الرئيسة/  مقالات وتحليلات

نحن وتداعيات حمى الانتخابات وهستيريا الغرب والقمة العربية

نشر بتاريخ: 2022-10-29 الساعة: 13:53

 

مروان اميل طوباسي 

 

منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وتداعياتها الدولية، لم يشهد العالم سرعة متغيرات وتنوع تحالفات اقليمية ودولية كما يحدث اليوم.


فمنذ نهاية الحرب الباردة وانهيار المعسكر الاشتراكي الشرقي فقد استقر النظام العالمي ذو الاحادية القطبية من خلال كل أشكال الهيمنة بقيادة الولايات المتحدة التي فرضت سياساتها ومواقفها على حلفائها وتحديدا على دول الاتحاد الأوروبي والتي باتت اليوم تعاني من هستيريا متصاعدة أمام ازمة النيوليبرالية الجديدة من جهة، وانعكاسات خروج بريطانيا من الاتحاد من جهة اخرى.


أن واقع ومستقبل الاتحاد الأوروبي أصبح يتهدده أشكالا من التباعد بين بعض دوله كالمانيا وفرنسا، كذلك التباين في مواقف عدد من دوله بشأن بعض القضايا الناشئة وتحديدا اليوم بما له علاقة من العقوبات المفروضة على روسيا والصراع الأطلسي الروسي. وقد انعكس هذا الأمر بشكل واضح في لقاء الدول الاوروبية الذي دعا له الرئيس الفرنسي ماكرون قبل اسابيع . وقد يكون انتهاء شكل هذا الاتحاد الأوروبي هو ما تسعى له الولايات المتحدة وروسيا في آن واحد لكن من منطلقات مصالح مختلفة الأبعاد.


لكن وبالرغم من ذلك فإن الاتحاد الأوروبي يمضي باتجاه الولايات المتحدة ويتبع نمط سياساتها الخارجية حول معظم قضايا العالم ومنها قضيتنا الفلسطينية . فلا يستطيع الاتحاد الأوروبي التخلي عن البقاء في فلك السياسات الأميركية في ظل استمرار وجود حلف الناتو الذي تحدد سياساته الولايات المتحدة.


وفي ظل هذه المتغيرات المتسارعة وتفاقم مظاهر الصراع الروسي الأطلسي الذي بات أكثر وضوحا منذ عام ٢٠١٤ بعد محاولة الولايات المتحدة السيطرة على أوكرانيا وتهديد مصالح الأمن القومي الروسي وإثارة الحرب ضدها بالوكالة وتوسيع حدود الناتو، فإن الولايات المتحدة باتت تشهد متغيرات أن كان في إطار تبديلات في استراتيجيات امنها القومي والذي أعلن عن مضمونه الجديد قبل شهر ، أو بما تشهده من تداعيات اجتماعية واقتصادية قد تهدد استقرار ووحدة ولاياتها وانتشار مظاهر الفوضى المدنية حيث باتت جرائم القتل فيها شبه يومية.


يترافق ذلك مع حمى انتخابات الكونغرس الأميركي التي ستجري بالنصف الأول من الشهر القادم والتي قد تطيح بالاغلبية الحاكمة لحزب الرئيس بايدن "الديمقراطي" وفق استطلاعات الرأي الجارية والتي تشير إلى فوز الجمهورين من حزب الرئيس السابق ترامب بهذه الانتخابات التصفية، الأمر الذي أن تم سيعيق بايدن من استمرار تنفيذ سياساته، رغم اننا ندرك بأن استراتيجيات السياسة الأميركية تحيكها الدولة العميقة ومنها المجمعات الاقتصادية والمالية البنكية والصناعات العسكرية . وهي استراتيجية قد تختلف بالأداء لكنها تخدم فكرة الهيمنة الأميركية في قيادة النظام الدولي الذي أصبح يتهدده الانهيار نحو نظام دولي جديد اما ثنائي القطب أو متعدد الاقطاب بحكم الدور الروسي والصيني المتصاعد بالعالم والتجمعات الدولية الجديدة الناشئة حديثا، التي أصبحت تدور بالفلك الروسي الصيني بحكم المتغيرات الجارية.


وبغض النظر عن فوز اي من الحزبين الاميركيين في انتخابات الكونغرس، فإن ذلك لا يعني شيئا من وجهة نظري تجاه حقوق شعبنا الفلسطيني الثابتة والمتمثلة اساسا بحق تقرير المصير لشعب يتعرض لظلم تاريخي منذ اكثر من سبعة عقود بانحياز كافة الإدارات الأميركية إلى جانب دولة الاحتلال ومنهجها الاستعماري، من خلال استدامة إدارة الازمة فقط بما يوفر لدولة الاحتلال الوقت لتنفيذ مشروعهم بتمدد الاستيطان والضم وتهديد القدس والاغوار.


اما انتخابات الكنيست فستجري خلال الأيام القادمة للمرة الخامسة وهو أمر لا بد انه يعكس ازمة حكم بنيوية لدى نظام دولة الاحتلال التي تتنافس كافة احزابها الصهيونية الدينية والقومية على اراقة الدم الفلسطيني ومنع إقامة دولة فلسطينية متواصلة وذات سيادة على حدود الرابع من حزيران ، وعلى مدى إلحاق الاضطهاد بابناء شعبنا في غياب معسكر سلام إسرائيلي يهودي وتوجه معظم المجتمع لديهم نحو برامج صهيونية حاقدة.


حتى اللحظه يتساوى المعسكران الصهيونان بنتائج الانتخابات المتوقعة ، وليس هنالك أدنى مؤشر على رغبة اي من المعسكرين بمسار سياسي لمفاوضات جادة تقوم على اساس القرارات الدولية والقانون الدولي وتفضي إلى إنهاء الاحتلال ، خاصة وان استمرار الاحتلال الاستيطاني غير مكلف بالنسبة لهم بل ويشكل احد مصادر دخلهم القومي لانه يقوم على أساس استعماري بالكامل . وهو امر يشجع استمراره نفاق الغرب وازدواجية معاييره وعدم قدرته على محاسبة وعقاب دولة الاحتلال.


في خضم كل هذه التداخلات السياسية والاقتصادية على مستوى الإقليم وبما يخص الغرب والتحولات الجارية في العالم وفق نتائج انتخابات جرت بالعديد من الدول ادت الى تقدم قوى اليسار باميركا اللاتينية وعدد من قوى اليمين المتطرف في دول اوروبية والازمة القائمة في بريطانيا، تنعقد القمة العربية بالجزائر بعد يومين في محاولة للم الشمل العربي من وجهة نظر سياسية مثالية لا تتفق مع الواقعية السياسية التي بات العالم العربي يعيشها بتباين واختلاف المواقف أو من خلال خلافات بينية تفاقمت بشكل كبير إلى حد الحروب بين بعضها بعد تنفيذ الولايات المتحدة ما سمي زورا بالربيع العربي ونتائجه التي ما زلنا نعيشها حتى اليوم ، والتي ادت بقضيتنا الفلسطينية إلى تراجع أولويات الاهتمام بها.


وحيث اننا جزء لا يتجزأ من الصراع الدائر في اية بقعة من العالم ونحن في فلسطين جزء من هذا العالم والصراع مع الاحتلال هو أيضا جزء من الصراع الدائر في العالم وبالتالي فان الساحة الفلسطينية ستتاثر بكل ما يجري على هذا الكوكب من متغيرات ستنعكس علينا دون أدنى شك.


هي فرصة الآن أمام العرب بأن يخلعوا ثوب الخوف الذي البسه الاستعمار لهم واستأثرت به أميركا لاحقا لإحتواء الدول العربية وإسرائيل على حد سواء بالترهيب والمصالح المشتركة لخدمة أهدافها ورؤيتها اساسا.


على العرب الآن وبأقل الايمان الخروج من سياسة الاحتواء الاميركي لهم بالاستفادة من ازمات الولايات المتحدة وهستيريا الخوف بالغرب وتوسيع آفاق علاقاتهم مع الشرق دون السقوط في شرك وهم العدو الجديد لهم بدلا عن إسرائيل، واتباع سياسات اقتصادية مستقلة استنادا إلى الثروات الموجودة وخاصة أمر الغاز والبترول ، وإشاعة حياة سياسية ديمقراطية بالمجتمعات العربية حفاظا على الدور الوطني للدول ووحدة اراضيها، واعادة تقيم العلاقة مع الولايات المتحدة على أساس المصالح الوطنية اولا، ما يؤهل إلى إعادة ترتيب الأولويات العربية وخاصة ما يتعلق بقضية إنهاء الاحتلال والعلاقة مع اسرائيل وفق أسس المبادرة العربية.


أن العالم مقبل على متغيرات اساسية تجري بداياتها الآن ، وعلينا إدراك سياسات السراب الأميركي ونفاقها المتداعية الآن ، والاهتمام في هذه المرحلة الانتقالية من النظام العالمي الذي نأمل بحلوله ان يسود جوهره العدالة والسلم العالمي والحريات، بقضايانا الداخلية في توطيد صمودنا الرسمي والشعبي من خلال كافة الآليات الوطنية والديمقراطية اللازمة، كما تصعيد المقاومة الشعبية والسياسية بالمحافل المختلفة في فضح ومواجهة سياسات وجرائم الاحتلال وتطوير كل أشكال العلاقة والتضامن المتبادل مع شعوب العالم وقواها التقدمية التي تقف الى جانب حقوق شعبنا الثابتة ومبادئ حق تقرير المصير والحرية

 

mat
Developed by: MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024