الرئيسة/  مقالات وتحليلات

الوقائع والمواقف بعد "٧٥ عاماً" من استمرار النكبة

نشر بتاريخ: 2023-05-14 الساعة: 11:06

 

مروان اِميل طوباسي


اذا كان الاتحاد الأوروبي أو دوله الأعضاء وبتفاوت مواقفهم في بعض الأحيان لا يرغبون في أن توصف سياستهم بالنفاق أو بالكيل بمكيالين تجاه القضايا المثارة في هذا العالم وفي تعاطيها أو بمدى التزامها بما نصت عليه القوانين والقرارات والأنظمة والمعاهدات الدولية التي وقعت هي نفسها عليها والزمت نفسها بها من خلال انضمامها لتلك المعاهدات والاتفاقيات التي وجدت لتنظيم العلاقات الدولية ومن أجل عدم سريان قوانين شريعة الغاب في هذا العالم، فعلى الأوروبيين التحلي بجرأة المواقف من مبدأ الاحتلال الكولنيالي والابرتهايد واتخاذ ما يلزم من إجراءات عقابية وفق ما نصت عليه القوانين الاممية ضد إسرائيل. هذه الدولة القائمة بالاحتلال الاستيطاني والاحلالي والتمييز العنصري الفوقي .

ولأننا غير عبثيين، فمن المنصف القول انه كان جيدا موقف دول الاتحاد الأوروبي قبل أيام بالغاء حفل الإستقبال الدبلوماسي بيوم أوروبا لعدم رغبتهم في استقبال ومشاركة بن غفير الذي انتدبته حكومة نتنياهو للمشاركة بهذا اليوم ، لقد قرروا ذلك وكما قالوا في بيانهم؛ "لأننا لا نريد أن نقدم منبر خطابي لشخص تتعارض آرائه مع القيم التي يمثلها الاتحاد الأوروبي". والسؤال هنا، هل يمثل نتنياهو او أي من افراد حكومة الاحتلال العنصرية من وجهة نظرهم مواقف لا تتعارض مع القيم التي تحدثوا عنها وهل كان سيتاح منبر الحديث لغير بن غفير منهم ؟

رغم ان إسرائيل كانت قد أرسلت إشارات مباشرة بقرارها انتداب بن غفير ، لقد رفعت وبوقاحة أصبعها في وجه الأتحاد الأوروبي لتؤكد أن مواقف بن غفير تمثل سياساتها، وان العنصرية مسموحة ضد غير اليهود، لكنها غير مسموحة بحق اليهود، خاصة وان ذلك اليوم مثل ذكرى الانتصار على النازية في ٩ أيار أيضا.

كما ان تصريحات أورسلا فان دير لاين رئيسة المفوضية الأوروبية قبل اسبوع الذي ترافق مع بيان الكونغرس الأميركي في "الذكرى ٧٥ المزعومة لاستقلال إسرائيل" ، اتسمت باستمرار وجود عقلية الاستعمار رغم انتهاء حقبتها التاريخية منذ زمن، وبالتنكر لحقائق التاريخ وحركته المستمرة بل وللجغرافيا السياسية ايضا. بيان تجاهل حتى ذكر شعبنا الفلسطيني او الأشارة لمبدأ حل الدولتين الذي يعدم الان على ارض واقع جرائم الضم والاستيطان . بيان تم اعتماده بأصوات ٤٠١ من ممثلي الحزبين مقابل ٢٨ بين امتناع ومعارضة من اعضاء تقدميين بالحزب الديمقراطي فقط . لقد عبروا بذلك عن حقيقة مواقفهم السياسية التاريخية ومصالحهم وما يؤمنون به من فكر، دون اكتراث بأن ادعاء الاستقلال هذا قد مثل نكبة شعبنا الفلسطيني ، تلك الجريمة المكتملة الأركان من التطهير العرقي والاستيطان، والتي لم يحاسب العالم مُرتكبيها حتى اليوم .

تلك مواقف تخدم فقط استدامة الأحتلال الأستيطاني على أرض الواقع، واستمرار سياسات إدارة الأزمة دون حلول سياسية لجذر الصراع المتمثل بالأحتلال الاستيطاني والأبارتهايد .

وهو ما عبرت عنه اورسولا فإن دير لاين رئيسة المفوضية الأوروبية وما يعبر عنه الغرب الرسمي بكل وضوح انطلاقا من محددات ما يسمونها بالقيم المشتركة مع دولة الاحتلال الإسرائيلي التي يتغنون بها ، ولأهمية مكانتها الجيوسياسية لأطماعهم ، كما وسندا لاستمرار عقدة الذنب من "الهولوكست" التي تلازم الأوروبيين وهاجس الخوف من الحركة الصهيونية او لانخراطهم فيها لأسباب مختلفة كما يصرح البعض منهم جهارا .


ان الأمر المطلوب من الاوروبيين لا يتوقف هنا على بشاعة ما يدور اليوم بما يخدم سياسات نتنياهو وحساباته الداخلية في الهروب إلى الأمام من الصراع المحتدم داخل المجتمعات اليهودية ومحاولة تحقيق الوحدة والاجماع داخل حكومته كما الكل الصهيوني وتحقيق شعار استعادة الردع وتوجيه رسائل للآخرين تتعلق برؤية مستقبل قطاع غزة بعد الانقلاب كجزء من ترتيبات تخدم مشاريع دولة الاحتلال وما يرافقها بالقدس والضفة ، وذلك من خلال هذا العدوان الهمجي ضد أهلنا في غزة وارتقاء الشهداء يوميا في نابلس وجنين وغيرهما من مدننا ومخيماتنا الصامدة منذ بداية هذا العام وما قبل ، او قرارات حكومة الاحتلال الأخيرة بمحاصرة مؤسساتنا الوطنية ومدننا وبناء وحدات استيطانية جديدة أو استمرار الاعتداء على هوية القدس ومكانتها ومقدساتها .

هنالك جرائم فظيعة ارتكبت بحق شعبنا الفلسطيني ليس فقط خلال ٥٦ عاما ، بل وعلى مدار ٧٥ عاما منذ ارتكاب جريمة النكبة التي نحيي ذكراها يوم ١٥ أيار بتفاصيلها واهدافها وملحقاتها المستمرة حتى اليوم ، فجميعها تعتبر جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية مكتملة الأركان، النكبة التي سيتم احيائها وابرازها كجريمة بالجمعية العامة للأمم المتحدة لأول مرة في ذكراها هذا العام .

لماذا ينسى بعض الأوروبيين الذين احتفلوا قبل أيام “بيوم أوروبا” وهو احتفال سنوي للسلام والوحدة في التاسع من ايار ، انهم هم من أقاموا المحاكم الدولية والأوروبية في نورمبرغ وغيرها ضد جرائم الاحتلال النازي بحقهم بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وهم الذين قاتلوا هذا الوحش النازي من خلال جيوش بلادهم ومن خلال المقاومة الوطنية الشعبية الباسلة التي خاضتها الشعوب الأوروبية والتي تم أحياء ذكراها بيوم الانتصار على النازية في التاسع من أيار في روسيا التي دفعت لوحدها ٢٧ مليونا من الضحايا انذاك لهذا الانتصار إلى جانب تضحيات الشعوب الأخرى ، في حين يحرمون علينا بالغرب مقاومة الاحتلال الإسرائيلي حتى بالاساليب التي شرعتها القوانين الدولية في مقاومة ومواجهة رابع قوة عسكرية بل ونووية بالعالم وما يتبعها من مستوطنين عنصريين بعقيدتهم التوراتية والتلمودية .

لقد عاقب الاتحاد الأوروبي ومن خلفه الولايات المتحدة دول عدة ، كان آخرها ما يجري اليوم بفرض عقوبات ضد روسيا الاتحادية ، لانها وفق مزاعمهم انتهكت القانون الدولي وارتكبت الجرائم وفق ادعائهم، وهذا ما حدث سابقا أيضا من عقوبات عندما أعادت روسيا سيادتها على شبه جزيرة القرم في العام 2014 التي اعتبروها احتلال، إضافة إلى العقوبات ضد جنوب افريقيا زمن النظام العنصري وضد إيران وعدد من دول البلقان وحتى فنزويلا وقبلها كوبا وغيرها تحت ذرائع واهية مختلفة لم ترقى ابدا ولا تشابه جريمة استدامة الأحتلال الكولنيالي ببشاعته ونظامه العنصري .

يجري ذلك اليوم في ظل أجواء من الخلافات الاوروبية القائمة بخصوص فرض تلك العقوبات من قبل أوروبا على الغير بإستثناء إسرائيل، الأمر الذي عبر عنه الرئيس الفرنسي ماكرون اثناء زيارته للصين قبل فترة وجيزة والذي بات يهدد وحدة مواقف دول الاتحاد الأوروبي ، وسماع اصوات مختلفة حول التبعية السياسية للولايات المتحدة ، التي تجر أوروبا إلى معايشة حرب جديدة على اراضيها وتدهور اقتصادي .

السؤال هنا ، ماذا ينتظر الاتحاد الاوروبي ودوله الأعضاء لانصاف كفاح شعبنا العادل ولمعاقبة اسرائيل ؟ هل بعد أن تقوم بتنفيذ مشروع هذه الحكومة الفاشية بما يسمى بالحسم المبكر او بضم كل الأراضي الفلسطينية المحتلة وفق تهديداتها السابقة والمستمرة بشكل تدريجي مخالف للقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية التي ساهم الاتحاد الاوروبي في صياغتها بشكل فعال ، او حين تنفذ دولة الاحتلال نكبات جديدة ، إضافة إلى ما تشكله كل السياسات الإسرائيلية من مخالفات وانتهاكات لمبادئ نشوء الاتحاد الأوروبي نفسه والتي تتعارض أيضا مع اتفاقية الشراكة الاوروبية مع إسرائيل ، والتي للأسف أعاد جوزيف بوريل التذكير باهميتها وأهمية العلاقة الثنائية الاستراتيجية والمصالح المشتركة مع دولة الاحتلال خلال استقباله وزير الخارجية مائير كوهين بدايات هذا الشهر في بروكسل، الأمر الذي يساهم في ابقاء إسرائيل دولة مارقة فوق القانون ومعفاة من المحاسبة .

هذا تحدي أمام الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء بشكل جماعي او بشكل منفرد أمام استمرار التطهير العرقي لشعبنا صاحب الأرض ، ولمصداقية قيم الاتحاد الأوروبي المعلنة وفق أسس نشوء الاتحاد الأوروبي والمتمثلة بالديمقراطية، العدالة، حقوق الإنسان وغيرها، والتي ما زال بعض المسؤولين الاوروبيين يرون فيها قيم مشتركة مع دولة إسرائيل القائمة بالاحتلال والعنصرية للأسف الشديد.

كيف يعتبر بعض المسؤولين الأوروبيين ان هذه الدولة إسرائيل، دولة الاحتلال والتمييز العنصري حتى في حق سكانها أنفسهم هي دولة ديمقراطية كما أشارت أيضا رئيسة المفوضية وغيرها من المسؤولين الاوروبيين ؟ اي ديمقراطية هي تلك التي تمارس أفظع الجرائم والاضطهاد بحق شعب آخر ، هو شعبنا الفلسطيني بل وتعبث في حالات استقرار دول وتدعم انقلابات عسكرية سابقة في اليونان وقبرص وعدد من دول افريقيا واميركا اللاتينية ، وإثارة بؤر التوتر واللعب على الحبال في منطقة شرق المتوسط من أجل الطاقة والغاز وعسكرة المنطقة، كما في البلقان واكرانيا مع الحليف الاميركي الذي يثير بؤر التوتر والحروب بالوكالة من أجل استدامة هيمنة القطبية الواحدة التي تهدد السلم والأمن الدوليين أمام تراجع هذا النظام اليوم وصعود قوى جديدة تدافع عن امنها القومي ومصالحها وامام نشوء تحالفات جديدة بمناطق مختلفة من العالم ومنها التموضعات والعلاقات الناشئة اليوم بالاقليم العربي الذي نعيش به ، الأمر الذي يدلل من جهة اخرى على تغيرات تدريجية نحو نظام دولي جديد قد بدأ التكون .

اننا نحن الفلسطينين ما زلنا نعيش الظلم التاريخي الذي فرضته علينا قوى الاستعمار بالغرب، وهو ظلم ينم عن عقلية الفوقية اليهودية التي أسس الفكر الصهيوني لها كما أسس الفاشيون والنازيون سابقا فوقيتهم العرقية ، وهو ظلم يتم بحقد دفين وعلى مرأى من الحكومات في أوروبا دون محاسبة او عقاب ، بل وبمساندة أميركية بالمحافل الأممية .

لقد سئم شعبنا هذا الصمت او الإدانة اللفظية الركيكة من الغرب التي لا تحمل معاني التنفيذ الفعلي ، في وقت يصر فيه شعبنا على إنهاء هذا الاحتلال العنصري الأطول في التاريخ بعد الحرب العالمية الثانية ، بعيدا عن استمرار فكرة الغرب بادارة الصراع او البحث عن حلول اقتصادية وامنية لا تغني ولا تسمن عن شرعية الحقوق الوطنية السياسية في إزالة أصل البلاء وانهاء الاحتلال كرزمة لا تتجزأ .

mat
Developed by: MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024