الرئيسة/  مقالات وتحليلات

إغلاق الاحتلال للمؤسسات الفلسطينية انتهاك خطير للقانون الدولي

نشر بتاريخ: 2022-08-23 الساعة: 14:54

د. محمد علي 

في إطار انتهاكاتها الجسيمة لقانون حقوق الانسان، والقانون الدولي الإنساني، وقرارات الشرعية الدولية، ‏وقواعد القانون الدولي العام، أقدمت إسرائيل "السلطة القائمة بالاحتلال" على اغلاق 7 مؤسسات فلسطينية. ‏حيث اقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلي فجر يوم الخميس الماضي 18/8/2022، عددا من جمعيات ‏العمل المدني ومؤسسات حقوقية في رام الله والبيرة، وذلك بعد أن أعلن وزير الأمن الإسرائيلي، بيني ‏غانتس، مساء اليوم السابق الأربعاء، عن تصنيف بشكل نهائي 3 جمعيات فلسطينية بأنها "إرهابية‎".‎‏ ‏وطالت اقتحامات قوات الاحتلال مقار جمعيات ومؤسسات حقوقية في رام الله، وجميعها ممن أعلنتها ‏سلطات الاحتلال الإسرائيلي سابقا "منظمات إرهابية" في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي‎.‎

والمؤسسات هي: الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان، والحركة العالمية للدفاع عن الأطفال – فلسطين، ‏والحق، واتحاد لجان العمل الزراعي، واتحاد لجان العمل الصحي، واتحاد لجان المرأة الفلسطينية، ومركز ‏بيسان للبحوث والإنماء. إذ أغلقتها قوات الاحتلال وثبتت ألواحا حديدية على بواباتها وعلقت أوامر إغلاق ‏تام عليها، بعد أن عبثت بمحتوياتها واستولت على ملفات ومعدات عدد منها‎.‎

وقامت قوات الاحتلال بتثبيت ألواح حديدية على بواباتها وتعليق أوامر إغلاق تام عليها بحجة "تبعيتها ‏لمنظمة محظورة واستخدامها في أنشطتها"، في إشارة للجبهة الشعبية، وقبل يوم واحد من اغلاقها، أعلن وزير ‏الأمن غانتس، عن تصنيفه بشكل نهائي إلى 3 مؤسسات وجمعيات فلسطينية بأنها "إرهابية"، وذلك بحجة ‏تمويلها للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.‏

وردّ مركز عدالة - عضو الطاقم القانوني للدفاع عن المؤسسات الحقوقية الست، والممثل القانوني لمؤسسة ‏الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان، ومركز بيسان للأبحاث والتنمية، واتحاد لجان المرأة الفلسطينية بعد ‏التصديق على إعلانهم منظمات "إرهابية"، بعدما تم رفض الاعتراض الذي قدّمه الطاقم القانوني ضد هذا ‏الإعلان، واقتحام مكاتب المؤسسات الست وإغلاقها، فجر يوم الخميس ، أنه "بعد أن رفضت عشر دول ‏أوروبية التصريحات التي صدرت في غياب أي دليل، تواصل إسرائيل ملاحقة المجتمع المدني الفلسطيني ‏والناشطين الحقوقيين، بهدف واضح وهو إسكات أي محاولة لتوثيق وكشف انتهاكاتها لحقوق الإنسان ‏والقانون الدولي. ويقود الهجمة على مؤسسات المجتمع المدني الفلسطينية وزير الأمن الإسرائيلي، المشتبه ‏بارتكاب جرائم حرب، بمحاولة لترهيب كل من يحاول الشهادة على انتهاكاته‎"‎‏. وقد تمت مداهمة مكاتب ‏المنظمات بعد ساعات قليلة فقط من قيام القائد العسكري برفض الالتماسات التي قُدّمها مركز عدالة رفضًا ‏لإعلان المنظمات كإرهابية، من دون إعطاء أي رد جوهري أنه لم تتوفر للمؤسسات أي فرصة للدفاع عن ‏نفسها بحجة امتلاك مواد وأدّلة سريّة ضد المنظمات. وجاء هذا الاعتداء ليس فقط على مؤسسات المجتمع ‏المدني، بل على الشعب الفلسطيني بأكمله وعلى حقه في تقرير مصيره.‏

وتعد المؤسسات التي أغلقت، مؤسسات أهلية تعمل منذ عشرات السنوات في فلسطين، وعن مؤسسة ‏الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان: فهي مؤسسة أهلية فلسطينية مستقلة غير ربحية تعنى بحقوق ‏الإنسان، أسسها في القدس أواخر عام 1991 مجموعة من النشطاء والمهتمين بحقوق الإنسان لدعم ونصرة ‏الأسرى‎.‎‏ كما أن الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال– فلسطين: عملت لأكثر من عشرين عاما في تقديم ‏الدعم للأطفال الفلسطينيين، وهي أحد فروع الائتلاف الدولي للحركة العالمية للدفاع عن الأطفال الذي لديه ‏أكثر من خمسين فرعا في جميع أنحاء العالم وأمانة دولية في مدينة جنيف السويسرية‎.‎‏ أما مؤسسة ‏الحق:‏‎ ‎فهي جمعية حقوق إنسان فلسطينية، غير حكومية ومستقلة، تأسست عام 1979 من قبل مجموعة ‏من المحامين الفلسطينيين بهدف توطيد مبدأ سيادة القانون، وتعزيز صون حقوق الإنسان واحترامها في ‏الأرض الفلسطينية المحتلة‎. ‎‏ ولجان العمل الصحي:‏‎ ‎هي مؤسسة فلسطينية أهلية تقدمية، تعمل في التنمية ‏الصحية والمجتمعية في الأرض الفلسطينية بمنظور حقوقي، من خلال تقديم خدمات الرعاية الصحية وبناء ‏النماذج التنموية لكافة شرائح المجتمع خاصة الفقراء والمهمشين‎.‎‏ واتحاد لجان المرأة الفلسطينية‎: ‎هي ‏منظمة نسوية أهلية جماهيرية تقدمية، تأسست عام 1980، بهدف الارتقاء بوضع المرأة الفلسطينية ‏وتمكينها‎.‎‏ ومركز بيسان للبحوث والإنماء‎: ‎هو مؤسسة أهلية تقدمية ديمقراطية غير هادفة للربح، تأسست ‏عام 1989، ويعمل من أجل تعزيز صمود الشعب الفلسطيني، ومن أجل المساهمة في بناء مجتمع مدني ‏فلسطيني ديمقراطي وتقدمي فاعل ومؤثر‎.‎‏ أما اتحاد لجان العمل الزراعي:‏‎ ‎تأسس عام 1986 بمبادرة من ‏مجموعة من المهندسين الزراعيين‎.‎‏ ومن أهدافه تعزيز صمود واستدامة سُبل العيش لصغار المزارعين، تعزيز ‏السيّادة على الموارد الطبيعيّة وملاءمتها مع التغيرات المناخيّة، وحماية حقوق المزارعين الوطنيّة ‏والديموقراطية والدفاع عنها‎.‎‏ والاتحاد عضو في العديد من الشبكات الدولية والوطنية.‏

يتضح أن هذه المؤسسات تعمل في المجال الحقوقي، والإنساني، والتنموي، في المجتمع الفلسطيني، ‏وتربطها علاقات وثيقة مع المؤسسات والمنظمات الدولية الرسمية والأهلية النظيرة لها، كما أنه تتلقى الدعم ‏من هذه المؤسسات وخاصة من الاتحاد الأوروبي، ولا تقوم بأي دور تحريضي أو سياسي أو إرهابي كما ‏تدعي حكومة الاحتلال، ولهذا أدانت المنظمات الدولية قرار سلطات الاحتلال اغلاق هذه المؤسسات ‏ومنعها من العمل، وطالبت حكومة الاحتلال بالتراجع عن قرارها غير القانوني وتمكين هذه المؤسسات من ‏مواصلة عملها الإنساني والحقوقي والتنموي. وقد أعربت 9 دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي، عن قلقها ‏إزاء الاعتداءات الإسرائيلية على منظمات المجتمع المدني الفلسطينية، وعرقلة عملها‎.‎‏ كما قالت في بيان ‏مشترك لكل من وزارات خارجية: بلجيكا، والدنمارك، وفرنسا، وألمانيا، وأيرلندا، وإيطاليا، وهولندا، وإسبانيا، ‏والسويد‎.‎‏ وقالت الدول في بيانها: "لا غنى عن وجود مجتمع مدني حر وقوي لتعزيز القيم الديمقراطية، ومن ‏أجل حل الدولتين‎".‎‏ وأضاف البيان، أن "تقليص مساحة عمل منظمات المجتمع المدني في الأراضي ‏الفلسطينية المحتلة لا يزال مصدر قلق‎".‎‏ 

وأكدت الدول أن إسرائيل لم تقدم معلومات جوهرية من شأنها تبرير ‏سياستها تجاه المنظمات المدنية الفلسطينية، التي قامت بتصنيفها "منظمات إرهابية‎".‎

وطالب 22 مشرعا من أعضاء الكونغرس الأميركي، وزير الخارجية أنتوني بلينكن، برفض التصنيف ‏الإسرائيلي إلى 6 مؤسسات حقوقية فلسطينية بارزة بـ "الإرهابية‎".‎‏ وجاء في الرسالة التي أرسلتها عضو ‏الكونغرس أيانا بريسلي، برفقة 21 عضوا آخر إن "المؤسسات الحقوقية ومنظمات المجتمع المدني ‏الفلسطينية الست التي استهدفتها التصنيفات الإسرائيلية تعمل بشكل مباشر مع النساء والفتيات ‏الفلسطينيات والأطفال وأسر الفلاحين والمعتقلين ونشطاء المجتمع المدني، وتقدم خدمات مباشرة ورصد ‏انتهاكات حقوق الإنسان وفضحها‎".‎‏ وبحسب ما ورد، طالبت الرسالة وزير الخارجية الأميركي بتقديم إحاطة ‏وتقرير إلى الكونغرس في غضون 30 يوما، مشيرة إلى أن الحكومة الإسرائيلية فشلت في تقديم أدلة كافية ‏تربط منظمات حقوق الإنسان بـ"النشاط الإرهابي‎".‎‏ وأكدت أن هذا القرار يهدف إلى قمع المجتمع المدني ‏الفلسطيني والعمل القانوني في مجال حقوق الإنسان في الضفة الغربية المحتلة‎.‎‏

وأيدت الرسالة أكثر من ‏‏140 منظمة أميركية بما في ذلك “هيومن رايتس ووتش”، ومنظمة العفو الدولية في الولايات المتحدة الأم، ‏وشبكة المنظمات الفلسطينية الأميركية، ومنظمة جيه ستريت، ومنظمة موف اون، ومركز الحقوق ‏الدستورية، والمعهد العربي الأميركي، و"أصوات يهودية من أجل السلام"، ولجنة خدمة الأصدقاء الأميركية.


وكانت ردة فعل هذه المؤسسات المستهدفة، وسائر مؤسسات العمل الأهلي الفلسطينية، بإدانة ورفض جريمة ‏اغلاق هذه المؤسسات، والعمل على فتح أبوابها، والإصرار على استمرار عملها، وقد لقيت هذه الخطوة ‏الدعم والاسناد من قبل شعبنا وقواه الوطنية، وكذلك أيضا من قبل المجتمع الدولي والمنظمات الدولية. ‏

إن حماية هذه المؤسسات وتمكينها من مواصلة عملها الإنساني والتنموي والحقوقي لن يتحقق فقط ‏بالتصريحات السياسية، وحملات التنديد والشجب على أهميتها وضرورتها، بل ينبغي أن تترافق بفرض ‏العقوبات من قبل المجتمع الدولي على حكومة الاحتلال، لالغاء قرار اغلاق المؤسسات، وتمكينها من ‏العمل بشكل طبيعي وبدون أي قيود، ومحاكمة مرتكبي هذه الجريمة حتى لا يفلت هؤلاء الجناة من العقاب.‏

‏*محام ومحاضر جامعي في القانون الدولي.‏ 

mat
Developed by: MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024