الرئيسة/  مقالات وتحليلات

المحامي الأسير بشير خيري أنا في ثكنة عسكرية وليس في محكمة

نشر بتاريخ: 2022-06-13 الساعة: 12:44

 

بقلم: عيسى قراقع

 

اعتقل المحامي والأسير المحرر بشير خيري أبو أحمد يوم 29/10/2021 من منزله في مدينة رام ‏الله، وزج به في الاعتقال الإداري لمدة ستة شهور رغم بلوغه سن الثمانين، وجاء اعتقاله في إطار ‏الحملة المغرضة التي شنتها سلطات الاحتلال الإسرائيلي على المؤسسات الحقوقية والجمعيات ‏الإنسانية بعد اتخاذها قرارا يتهم تلك المؤسسات بدعم ما يسمى الإرهاب.‏

في المحكمة العسكرية الصهيونية وجد بشير خيري نفسه في ثكنة عسكرية وليس في محكمة، قضاة ‏يرتدون الزي العسكري، ملفات سرية، حراسة مشددة، صوت المخابرات الإسرائيلية هو الذي يقرر ‏مصير الأسير، لا عدالة ولا نزاهة، محكمة صورية تشبه المسرحية، فأعلن مقاطعته لهذ المحكمة ‏الظالمة، رفض الوقوف لهؤلاء القضاة وطلب إخراجه من هذه القاعدة العسكرية التي تسمى محكمة ‏قائلا: حتى أنسجم مع نفسي، وكمحامٍ ورجل قانون، أرى أن هذا الإجراء بتحويلي للاعتقال الإداري ‏يتنافى وأبسط حقوق الإنسان في الدفاع عن نفسه والاطلاع على ما يُنسب اليه من تهم، وذلك ‏مخالفة للقوانين الدولية، وامام هذا النوع من محاكم القهر أرى نفسي وصونا لكرامتي الوطنية ‏وقناعاتي رافضا ومقاطعا المثول امام محكمة الاعتقال الإداري كما وارفض أي حكم صادر عنها.‏

موقف الأسير المحامي بشير خيري أطلق انتفاضة اكثر من 500 أسير فلسطيني اداري اعلنوا ‏مقاطعة محاكم الاعتقال الإداري وعدم المثول امامها بكل مستوياتها منذ بداية عام 2022 والمستمر ‏حتى اليوم، وهي خطوة متميزة ذات أبعاد وطنية ووحدوية وسياسية ولها نتائج استراتيجية اذا ما ‏لقيت المساندة والدعم من اجل نزع الشرعية عن القضاء الإسرائيلي الذي ينتهك شرعية حقوق ‏الإنسان وتحول إلى أداة لتكريس وتعميق الاحتلال والمعاناة في حياة الشعب الفلسطيني.‏


المحامي المسن أطلق الشرارة، اتخذ قرارا نيابة عن العدالة الكونية والضمير العالمي، وهو المخضرم ‏الذي قضى أكثر من عشرين عاما في سجون الاحتلال، عارك السجانين وأجهزتهم وأدواتهم سنين ‏طويلة، ظل ملاحقا بعد الافراج عنه عندما أبعد الى مرج الزهور في الانتفاضة الأولى، واعتقل ‏إداريا عدة مرات، هو اللاجئ الفلسطيني ابن مدينة الرملة، الجريح والمصاب بيده بسبب مخلفات ‏قنابل الاستعمار البريطاني، بترت كفه واصابعه، وظل الاستعمار البريطاني يطارده بقوانين الطوارئ ‏التي شرعها وورثها المحتل الصهيوني.‏

المحامي بشير خيري وفي كل مرة يمثل فيها أمام محاكم الاحتلال يرفض الاعتراف بها وبشرعيتها، ‏هو الشاهد التاريخي على مأساة الالاف من الاسرى والاسيرات الذين زج بهم في سجون ومعسكرات ‏الاحتلال، هو الشاهد على الفاشية الجديدة التي تتنامى في دولة المحتلين وتشريعاتها العدائية، ‏المحامي بشير خيري كشف الأقنعة عن دولة مخادعة تضع القانون غطاء لكل ممارساتها واعمالها ‏الوحشية والقمعية.‏

حاول المحامي بشير خيري ان يلقي على قضاة المحكمة العسكرية مرافعة قانونية حول مخالفتهم ‏وانتهاكهم للقانون الدولي وعدم التزامهم بقواعد وضمانات المحاكمة العادلة، وان ما يجري في أروقة ‏هذه المحكمة جريمة إنسانية، تمييز في الاحاكم والإجراءات، اعتقالات عشوائية بلا تهم، اعتقالات ‏لأجل الاعتقالات، لا يوجد حقوق للأسير الإداري ولمحاميه في الدفاع، لا حقوق في الحصول على ‏محاكمة عادلة وعلنية، زج الأسير في المجهول مما يشكل نوعا قاسيا من التعذيب النفسي ‏والاجتماعي.‏

القضاة لا يريدون سماع المحامي بشير خيري، لا يريدون ان يقرأوا نصوص ومعايير القوانين ‏الدولية، لا يريدون ان يقتنعوا ان الاعتقال الإداري هو حالة استثنائية وطارئة وأنه على يدهم تحول ‏الى قاعدة جارفة وأمر روتيني طالت الكبير والصغير، الرجل والمرأة من أبناء الشعب الفلسطيني، ‏اعتقال جماعي وتعسفي وآلة انتقامية لم ترحم أحدا.‏
المحامي بشير خيري حاكم القضاة في جلسته الأخيرة، حاكم دولة المحتلين الذين لا يفكرون الا في ‏السيطرة والتحكم بحياة الشعب الفلسطيني، وعندما قال لهم أنتم لستم أكثر من ختم مطاطي وأداة في ‏نظام الابرتهايد، واحدى الآليات المركزية في منظومة القمع والجريمة المنظمة، لم يستوعب القضاة ‏ما يقوله المحامي بشير خيري، تحسسوا مسدساتهم، أصدروا أحكامهم الرادعة، أغلقوا الملفات، ‏وخرجوا مسرعين.‏
شعر القضاة العسكريون أن المحامي بشير خيري يكشفهم ويضعهم أمام الرواية الحقيقية، القوانين ‏التي تعملون بموجبها هي قوانين عنصرية قال بشير خيري للقضاة، قوانينكم مستمدة من قوانين ‏نيرنبيرج النازية حسب اعتراف "استر حيوت" رئيسة المحكمة العليا الإسرائيلية، هل انتم النازيون ‏الجدد الذين ينتهكون كرامة الانسان، ويخدمون في جهاز الإبادة الإنسانية؟
لا أحد بريء في هذه المحاكم، قال المحامي بشير، نسبة البراءة تساوي صفر، وتحت شعار ما ‏يسمى (خطر على دولة إسرائيل) يجب اعتقال كل الشعب الفلسطيني، الحالم والمفكر والسياسي ‏والنشيط الاجتماعي، هذه المحاكم ليست مجرد محاكم انها الجبهة الخلفية التي تشرع الاستيطان ‏والهدم والسلب والاعدامات والاقتحامات، وتحمي المجرمين والمستوطنين الصهاينة، وتشكل حصانة ‏قانونية لسياسة الإفلات من العقاب.‏
المحامي بشير خيري ذكر قضاة المحكمة بعملية اعتقال 53 عضوا في مجموعات يهودية متطرفة ‏اعتقالا إداريا وفق أنظمة الطوارئ البريطاني عام 1951، اعترض المجرم "مناحم بيغن" حينها على ‏هذه الاعتقالات قائلا: هذه قوانين استبدادية وغير أخلاقية وقوانين نازية، فهل الاعتقال الإداري ‏صار محرقة العصر الحديث؟ والسجون مكان لطحن البشر وتذويبهم في النسيان؟
الأسير بشير خيري متهم بإنسانيته العالمية، يقود انقلابا على جهاز القضاء الإسرائيلي، يقاطعه ‏ويجرده من شرعيته وسطوته، يفضحه ويتهم هذا الجهاز بأنه يهدر اعمار آلاف المعتقلين بلا ‏سبب، وأنه يسرق الأرواح والأموال من الشعب الفلسطيني، والاحكام الصادرة عن جهاز القضاء ‏الإسرائيلي اخطر من الرصاص، هذه المحاكم ليست مستقلة، تطمس الحقائق، انها تتحالف مع ‏المخابرات والشرطة والجيش والحكومة والاستخبارات والبرلمان الإسرائيلي، تتحالف مع الحاخاميين ‏العنصريين وفتاوى الكراهية والتطرف والأيديولوجية الصهيونية التي تتعامل مع الشعب الفلسطيني ‏دون خط البشر.‏
المحامي بشير خيري عندما أعلن مقاطعته لمحاكم الاعتقال الإداري وجه ضربة للسياسية ‏التشريعية الاستعمارية التي تتعامل مع الاسرى كمجرمين وارهابيين وبلا حماية قانونية، وقف في ‏المحكمة كمقاتل حرية، ابن حركة تحرر وطني تناضل من اجل الحرية والاستقلال والخلاص من ‏الاحتلال، لم يسمح المحامي بشير ان يجردوه من مكانته كأسير حرية، لقد كرس حياته من اجل ‏حرية شعبه، وهؤلاء القضاة ومن يقف خلفهم هم الارهابيون الذين يحتلون شعبا آخر وينتجون ‏الإرهاب الرسمي والطغيان في المنطقة.‏

قرار مقاطعة محاكم الاعتقال الإداري المستمر من قبل الأسرى الإداريين هو اعظم قرار تتخذه ‏الحركة الاسيرة في مواجهة الاحتلال وسياساته الوحشية، يجب ان يوقف هذا النزيف وان لا نبقى ‏ممثلين في محاكم هزلية وشكلية، خطوة تعيد الاعتبار لمكانة الحركة الاسيرة والعمل الجماعي ‏والوحدوي وتضع حدا للخطوات الفردية، خطوة تسقط المساحيق التجميلية عن جهاز القضاء ‏الإسرائيلي، اسقاط قناع الشرعية الذي يستخدمه الاحتلال من اجل إعطاء طابع قانوني لممارساته ‏الاستعمارية.‏

شكرا للمحامي بشير خيري الذي قلب المعادلة، شكرا لكل الاسرى الإداريين الذين يدافعون عن ‏حقوقهم وارواحهم بهذه الخطوة الجماعية المنظمة، العصيان والتمرد على مؤسسات الاحتلال هي ‏خطوة الى الامام للخروج من الدراما المأساوية، خطوة تحتاج الى حاضنة جماهرية وحقوقية ‏ومؤسساتية، خطوة يجب أن تتبناها منظمة التحرير الفلسطينية وكل الفصائل والتنظيمات، وان ‏تتحول الى رؤية وبرنامج سياسي وخطة ميدانية دبلوماسية قانونية شعبية، حان الوقت للتحرر من ‏قبضة القضاء الإسرائيلي ومحاكمه الجائرة.‏

المحامي بشير خيري ترك رسالة إنسانية وقانونية موجهة الى كل فلسطيني حر وشريف، رسالة ‏تقول: علينا ان لا نستمر في الذهاب الى محاكم ترسلنا الى المؤبدات او تصادق على اغتيالنا ‏وهدم بيوتنا ومصادرة أراضينا، لا يوجد شعب حر يضع القيود على رقبته طواعية وينتظر رحمة ‏من القاضي الذي يرتدي زي جلاد.‏ 

mat
Developed by: MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024