ويعترف بها العالم، ومن دون ان يتخلى عن إستراتيجيته في دعم انفصال غزة عن الضفة كهدف لمنع قيام دولة فلسطينية، فإنه قد يعود لاستخدام حماس ضمن معادلة مختلفة عن تلك التي كانت سائدة قبل السابع من أكتوبر الماضي.
ويأتي ثالثا، ازاحة قضية القدس من المفاوضات، عبر اعتراف الرئيس الاميركي السابق دونالد ترامب، بان القدس عاصمة أبدية " للشعب اليهودي "، ونقل السفارة الأميركية من تل أبيب الى القدس. ورابعا: استغلال اي فرصة تتاح لضم منطقة الاغوار وربما مناطق " ج " في الضفة، الامر الذي يجعل من إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة أمرا مستحيلا، وخامسا، أصر على اقرار قانون يهودية الدولة عام 2018، وهو القانون الذي يحصر حق تقرير المصير بالشعب اليهودي على " ارض إسرائيل "، ومفهوم الارض بقي بلا حدود، مما يتيح التوسع باستمرار.
وفي اطار إستراتيجيته، فإن الاولوية بالنسبة لنتنياهو كانت وتبقى إضعاف السلطة الفلسطينية، فهي الكيان الفلسطيني الرسمي المعترف به، وأن إضعاف هذا الكيان بكل السبل، بما في ذلك تقوية سلطة حماس في غزة ودعم بقائها كسلطة أمر واقع وترفض العودة الى الشرعية الفلسطينية كان هو الهدف بالنسبة له. الجميع في إسرائيل ينتظر انتهاء الحرب، ويأتي يوم الحساب عن الاخفاقات، وفي مقدمتها إستراتيجية نتنياهو في دعم حماس واضعاف السلطة، ستكون اولى النقاط التي سيدفع رئيس وزراء إسرائيل الفاسد ثمنها.
لقد كان الحصار المالي والسياسي للسلطة واضحا في إستراتيجية نتنياهو، وهو اليوم وفي ذروة الحرب يصر هو وممثلو الصهيونية الدينية المتطرفة في حكومته على ممارسة اقصى درجات الضغط، فهو يقوم بحرب مباشرة مدمرة في قطاع غزة، ويخوض في الضفة حربااقتصادية، وكلا الحربين لهما نتيجة واحدة هي جعل حياة الشعب الفلسطيني فوق ارض وطنه صعبة، بل ومستحيلة وطاردة له. هو ووزير ماليته المتطرف سموتريتش يناوران من اجل استمرار الحصار بالرغم من الضغوط الدولية، وخاصة من إدارة بايدن عليه.
ولكن اذا كانت هذه إستراتيجية نتنياهو، وهذه هي اهدافه، فإن المشكلة تبقى في الموقف العربي، الذي أقرت قممه العربية منذ اكثر من عقد شبكة الامان المالي للشعب الفلسطيني، وحتى هذه اللحظة، وفي ظل الحرب والحصار ومخطط تهجير الفلسطينيين، لم تبادر الدول العربية بتفعيل شبكة الأمان هذه، والمشكلة ان هذه الدول لم تقدم اي تبرير لعدم القيام بذلك، في حين كان بعض من هذه الدول يتناغم مع إستراتيجية نتنياهو على وجه التحديد في إطالة عمر الانقسام. عبر ضخ المال لسلطة الامر الواقع في قطاع غزة بدل ان تقوم هذه الدول بالضغط لإنهاء الانقسام، وانها لو فعلت ذلك لما وصلنا الى هذه الحرب الوحشية المدمرة.
وعلى صعيد آخر، وبعد انقطاع الاتصال بينهما لأكثر من شهر، اتصل الرئيس الاميركي بايدن برئيس الوزراء نتنياهو قبل ايام، وكما اعلن بايدن انه ناقش مسألة اليوم التالي للحرب. وفكرة الدولة الفلسطينية المستقلة، رئيس الوزراء نتنياهو خرج ليقول انه لن يسمح بإقامة دولة فلسطينية مستقلة، وان قطاع غزة والضفة ستبقى في نطاق الامن الإسرائيلي. أما بايدن فقد قال ان الدولة الفلسطينية ممكنة حتى في ظل حكم نتنياهو، مستخدما جملة غامضة، بان لتحقيق هذا الهدف أشكالا عدة.
من الواضح ان نتنياهو، الوارث عن أبيه التطرف، بمعنى انه ولد في بيئة صهيونية عنصرية وفاشية متطرفة، هذا الرجل الذي رضع حليب التطرف يشارك مع سموتريتش القول ان الدولةالفلسطينيةخطر وجودي على إسرائيل، والسؤال اليوم وبعد انفراط صيغته لدعم الانقسام، هل سيعد إنتاج أشكال أخرى للاستمرار بفصل قطاع غزة عن الضفة، وعن القيادة الشرعية للشعب الفلسطيني؟ والسؤال الثاني هل سيجد نتنياهو دولا عربية تتعاون معه لتحقيق ذلك كما كان عليه الوضع قبل السابع من أكتوبر الماضي؟