تداعيات قانون التجنيد
نشر بتاريخ: 2023-04-19 الساعة: 22:28
عمر حلمي الغول
كلما اتسع وتعمق نفوذ الحريديم في المجتمع الإسرائيلي، وتعزز موقعهم في السلطتين التشريعية والتنفيذية أثير موضوع اعفاء طلاب المعاهد الدينية من التجنيد، وتتزامن ازمة شباب المدارس الدينية وتجنيدهم مع اقتراب إقرار موازنات الدولة الإسرائيلية، وحيث ان قوى الصهيونية الدينية وأحزاب الحريديم (يهوديت هتوراة وشاس) تكبل رئيس الحكومة السادسة والائتلاف الحاكم عموما بقيودها واتفاقاتها المبرمة مع الليكود عشية تشكيل حكومة الترويكا الفاشية في حال تراجع نتنياهو عن أي من مطالبها، وتهدد بحل الحكومة، لا سيما وان الموعد الخير لإقرار الموازنة سيكون في الـ 29 من أيار/ مايو القادم في حال لم يتم خفض سن الاعفاء من التجنيد الى 21 عاما لمدة عقد من الزمن.
ورغم ان الائتلاف الحاكم أوقف التشريعات القانونية مؤقتا حتى انتهاء وساطة الرئيس الإسرائيلي هيرتسوغ بين الموالاة والمعارضة، الا انه يعمل على الالتفاف على ذلك بتمرير مشروع قانون التخفيض، وتجاوز رفض المحكمة العليا لقانون الاعفاء كما جرى سابقا.
ووفق موقع "ريشت بيت" الحريدي، تهدف خطة الحكومة لتعديل مشروع القانون لحماية تأجيل تجنيد طلاب المعاهد الدينية، باعتباره إجراء طارئا ومؤقتا.
ولتدارك الأزمة الناشبة على هذا الصعيد التقى نتنياهو وأركان ائتلافه الحاكم يوم الاحد الماضي الموافق 16 نيسان/ ابريل لايجاد صيغة لتمرير التشريع القديم الجديد، بعد ان وافقت قيادة وزارة الحرب على التغييرات المقترحة من قبل الأقطاب الحريدية والدينية، دون ان تقبل للسن المطلوب للاعفاء. ويزعم وزير المالية، سموتيريش ان التشريع يساهم في إرساء "عقد اجتماعي جديد للمشاركة المتساوية لاعباء إسرائيل"، مدعيا ان هذه المسؤولية قائمة الآن بشكل متزامن في كل من القطاعين الاقتصادي والعسكري، وهو ما يسمح للشباب الحريدي الذي يرغب في دراسة التوراة البقاء في المدرسة الدينية التأجيل، ما لم يؤدوا خدمة التجنيد، ولا يمكنهم الالتحاق بأحد قطاعات العمل او بدء التدريب المهني حتى سن 26 عاما.
ولكن الجيش لم يقبل التمديد لـ 26 عاما، وانما بدل 21 يصبح 23 عاما. فضلا عن ان المعارضة رفضت مشروع قانون التجنيد الجديد من حيث المبدأ، لهذا هاجم رئيس المعارضة يئير لبيد الحكومة بسببه، وقال إن هذه نهاية "جيش الشعب" حسب موقع "سيروغم" امس الاول الاثنين 17 ابريل الحالي. واضاف لبيد "فقط أولادنا سوف يلتحقون بالجيش. فقط أولادنا سوف يمنحون ثلاثة أعوام. أولادنا فقط هم من سيخاطرون بحياتهم. أولئك الذين لا يلتحقون، ستزيد مخصصاتهم، وسيكون أولادنا فقط هم السذج الذين يعملون ويدفعون الضرائب". وتابع زعيم "هناك مستقبل": "ان هذا ليس قانون تجنيد، بل انه استسلام غير مشروط للتهرب والرفض من الخدمة العسكرية. وهذا تنازل عن القيم التي تأسست عليها إسرائيل". وتعميقا لوجهة نظر لبيد أعلنت وسائل الاعلام الإسرائيلية، ان قانون التجنيد الجديد يتوقع ان يمنح اعفاء واسعا لقطاع الحريديم من الخدمة العسكرية، وهذا يشكل تهديدا حقيقيا.
حتى ان محلل صحيفة "يسرائيل هيوم" السياسي، أرئيل كهانا كتب انه "ليس من الانصاف والمنطق ان يكون يهودي ملزم بأداء الخدمة العسكرية، في حين يتم اعفاء يهودي آخر فقط لأنه ولد منتميا الى تيار محدد". وقالت الصحيفة اليمينية، إن المسارين اللذين اقترحهما وزير المالية سموتيريش ووزير الحرب غالانت يكرسان انعدام المساواة بين الإسرائيليين في كل ما يتعلق بتحمل المسؤولية في الخدمة العسكرية.
وحذرت العديد من الجهات الإسرائيلية من هكذا مشاريع قرارات، التي اقترحها اقطاب الائتلاف الحاكم لأنها تصب في مسار لا تحمد عقباه، كونه يؤدي الى "تفكيك الجيش الإسرائيلي." ورغم المخاوف من تداعيات التشريع الجديد داخل الائتلاف الحاكم، الا ان هناك اجماعاً على انه لا مجال للنكوص عن دفع التعديل قدما، لان عدم خفض سن الاعفاء سيترتب عليه إسقاط الحكومة من قبل الأحزاب الدينية.
ولا اريد العودة لقانون طال عام 2002 وما تلاه من تعديلات، وتعديلات عليها، وإلغاء اكثر من قانون ذات صلة بتجنيد طلاب المعاهد الدينية عام 2007، و2014 و2019، والتي جميعها كانت بمثابة قنابل تفجير للائتلافات الإسرائيلية الحاكمة السابقة. وتبقى النتيجة الأهم من خلال قراءة التداعيات الناجمة عن مشروع التعديل الجديد، ان الأزمة البنيوية العميقة داخل الدولة والمجتمع الإسرائيلي تتوسع وتتعمق ولا تقف عند حدود القضاء والانقلاب عليه، وانما تطال القطاعات المختلفة. بيد ان الأمر الماثل الان في المشهد الإسرائيلي بقاء الحكومة من عدمه لان أحزاب الحريديم لا تتورع عن اسقاطها في حال لم تستجب لمطالبها، كونها لا تعاني ازمة في ثقلها الاجتماعي والبرلماني والسياسي داخل المجتمع. لكن إصرارها على خيارها يدفع إسرائيل نحو الهاوية، والتي ستطيح بهم وبالدولة والجيش والمشروع الصهيوني برمته.
mat