الرئيسة/  مقالات وتحليلات

لعبة تزوير الآثار الخطرة

نشر بتاريخ: 2023-03-05 الساعة: 11:50

عمر حلمي الغول


دولة قامت كلها من ساسها إلى رأسها على التزوير والأساطير والخزعبلات، وما زالت تروج لبضاعتها الفاسدة، وتؤصل لمشروعها الكولونيالي الإجلائي الإحلالي الفاشي على أنقاض الشعب الفلسطيني ونكبته، ليس مستغربا، ولا مستهجنا أن تقوم كل يوم على تزوير وقلب الحقائق، واستلاب التاريخ والحقائق، وفي ذات الوقت، طمس الآثار الأصلية الفاضحة للدولة اللقيطة واللاشرعية الإسرائيلية.

ومع أن علماء الآثار الإسرائيليين بمختلف مسمياتهم وعلى مدار قرن ونصف القرن الماضي، ومعهم وقبلهم علماء الآثار البريطانيون والفرنسيون والألمان ومن ثم الأميركان أعلنوا فشلهم في العثور على أية آثار في أرض فلسطين التاريخية تدلل على وجودهم في فلسطين، أو وجود ما يسمى الهيكل الثالث، إلا أن الدولة المارقة والخارجة على القانون تأبى إلا أن تواصل إنتاج وإعادة إنتاج الأكاذيب، وتواصل ممارسة لعبة التزوير للآثار لعل وعسى تتمكن من تمرير كذبة ما يربطها بالأرض الفلسطينية العربية.

ارتباطا بما تقدم، قامت إحدى الباحثات الإسرائيليات في سلطة الآثار وخبيرة بالخط الآرامي القديم بتزوير كتابة على قطعة فخار، تحمل اسم الملك الاخميني الثالث، داريوس الأول الذي حكم فارس من العام 521 ق.م إلى العام 486 ق.م. وقالت سلطة الآثار يوم الأربعاء الموافق الأول من آذار/ مارس الحالي، إن مجموعة متنزهين عثرت على القطعة، وعليها الكتابة "داريوس 24"، أثناء تجوالهم في منطقة تل الدوير، المعروف بتل لخيش أيضا، وهي منطقة تقع جنوب شرق عسقلان، وعلى الطريق بين القدس وغزة.

وفي أعقاب الإعلان، توجهت إلى سلطة الآثار، أمس الأول باحثة من خارج إسرائيل وكانت شاركت في حفريات في تل الدوير ضمن مجموعة علماء آثار أجانب، وأكدت التزوير الحاصل. والباحثة الإسرائيلية هي أحد الباحثين القلائل في العالم المتخصصين في كتابات باللغة الآرامية القديمة، واعترفت بتزوير القطعة أثناء إعطائها مثالا لمجموعة طلاب حول الكتابة على قطعة فخارية قديمة، ثم تركت القطعة المزورة في تل الدوير، "الأمر الذي تبين لاحقا أنه تضليل". حسب سلطة الآثار الإسرائيلية، وادعت الباحثة، أنها لم تتعمد هذا التزوير. من خلال تركها للقطعة المزورة عن سابق تصميم وإصرار شاءت، أن تلعب لعبة الاستغماية، مرت اللعبة، وتم تسويقها، فهذا يشكل خطوة في عمليات أوسع وأعمق من التزوير والافتراء على التاريخ والآثار.

وعلى إثر افتضاح عملية التزوير، التي كشفتها الباحثة الأجنبية اضطرت سلطة الآثار والباحثة الإسرائيلية للإقرار بأن القطعة مزورة، وأصدرت السلطة بيانا يوم الجمعة الماضي، أنها "تتحمل المسؤولية عن هذه الواقعة". وكان دقق في القطعة أيضا الفخارية الدكتور حغاي مسغاف، وهو خبير في الكتابة الآرامية القديمة، وكذلك عالم الآثار ساعار غانور، الباحث في تل الدوير، اللذان أكدا، أن القطعة مزورة. وأضاف بيان سلطة الآثار، "إن هذه واقعة خطيرة من الناحية الأخلاقية العلمية". وإبقاء القطعة مع الكتابة في الموقع، مما أدى إلى تضليل الباحثين وطمس الحقيقة العلمية. وبالإمكان العد على يد واحدة وقائع من هذا النوع التي حدثت في الأبحاث الأثرية.  

لم يكن ممكنا إصدار البيان من سلطة الآثار، وإقرار الباحثة الإسرائيلية لولا افتضاح وانكشاف لعبة التزوير، لا سيما وأن إحدى الباحثات من الفريق الأجنبي الذي كان يبحث في ذات الموقع الأثري عادت فورا لمتابعة الادعاء بالاكتشاف الأثري الجديد، ولتؤكد بشكل قاطع كذبة الاكتشاف، وتدحض اللعبة الإسرائيلية. وكان يمكن أن تمرر اللعبة لو لم تعد الباحثة الأجنبية لمتابعة الحدث، ومن ثم يتم الزج بنماذج أخرى من عمليات التزوير، لا تتوقف عند داريوس الأول. لا سيما وأن سلطة الآثار الإسرائيلية قامت بسرقة قطع أثرية، وأحجار من المسجد الأقصى، كما وضعت يدها على بعض القطع الأثرية التي وجدتها تحت الحرم القدسي الشريف، كما سرقت بعض الآثار من الأديرة والكنائس القديمة بغية العبث فيها لاحقا، واستخدامها في عمليات تزوير. بتعبير آخر، الأمر لا يقتصر على داريوس، وإنما على علاقة ذلك بوجود اليهود والهيكل في القدس العاصمة، وأيضا محاولة تأكيد وجود علاقة لليهود بمدن الساحل الفلسطيني، خاصة وأن المملكتين اليهوديتين المزعومتين حسب النصوص التوراتية تشير لوجودهما في القدس ونابلس، أي في الجبل. فضلا عن الادعاء بوجود علاقة لهم بالحرم الإبراهيمي الشريف.

النتيجة أن عملية التزوير الإسرائيلية الجديدة والخطيرة تكشف المحاولات الإسرائيلية المتواصلة لتمرير وتعميم آثار مزورة كمقدمة لإدراج ما يتعلق بوجود آثار يهودية في فلسطين، وهو ما لم يثبت حتى الآن وجود أي شيء من هذا القبيل في كل فلسطين التاريخية وفق معطيات ومصادر علماء الآثار الإسرائيليين ذاتهم. وهذا يتطلب من جهات الاختصاص الفلسطينية متابعة الجرائم الإسرائيلية على هذا الصعيد، لملاحقتهم أمام الهيئات والمحاكم الدولية ذات الصلة بعملية التزوير.

[email protected]

mat
Developed by: MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024