غسان والكاريزما ومجانبة الصواب
نشر بتاريخ: 2023-05-28 الساعة: 01:18
عمر حلمي الغول
قراءات الكتّاب والمبدعين للظواهر والأشخاص والواقع تختلف من شخص لآخر، وغالبا تتنافر وتتناقض المعايير بحساب الخلفيات، والاسقاطات الرغبوية عند هذا الانسان او ذاك. فالكاتب إنسان باحاسيس ومشاعر، يحب ويكره واحيانا محايد لاعتبارات خاصة، ولغاية في نفس يعقوب، واحيانا تكون القرارات موضوعية ومتعالية على الخلفيات. وبالتالي محاكاة ومحاكمة هذه الظاهرة، او ذلك الانسان تعكس احد الابعاد المذكورة آنفا.
ترددت كثيرا قبل ان اطرق باب النقاش مع الصديق غسان، لأني دوما اخشى إساءة فهم مقاصدي ورسالتي في هذه المقالة او أي مقالة لها صلة بالحديث عن شخص الرئيس محمود عباس، وكوني ارفض من حيث المبدأ ان توضع مقالاتي في دائرة تمسيح الجوخ، او المداهنة والتزلف لشخص الأخ أبو مازن. لا سيما وانه صانع القرار الأول في فلسطين، ومالك الشرعيات الثلاث: رئاسة الشعب، ورئاسة منظمة التحرير ورئاسة حركة فتح، كبرى الفصائل الوطنية، وصاحبة الطلقة الأولى. مع ذلك وكوني كتبت في اعقاب القاء الرئيس عباس خطابه في الأمم المتحدة في الخامس عشر من أيار/ مايو الحالي في الذكرى الـ75 للنكبة، وهي المرة الأولى التي تحييها هيئة الأمم المتحدة، واعتبرت شخصيا الخطاب "المرافعة الأهم" للرئيس الفلسطيني، رغم انه خاطب الأمم المتحدة عشرات المرات، ومع انه لم يحمل جديدا نوعيا في السردية الوطنية. ولكن بالضبط لان الخطاب مقترن باحياء ذكرى النكبة، وكونه يخاطب ممثلي الدول الأعضاء في الهيئة الدولية، ونتاج محاولات إسرائيل المارقة وحليفتها الاستراتيجية الولايات المتحدة افشال ومنع المناسبة، احتل الخطاب من الأهمية السياسية والقانونية مكانة المرافعة الأبرز والاهم.
دون استطراد رأيت من الواجب إنصاف مكانة الرئيس محمود عباس لان مقالة الصديق غسان زقطان بعنوان "أليس في بلاد العجائب" المنشور في "النهار العربي" يوم الثلاثاء الموافق 23 أيار/ مايو 2023 غبنته حقه، وجانبت الحقيقة والصواب في الكثير من النقاط المتعلقة بالكاريزما من عدمها في شخص الأخ أبو مازن، التي أوردها الشاعر والروائي والإعلامي زقطان في مقالته آنفة الذكر. واجزم ان صديقي غسان لم يحالفه الحظ في اختيار العنوان، ولا في محاججته، ولا في مقارباته.
وأود ان اذكر غسان وكل من توافق معه بعدد من مناقب وخصال الرئيس عباس المهمة، التي تتنافى مع ما حملته مقالته: أولا محمود عباس وقبل ان يحتل موقع الرئاسة كان صاحب رأي ووجهة نظر دافع عنها بقوة ودون تردد. بتعبير آخر، لم يكن رقما من ارقام المركزية، ولم يداهن زعيم الحركة ولا أي قطب من اقطابها، الذين تقدموا عليه في المكانة والاولوية القيادية؛ ثانيا كان الصوت المرجح عشية اطلاق الرصاصة الأولى لدعم خيار الكفاح المسلح، تلك الرصاصة التي منحت حركة فتح المكانة المركزية في الساحة، وأفترض ان يكون العزيز غسان يعلم، ان حركة القوميين العرب نفذت عملية فدائية استشهد فيها كل من محمد اليماني واحمد أبو عيشة في تشرين اول/ أكتوبر 1964، أي قبل اطلاق فتح رصاصتها الأولى، ولكنها لم تعلن عن تبنيها انسجاما مع شعار الحركة آنذاك القائل "فوق الصفر.. تحت التوريط"، الذي افقدهم الريادية في قيادة حركة التحرر الوطني الفلسطينية؛ ثالثا عندما تبنى خيار المساومة الوطنية وإنجاز التسوية السياسية على أرضية إقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران / يونيو 1967، وحتى القبول في البداية بالحكم الإداري الذاتي دافع عن ذلك بقناعة امام المجلس المركزي، واكد لي احد الشخصيات القيادية اليسارية، ان أبو مازن قال بالفم الملآن وجهة نظره، ولم يخف شيئا؛ رابعا هو من اقنع القائد الرمز ياسر عرفات بالانخراط في التسوية وبالذهاب لاوسلو، وكانا على توافق تام بشأن الملف؛ خامسا في كامب ديفيد 2 عام 2000 هو من وقف الى جانب الرئيس أبو عمار ضد الخطة الأميركية، وقطع سفره وعاد لكامب ديفيد ليساند الأخ الراحل الرمز ياسر عرفات؛ سادسا عندما ترشح للانتخابات الرئاسية عام 2005 قاد الانتخابات على أساس برنامج سياسي واضح عنوانه القبول بالتسوية، وباعتبار المفاوضات ركيزة أساسية لخياره السياسي، وفاز على هذا الأساس؛ سابعا كل انسان له طريقته في الخطابة، والحركات والايماءات التي تتوافق مع سماته الخاصة، والرئيس أبو مازن تمتع بالخطابة الهادئة ان جاز لي التعبير، بعكس الرئيس الراحل أبو عمار؛ ثامنا اما عن الخطاب الأخير فلا اريد تكرار نفسي، واتفق ان الخروج عن النص انعكس سلبا على طابع الخطاب المهم. لكن لم يحد عن نصه، لم يتعلثم، ولم يته عن متابعة رسالته الوطنية بامتياز، اضف الى ان الترجمة لكلمات رؤساء الوفود تتم على أساس النص المكتوب امام المترجمين؛ تاسعا استخدم الرئيس عباس أسلوب قوة فلسطين في ضعفها، وطالب بتطبيق القرارات الاممية ذات الصلة بالحماية الدولية، ولم تكن من موقع الضعف، ولكن من موقع قراءة موازين القوى، والحاجة للحماية الدولية؛ عاشرا لو كان شخص الرئيس كما ذكرت ضعيفا ولا يملك الكاريزما، لما تمكن من تثبيت حضوره القوي في مركز صناعة القرار؛ حادي عشر لانه يملك الكاريزما الخاصة به تصدى لصفقة القرن بجدارة وثبات امام غطرسة وعنجهية ترامب الرئيس السابق. ولأنه كذلك عندما عقدت القمة في دمشق عام 2008، اعترض الاميركيون على المشاركة الفلسطينية. لكنه شارك وبقي كما قال حتى اطفئت الانوار الأخيرة في أروقة القمة آنذاك.. وهناك الكثير من المواقف الشجاعة والمتميزة للرئيس وكاريزمته الخاصة به.
وبالنهاية كل شخصية لها ملامحها الخاصة، والرئيس اسوة بياسر عرفات وجمال عبد الناصر أبو الكاريزما القومية له اخطاؤه وايجابياته، وبالتالي ما ورد في مقالتك كان بمثابة اسقاط رغبوي، وخانك التعبير، او لنقل عكست موقفا شخصيا غير موفق حسب وجهة نظري.
[email protected]