الرئيسة/  مقالات وتحليلات

معاداة الصهيونية ليست معاداة للسامية ‏

نشر بتاريخ: 2022-02-22 الساعة: 13:12

 

‏بقلم: المحامي علي أبو هلال

أصبحت “معادة السامية” تهمة جاهزة يطلقها قادة الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين، على كل من يوجه النقد ‏لسياسة الاحتلال العدوانية ضد الشعب الفلسطيني، ولكافة الانتهاكات التي يمارسها ضد الشعب الفلسطيني. ‏ولم توجه هذه التهمة الى العرب والفلسطينيين والمسلمين فقط، بل شملت كذلك كافة المناصرين للشعب ‏الفلسطيني ولحقوقه الوطنية المشروعة، من المتضامنين الأجانب، وكذلك للمنظمات الدولية الحقوقية ‏وهيئات الأمم المتحدة، من بينها مجلس حقوق الانسان، واليونسكو، ومنظمة العفو الدولية “أمنستي” وغيرها ‏من المنظمات الدولية. وشملت أيضا المفكرين والكتاب والفنانين والحقوقيين المناصرين للشعب الفلسطيني ‏وحقوقه الوطنية المشروعة.‏


وتهمة “معادة السامية أو كراهية اليهود ” التي تطلقها حكومة الاحتلال الإسرائيلي السلطة القائمة بقوة ‏الاحتلال، توجه لكل من ينتقد الصهيونية كعقيدة سياسية تقوم على “الإحلال والتفريغ”، بهدف إقامة دولة ‏يهودية في فلسطين، ولكل من ينتقد ممارسات دولة الاحتلال، وارتكابها جرائم ضد الإنسانية، وجرائم حرب ‏وجريمة الأبرتهايد، كما توجه هذه التهمة لكل من لا يقبل بتعريف اليهودية على أنها جنسية وليس فقط ‏عقيدة دينية. ‏


ومن الطبيعي والضروري تصدي المجتمع الدولي، والقضاء الدولي إلى تفنيد هذه التهمة التي تعبر عن ‏العقيدة والأفكار العنصرية والعدوانية لحكومة الاحتلال، التي ترى في كل انتقاد محق يوجه لها، يعبر عن ‏كراهية اليهود، ومعادة للسامية، وفي هذا الإطار أصدرت المحكمة الدستورية بجنوب أفريقيا، يوم الأربعاء ‏الماضي 16/2/2022، حكما قضائيا يؤكد أن مصطلحي اليهودية والصهيونية ليسا مترادفين، وأن معاداة ‏الصهيونية ليست معاداة للسامية، وأن هناك فروقًا دقيقة بين المصطلحين‎.‎

جاء هذا الحكم في قضية رفعتها لجنة حقوق الإنسان في جنوب أفريقيا (غير حكومية) نيابة عن مجلس ‏الوكلاء اليهودي في جنوب أفريقيا، ضد التعليقات التي أدلى بها عام 2009 سكرتير العلاقات الدولية ‏السابق في الاتحاد العام لنقابات العمال بونجاني ماسوكا، وعدته غير مذنب‎.‎

ووجدت المحكمة أنه من بين أربعة تعليقات كانت موضع الخلاف -استوفت واحدة منها فقط معايير خطاب ‏الكراهية- وتم الإدلاء بها تحت استفزاز شديد من الصهاينة، خلال اجتماع عام لحملة التضامن مع فلسطين ‏في جامعة فيتس في جوهانسبرغ، في ذلك الاجتماع‎.‎‏ وكان ماسوكا وفقًا للمحكمة “خاضعًا لمضايقات شديدة ‏من الأشخاص الذين عارضوا خطابه”. وفي الواقع تعرض للانجرار من قبل مجموعة من الطلاب اليهود ‏الذين حاولوا بمداخلاتهم المستمرة إجباره على الإدلاء بتصريحات معادية والحد من حقه في حرية التعبير‎”.‎

ونص الحكم القضائي على أن مصطلحي اليهودية والصهيونية ليسا مترادفين، وأن معاداة الصهيونية ليست ‏معاداة للسامية، وأن هناك فروقًا دقيقة بين المصطلحين‎.‎‏ وبهذا الحكم الصادر عن أعلى سلطة قضائية في ‏دولة جنوب أفريقيا، يكون قد تم إغلاق الجدل حول الخلط بين اليهود وأولئك الذين يدعمون إسرائيل، وبين ‏اليهودية والصهيونية، وبين اليهود والصهاينة.‏


إن القرار الصادر عن المحكمة الدستورية في جنوب أفريقيا يكتسب أهمية كبرى، كونه صادر عن أعلى ‏محكمة في بلد عانى لفترات طويلة، من سياسة التفرقة العنصرية والأبارتهايد، وهي سابقة قضائية يمكن أن ‏تحتذى لدى المحاكم الدولية والوطنية الأخرى، التي قد تنظر في دعاوى مشابهة في المستقبل.‏

ويأتي هذا القرار ردا على ادعاءات حكومة الاحتلال، التي تعتبر أن أي انتقاد لسياستها العدوانية ‏والعنصرية ضد الشعب الفلسطيني، والتي تأخذ أشكال عديدة من الجرائم والانتهاكات، هي معاداة للسامية ‏وتعبر عن كراهية اليهود، بهدف إرهاب من ينتقدون هذه السياسية، ويتصدون لها من أجل وقفها، خاصة ‏المنظمات الدولية الحقوقية، وكان آخرها منظمة العفو الدولية ” أمنستي” التي أكدت في تقريرها الأخير بأن ‏دولة إسرائيل هي دولة ابارتهايد تمارس سياسية التطهير العرقي والتمييز العنصري ضد الشعب الفلسطيني، ‏وقد أتهمت حكومة الاحتلال منظمة العفو الدولية ” أمنستي” بأنها منظمة معادية للسامية، كما وجهت نفس ‏التهمة لمنظمات دولية أخرى، ولعدد كبير من المفكرين والكتاب والحقوقيين والفنانين المناصرين لحقوق ‏الشعب الفلسطيني على نطاق العالم.‏

إن قرار المحكمة الدستورية في دولة جنوب أفريقيا، يأتي ليعبر أيضا عن دعمها وحمايتها لكل الذين ‏ينتقدون سياسية حكومة الاحتلال الإسرائيلي العدوانية والاستيطانية، وسياسة التطهير العرقي والترحيل ‏القسري التي تمارسها، ضد الشعب الفلسطيني، في القدس وفي سائر الأراضي الفلسطينية المحتلة، ومن هنا ‏ينبغي محاصرة سياسة الاحتلال العدوانية ضد الشعب الفلسطيني، وحقوقه الوطنية المشروعة التي تجد ‏الدعم والتأييد على الصعيد الدولي، ولدى حركات التضامن الدولية، ولدى كل المناصرين لنضال الشعب ‏الفلسطيني، من أجل إنهاء الاحتلال، وضمان حق الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال.‏

mat
Developed by: MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024