الرئيسة/  مقالات وتحليلات

لروح يونثان غيفن السلام

نشر بتاريخ: 2023-04-30 الساعة: 05:02

 

 عمر حلمي الغول


هناك يهود إسرائيليون تلفعوا بثوب الصهيونية زمنا من الوقت، الى ان استيقظوا على حلم مزعج ومرعب حينما اكتشفوا ماهية الصهيونية كحركة رجعية عنصرية، وشاهدوا بأم اعينهم دولة الدم والموت والجريمة المنظمة التي أسسها حكام الغرب الرأسمالي لخدمة أهدافهم السياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية الكولونيالية في الوطن العربي عموما وفلسطين خصوصا، وتبين لهم الخيط الأبيض من الخيط الأسود، وافتضح امر الدولة الاسرائيلية اللقيطة كخندق امامي للامبريالية الغربية بكل مكوناتها وعلى رأسها الامبريالية الأميركية، فراجعوا انفسهم، وخلعوا ثوبهم الصهيوني، وانحازوا للحق والعدالة، وجاهروا بمواقفهم الشجاعة على الملأ، واعلنوا دعمهم للحقوق الوطنية الفلسطينية، وهناك أسماء وقامات فكرية وسياسية وفنية ثقافية حملت الجنسية الإسرائيلية، منهم ألان بابيه، وشلومو ساند، واري شابيط، وجدعون ليفي، والمحامية الراحلة فليتسيا لانغر، ويوسي كلاين، ويونثان غيفن، وهناك شخصيات يهودية فكرية وسياسية واكاديمية عالمية في الولايات المتحدة ودول أوروبا الغربية والشرقية لم تقبل من حيث المبدأ حمل الجنسية الإسرائيلية، ولم تتورط في الانضواء تحت راية الحرية الصهيونية، ومنهم ناعوم تشومسكي، نورمان فينكلشتاين، سارة سيلفرمان، سيث روجين، جون ستيورات، والبرت اينشتاين وناتالي بورتمان وغيرهم الكثير.

هذه النخبة من اليهود يستحقون التقدير وتسليط الضوء على تجاربهم ومواقفهم المتميزة والمسؤولة احياء او امواتا، لان القيمة الفكرية السياسية والثقافية القيمية التي عكسوها في نتاجاتهم أسهمت في فضح الوجه الحقيقي لإسرائيل اللقيطة الكارثية على الفلسطينيين واتباع الديانة اليهودية في مختلف بقاع الأرض. ولم اتوقف امام جماعات دينية او وضعية يهودية معادية للصهيونية كحركة "ناطوري كارتا" و"الشبكة اليهودية الدولية المناهضة للصهيونية" التي تأسست عام 2008 بجهود سارة كريشنار، لان الهدف تأبين شخصية هامة وفاعلة في المجتمع الإسرائيلي دعمت الحقوق الفلسطينية، وبهدف ابراز أسماء وعناوين عديدة تبنت الموقف المنسجم مع روح العدالة الإنسانية، ودعمت الحقوق الفلسطينية، وما زال الاحياء يدعمون فلسطين وقضيتها وحريتها.

الشخصية الإسرائيلية التي حرصت على تأبينها، هو الراحل اليهودي يونثان غيفن، الشاعر والملحن الموسيقي، والكاتب القصصي للأطفال والإعلامي، الذي توفاه الأجل قبل عشرة أيام، تحديدا في الـ19 من ابريل/ نيسان الحالي (2023) عن عمر ناهز الـ76 عاما، الذي تجاهل رحيله مختلف النخب السياسية من الموالاة والمعارضة الصهيونية لأنهم يعتبرونه يساريا متطرفا، ومعاديا للصهيونية، ومؤيدا شجاعا للقضية الفلسطينية، وكونه شبه الاستعمار الإسرائيلي للأراضي الفلسطيني بالنازية.

وهو من دافع عن الفتاة الفلسطينية عهد التميمي في عام 2017 واعتبرها نموذجا لا يقل أهمية عن "جان دارك" الفرنسية، او الفتاة اليهودية "آنا فرانك"، ودافع عن الحقوق الوطنية الفلسطينية باقتدار، ولم يخش العداء الذي ناصبه إياه الصهاينة من كل المستويات وخاصة غلاة التطرف والفاشية، كما لم يفكر للحظة فيما سيكتب عنه بعد موته، لانه لم يقف كثيرا امام هذه اللحظة، ولم يعطها الأهمية، إدراكا منه ان تأبينه من قتلة إسرائيل يؤذيه في مماته، ويسيء لتاريخه وسجله ومواقفه ولاشعاره الإنسانية ولموسيقاه ولكتاباته المختلفة.

ولعلي اعتقد للحظة انه كان بينه وبين نفسه، يتمنى ان يقوم احد الفلسطينيين بتأبينه ليكفر عن وجوده مع الحملة الصهيونية في نكبة الشعب الفلسطيني، ولكونه كان يرى مكانه مع الجانب الاصلاني، مع العدالة مع حرية واستقلال وتقرير المصير للشعب الفلسطيني وعودته لأرض وطنه الأم.

ونحن نتذكر الاحياء من اتباع الديانة اليهودية ونرثي الشخصيات الهامة المؤمنة بالعدالة السياسية، ورافضي الفكرة والحركة الصهيونية ودولتها الاسبارطية أمثال يونثان غيفن، نؤكد ان قطاعا صغيرا من الإسرائيليين واليهود عموما وقفوا الى جانب فلسطين الشعب والقضية، ولم يهادنوا او يتواطأون مع دولة إسرائيل الفاشية، وامتلكوا الشجاعة والجرأة ليقولوا ويعلنوا قناعاتهم دون تردد وعلى رؤوس الاشهاد ايمانا منهم، بأن دولتهم اللقيطة والنازية لا يمكن ان تصنع السلام، لا بل هي النقيض الجذري لخيار السلام أيا كان مستواه، ولا تقبل التعايش مع الشعب الفلسطيني لا في حدود دولة الرابع من حزيران عام 1967، ولا في حدود دولة قرار التقسيم 181 لعام 1947 ولا في حدود الدولة الواحدة الديمقراطية، وكل ما تقبل به هو: الترانسفير والتطهير العرقي او الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني صاحب الأرض والتاريخ والحضارة.

وداعا يونثان غيفن، وسلاما لروحك الطاهرة، ولكل امثالك من اتباع الديانة اليهودية المدافعين عن العدالة وتقرير المصير وحرية الشعوب.

[email protected]

mat
Developed by: MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024