الرئيسة/  مقالات وتحليلات

اهربوا قبل الانفجار

نشر بتاريخ: 2023-11-18 الساعة: 00:12

 

عمر حلمي الغول


عادت بي الذاكرة لمسرحية "ناطورة المفاتيح" التي عرضت عام 1972 في بعلبك اللبنانية والعاصمة السورية دمشق، وتميز الحوار بين بطلي المسرحية: الملك (أنطوان كرباج) وممثلة الشعب زاد الخير (فيروز) بالإبداع، الذي كشفا فيه هشاشة ممالك الظلم والفجور، وعظمة الشعب مهما كان حجمه. لأن صدى مقولة "ملك مملكة سيرا" (كرباج) التي دعا فيها سكان مملكته الهاربين من ظلمه "خبوا حريتكن بجيابكن .. أهربوا ... أهربوا !"، ما زال حاضرا للآن، وبودي توجيه صرخته للإسرائيليين الصهاينة أعداء السلام والتعايش، المتخندقين في خنادق الحرب والاستيطان والموت والتطهير العرقي للفلسطينيين من وطنهم الأم، المتسلحين بالحماية والرعاية الأميركية والغرب الرأسمالي، لأدعوهم لأن يهربوا قبل الانفجار، خذوا ما شئتم وارحلوا، اهربوا ... اهربوا قبل فوات الأوان، خبوا حريتكن بجيابكن، وعودوا إلى أوطانكم التي جئتم منها لفلسطين. ومن يريد السلام والعيش المشترك في دولة ديمقراطية واحدة ليبقى، فالشعب الفلسطيني كان وما زال شعب التسامح، رغم أنه لا ينسى، ولن ينسى ويلات الدولة الإسرائيلية اللقيطة وحكوماتها الفاشية المتعاقبة.

وقيمة ما ورد أعلاه يكمن في الرد على دعوات العديد من غلاة الحكومة والمعارضة الإسرائيلية بالتهجير القسري للفلسطينيين من وطنهم فلسطين، وطالبوا بعض الدول الأوروبية بعد أن فشلوا مع العرب بتسهيل "هجرة الفلسطينيين لأسباب إنسانية!" أي مفارقة هذه؟ وأي إنسانية التي يتحدثون عنها وحرب إبادة مملكتهم الظالمة تتواصل لليوم الأربعين؟ إن وقاحتهم وفجورهم يفوقان كل منطق عقلاني. وهذا ما عكسه عضو الكنيست، رام بن براك، من حزب المعارضة "يش عتيد" بالاقتراح الذي طرحه على الدول الأوروبية الغربية بـ" نقل (تهجير) سكان القطاع إلى" دولهم، لأن ذلك حسبه "إنساني ومطلوب، ولأنهم أصلا لاجئون". وبودي أن أسأل عضو حزب لبيد، ومن الذي طردهم من مدنهم وقراهم عام 1948؟ ولماذا هم لاجئون حتى الآن؟ ومن الذي يعطل السلام، وينتج الفوضى والحرب والإرهاب؟ وبإصرار وقح عاد لتأكيد اقتراحه على شاشة القناة الإسرائيلية 12 بالقول "إذا كان سكان غزة لاجئين بمعظمهم، فلتستوعب كل دولة من دول العالم 20 ألفا منهم، ومن المفضل أن يكون الإنسان لاجئا في كندا، على أن يكون لاجئا في غزة، وإذا كان العالم يريد حل المشكلة فهو يستطيع حلها بهذه الطريقة!."

ويتجاهل أو يتناسى بغباء فاضح، أنه وأضرابه من الصهاينة اليهود جاءوا من تلك الدول، ويحملون جنسياتها وجنسية أميركا الشمالية، لماذا لا يرحل هو وأمثاله إلى بلدانهم وقومياتهم التي جاءوا منها؟ أيهما اقرب للمنطق والواقعية، صاحب الأرض الفلسطيني العربي يهاجر من وطنه الأم، أم الطارئ والغازي المستعمر من الخزر؟

ولم يكتف بذلك، إنما نشر مقالا مشتركا مع داني دانون، عضو الكنيست من الليكود، وكلاهما عضوان في لجنة الخارجية والأمن في الكنيست في "وول ستريت جورنال" دعيا فيه الدول الأوروبية إلى استيعاب اللاجئين من غزة على غرار ما فعلت في يوغسلافيا وما فعلته خلال الحرب في سورية، واشارا الى ان المانيا وحدها استوعبت أكثر من مليون لاجلاء سوري. ولحق بهم سموتريتش وبن غفير وديختر وغيرهم، الذين دعوا لذات هدف التطهير العرقي الاستعماري لطرد الفلسطينيين من ديارهم، واحداث نكبة جديدة، اسماها وزير الزراعة ب"نكبة 2023". وتجاهل هؤلاء ان قضية الشعب العربي الفلسطيني تختلف عن كل القضايا آنفة الذكر. لأنه قاوم بثوراته المتعاقبة كل مشاريع تصفيته وتصفية قضيته.

وهذا المشروع ليس جديدا، بل هو مشروع قديم جديد، حيث طرح منذ العام 1949 و1953 بالإضافة لمشاريع التوطين المتعددة في سيناء وليبيا وغيرها من الدول العربية والأوروبية بما فيها مشروع غيورا آيلاند، مستشار الأمن القومي عام 2012 الداعي لاقتطاع 720 كيلو متر من سيناء وتوسيع القطاع بحيث ينى في مدن للاجئين الفلسطينيين من الضفة والقطاع، الذي وافق عليه آنذاك الرئيس المصري المخلوع محمد مرسي. لكنه اصطدم بالموقف الفلسطيني الذي مثله الرئيس محمود عباس، ورفضه جملة وتفصيلا.

ورغم ويلات حرب الأرض المحروقة الدامية على عموم الوطن وخاصة في محافظات الجنوب، وحرمان المواطنين من ابسط مقومات الحياة، وفرض العقاب الجماعي عليهم والحصار الظالم، الا ان الشعب الفلسطيني، كما افشل كل المشاريع السابقة، سيفشل المشروع الجديد القديم. ولم ولن يمر مشروعهم مهما كانت التضحيات. وبالنتيجة فإن مخطط الدولة اللقيطة الفاشية سيتحطم على صخرة الصمود الوطني، وإصرار الشعب وقيادته الوطنية الممثلة بمنظمة التحرير على البقاء والتجذر في ارض الوطن، ولن يسمحوا بتكرار النكبة، وسيهزم الغزاة الصهاينة ومن يقف خلفهم. وعليهم ان يهربوا ويعودوا لأوطانهم قبل أن يطالهم الندم والهزيمة المرة.

[email protected]

mat
Developed by: MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024