من هو اللاسامي؟
نشر بتاريخ: 2021-12-05 الساعة: 11:00
د. رمزي عودة
عقب الحرب العالمية الثانية، انتشرت في معظم الدول الغربية قوانين تجرم معاداة السامية، باعتبار أن اليهودية تعادل السامية. وبعيداً عن تفنيد المعنى الأسطوري الاختلاقي لفكرة السامية كونها تعني اليهود أنفسهم، وهو ليس موضوعنا في هذا المقام، نجد أن استحقار اليهود أو استهدافهم أو إنكار الهولوكوست هي أفعال يتم تجريمها في معظم الدول الغربية. وبالطبع، فإن الجرائم النازية بحق اليهود في أوروبا وضغط الجماعات الصهيونية كانت السبب وراء تشريع مثل هذه القوانين. إلا أن اللافت للنظر هو أن الجماعات الضاغطة الصهيونية في الوقت الحالي بدأت توسع مفهوم اللاسامية بشكل يثير القلق ويبتعد عن المقاصد الأخلاقية التي وضعتها الدول والمنظمات الدولية لمواجهة ظواهر معاداة السامية.
في الإطار السابق، يعرف التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست (IHRA) وهو منظمة دولية حكومية، اللاسامية بأنها "نظرة معينة لليهود، التي يمكن التعبير عنها على أنها كراهية لليهود. المظاهر الخطابية والجسدية لمعاداة السامية موجهة نحو اليهود أو غير اليهود الأفراد و/ أو ممتلكاتهم، تجاه مؤسسات المجتمع اليهودي والمرافق الدينية". والجديد في هذا التعريف هو تضمينه أمثلة عملية على معاداة السامية، بحيث تشمل هذه الأمثلة معاداة إسرائيل واعتبارها دولة عنصرية، وبدا أن اللاسامية في هذا التعريف تعني اللاصهيونية! وفي إطار هذا التعريف يصبح الفلسطينيون وكل أحرار العالم المقاومين للاحتلال الإسرائيلي هم ببساطة لا ساميين، وتنطبق عليهم عقوبات التجريم الدولية.
في البداية، علينا أن نشير إلى أن تعريف هذا الاتحاد الدولي ليس قانونيا، وإنما هو تعريف عملي، ولا توجد سوابق قضائية في أوروبا حتى الآن استخدمته في التجريم. من زاوية ثانية، فإن هذا التعريف ليس دولياً، وإنما هو مقتصر على بعض الدول الأعضاء في التحالف التي لا تتعدى الثلاثين دولة، وبالضرورة، فإن المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة ومؤسساتها لم تتبن هذا التعريف. ومن زاوية ثالثة، فإن هذا التعريف يتناقض مع القيم والقرارات الأممية التي تقر أن اسرائيل هي دولة احتلال، وأن ما ترتكبه في الأراضي الفلسطينية المحتلة يعتبر من قبيل جرائم الحرب لاسيما فيما يتعلق بالاضطهاد والأبارتهايد.
السؤال المهم في هذا الإطار هو: ما المطلوب للعمل حتى لا يتم تعميم هذا التعريف على تشريعات الدول الغربية، ومن ثمَّ ملاحقة الفلسطينيين والمناصرين للقضية الفلسطينية بحجة معاداة السامية؟ في الواقع، لا أستطيع تقديم إجابة مكتملة في هذه المقال، ولكنني أدعو بشكل عاجل إلى تشكيل لجنة فلسطينية- عربية- دولية شبه حكومية (عضويتها مختلطة من الدول والمنظمات ذات العلاقة) تقوم هذه اللجنة بإعداد خطة عمل لمواجهة تعريف اللاسامية الجديد من خلال استخدام الأدوات القانونية والسياسية والشعبية. إن إعداد مثل هذه الخطة والمضي قدماً في تطبيقها من شأنه حتماً أن يوفر حاضنة لحماية المشروع الوطني الفلسطيني والدولي المناهض للاحتلال، الذي يستهدف تحقيق العدالة للشعب الفلسطيني وتقويض إسرائيل باعتبارها دولة احتلال وأبارتهايد.
mat