الرئيسة/  مقالات وتحليلات

حماس وراء حرق أبو عربية

نشر بتاريخ: 2022-08-01 الساعة: 11:38

 

عمر حلمي الغول


فاجعة جديدة عنوانها رحيل الشاب حسني أبو عربية في مقتبل العمر (26 عاما) حرقا نتاج الجوع والفقر المدقع الكافر يوم الجمعة الموافق 22 تموز/ يوليو الماضي في معسكر الشاطئ غرب مدينة غزة، وبعد ان اسودت الدنيا بعينيه، وفقد الامل في الحصول على وجبة طعام. فهو لا يملك فلسا واحدا، ووالده أيضا يعاني من الفقر المدقع، لانهما بلا عمل، او بتعبير آخر يعمل حسني يومين في الأسبوع يحصل فيهما على (20) دولارا اميركيا، لا تكفيه مصروف جيب، ولا تسد رمق العائلة التي كدها الفقر والعازة، لذا سكب البنزين على جسده واشعل عود ثقاب، وارتمى في حضن والدته مطالبا إياها بان تطفئ النار، لكن سبق السيف العذل.

تقول والدته فاطمة "والله مات وهو جوعان" صباح السبت الموافق 23 تموز/ يوليو الماضي. وبرحيل حسني يكون عدد الذين انتحروا هذا العام 20 مواطنا، جميعهم لجأوا للانتحار بوسائل مختلفة (السم او القاء النفس من عمارة مرتفعة، او الشنق او اطلاق الرصاص على الذات)، وهناك المئات والاف من الشباب ملقى على قارعة طريق البطالة. وبالتالي قضية ازدياد نسبة الانتحار لا تتعلق بحسني وحده، انما هي ظاهرة عامة تخالج مشاعر الغالبية من الشباب فاقد الامل بالحصول على مستقبل متواضع، الشباب المحبط واليائس، والمسكون بالضياع بسبب الحصار الإسرائيلي الظالم، والانقلاب الحمساوي الأسود، كلاهما اغلق كل النوافذ والابواب امام مئات الاف من الخريجين من الجنسين والشباب عموما، ومن منهم استطاع مغادرة قطاع غزة لجأ إلى أعالي البحار لعله يصل لاحد شواطئ المنافي الجديدة، او يموت غرقا، ويصبح وجبة دسمة لاسماك القرش وغيرها، في الوقت الذي تتضخم كروش قادة الانقلاب من فرع جماعة الاخوان المسلمين في فلسطين، ويجلس قادة العدو الصهيوني يراقبون الموت البطيء لابناء القطاع المنكوب.

قصة انتحار حسني حرقا اثارت ردود فعل ساخطة في أوساط المواطنين في محافظات غزة، لما تحمله من دلالات اجتماعية واقتصادية وسيكولوجية، وكونه الخامس خلال أسبوع بمعدل انتحار شاب يوميا تقريبا، وخلفياتها تكمن في الجوع والبطالة والحاجة وغياب الامل، وقهر وبطش ميليشيات الانقلاب الأسود لهم، وزيادة الضرائب وعناوينها، وغياب القوانين والمعايير الأخلاقية والقيمية، وتفشي المخدرات والدعارة وكل الموبقات، والحرمان من السفر العادي والطبيعي للدول الشقيقة او الصديقة.

ووفق بيانات مركز الإحصاء الفلسطيني فإن معدلات البطالة وصلت في محافظات الجنوب إلى 89% بين العمال، وهي النسبة الأعلى في أراضي دولة فلسطين المحتلة. وهناك 450 الف خريج جامعي بلا عمل، والعدد في تزايد مستمر، وخط بياني صاعد، ووصلت نسبة الفقر العام الى 53%، منهم 33% تحت خط الفقر. كما ان 80% من عائلات قطاع غزة تعاني من انعدام الامن الغذائي، وتعتمد على المساعدات المقدمة من المنظمات الدولية، التي تأخرت كثيرا العام الماضي وحتى منتصف العام الحالي (2022)، فضلا عن انها مهددة بالتوقف بين الفينة والأخرى في محاولة من بعض الدول والمنظمات ابتزاز الشعب الفلسطيني لفرض معايير تتناقض مع اهداف ومصالح الشعب الفلسطيني وروايته الوطنية.

ووفق إحصائية اعدها مركز "الضمير" لحقوق الانسان في قطاع غزة حول اعداد المنتحرين، فإن عام 2015 شهد عشر محاولات انتحار، في حين حاول 553 شخصا القيام بذلك. اما عام 2016 فشهد 16 حالة انتحار و626 محاولة فاشلة، وفي عام 2017 سجلت 23 حالة انتحار فعلية، ونحو 566 محاولة، وفي عام 2018 دونت 20 حالة انتحار و504 محاولات، وفي عام 2019 بلغ عدد الوفيات انتحارا الى 32 من اصل 133 محاولة، وفي العام 2020 سجلت 17 حالة من بين 404 محاولات، ومعظم حالات الانتحار تمت في أوساط الشباب دن سن الـ30 بنسبة 87% من المحاولات.

ومع ذلك تدعي أوساط الانقلابيين، ان حالات الانتحار ليست ظاهرة، وانما هي حالات فردية، وترجع نسبة 70% حسب المدعو رائد العمودي لخلافات عائلية، و5% لاسباب مرضية (اختلال عقلي)، و10% لاسباب اقتصادية، و2% بالخطأ ونتاج جرائم القتل. وادعاء ممثل حركة حماس لا أساس له من الصحة، حيث يحاول تقليص نسبة الانتحار لاسباب اقتصادية، أي نتاج الفقر والجوع والفاقة الى الحد الأقصى، ويعيد النسبة الأكبر للخلافات العائلية، وهذا غير صحيح، دون نفي وجود ذلك السبب، لكن الأساس الذي يقف وراء تلك الظاهرة ما تم ذكره انفا، وأيضا نتاج الاضطراب النفسي الناجم عن سببين مركزيين أولا حروب إسرائيل المدمرة وحصارها الظالم على القطاع، والثاني جرائم وانتهاكات ميليشيات حماس ضد أبناء الشعب، ومطاردتهم في قوت يومهم عبر توالد عمليات النهب لجيوبهم تحت يافطة الضرائب غير المسبوقة، التي لا تستند لمعايير قانونية او اقتصادية. ووفق تقرير منظمة الصحة العالمية، فانها وثقت اكثر من 210 آلاف حالة اضطراب نفسي في غزة، بمعدل شخص من عشرة بحاجة لعلاج نفسي. وكل شخص من الرقم المذكور معرض للانتحار في لحظة ما.

اذن، نحن امام ظاهرة قائمة يقف الاحتلال الاسرائيلي والانقلاب الحمساوي خلفها. لانهما تكاملا فيما بينهما لاغلاق طريق الامل في مستقبل مقبول نسبيا. الامر الذي يتطلب من حركة حماس ان كانت معنية بحياة المواطنين الفلسطينيين، وغير متورطة مع إسرائيل في المخطط الهادف لتهجير الشباب، او عدم زجهم في دوامة الإحباط والافقار والتجويع العودة لجادة المصالحة الوطنية، وطي صفحة الانقلاب الأسود على الشرعية، وفتح الأفق امام الشباب في استعادة بعض الامل بحياة كريمة نسبيا، ومغادرة موقع التفكير بالانتحار للأسباب الاجتماعية الاقتصادية المأساوية.

وبالمقابل على جهات الاختصاص في وزارة التنمية الاجتماعية تحمل مسؤولياتها تجاه عائلة الراحل حسني أبو عربية، وكل الحالات المشابهة وقبل حدوث عمليات الحرق او غيرها من أساليب الانتحار لحماية أبناء الشعب قدر المستطاع وضمن الإمكانيات المتاحة.

[email protected]

 

mat
Developed by: MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024