برنامج هنية بين التّيه والتّناقض
نشر بتاريخ: 2021-11-07 الساعة: 11:47
عمر حلمي الغول
مجددا أطلّ علينا إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس يوم الأربعاء الماضي، في الندوة السياسية عبر تطبيق زووم، التي عقدها مركز الزيتونة الاخواني، وقدم رؤية حركته السياسية المستقبلية للنهوض بالمشروع الفلسطيني. وأجزم أن من قرأ مداخلة هنية لاحظ بأم العين المجردة تيها وضبابية وتناقضا في آن في تلك الرؤية، باستثناء بعض الجمل السياسية الفضفاضة الإنشائية.
ومع ذلك حتى الجمل السياسية الإنشائية عكست تناقضا، على سبيل المثال، يقول "ما زال الشعب الفلسطيني في مرحلة التحرر الوطني، ويسعى لإنجاز أهدافه في الحرية والعودة والاستقلال". مع أن الاستقلال مقرون بالحرية، مع ذلك لا بأس من تجاوز هذه الملاحظة. ولكن يبرز هنا سؤال، هذا الشعب الذي يعيش فعلا مرحلة التحرر الوطني، وهو أصاب هنا في جانب، وناقضه لعدم ربطها بعملية البناء، المهم كيف يمكن له تحقيق أهدافه في الحرية والاستقلال وتقرير المصير والعودة؟ وعلى أي أساس؟ وهل يمكن للشعب الفلسطيني تحقيق أهدافه دون شرط الوحدة الوطنية، وبوجود انقلاب على الشرعية الوطنية تقوده حركته، وتصر على الإبقاء على الإمارة الانقلابية في قطاع غزة؟
وقبل أن انتقل لنقطة التناقض مع العدو الصهيوني، يقول لا يستطيع فصيل وحده تحمل أعباء تحقيق أو إنجاز المشروع السياسي. وأيضا هذا صحيح من حيث التجريد والتنظير السياسي. ولكن كيف نحشد الطاقات والأطياف السياسية في بوتقة واحدة، إذا كانت حركة حماس ترفض من حيث المبدأ كل الاتفاقات الموقعة بينها وبين حركة فتح وفصائل منظمة التحرير برعاية الأشقاء المصريين؟ وهل يمكن تحشيد القوى في إطار غير إطار منظمة التحرير، الممثل الشرعي والوحيد؟ وهل يمكن للوحدة الوطنية أن تقوم على أرضية الانقسام والانقلاب أو على أرضية ما تسمونه الحسم العسكري؟ وما العمل لإيجاد أرضية لبناء شراكة سياسية؟ وما هي الرؤية البرنامجية، التي يمكن أن تقوم عليها الشراكة السياسية؟ على أرضية استمرار الانفراد والسيطرة على محافظات الجنوب، أم عبر إعادة اللحمة والوحدة لصفوف الشعب الفلسطيني وعلى أرضية ما تم الاتفاق عليه. لا سيما وأن هناك مفاصل أساسية في كل الاتفاقات من عام 2009 حتى عام 2017 مرورا بإعلان الدوحة 2012 وإعلان الشاطي 2014 بما فيها الرؤية البرنامجية التي تنادي بها، وموضوع الحكومة والأمن والمعابر والانتخابات والشراكة السياسية؟
وعن الانتخابات التشريعية يؤكد رئيس حركة حماس، أن مشاركة القدس ضرورية، ولا يمكن إجراء الانتخابات دونها. ولكنه بدأ بالقول قبل ما تقدم، أن إلغاء الانتخابات بالقدس شكل مأزقا حقيقيا وأعادنا للمربع الأول. عن أي مربع تتحدث؟ هل كنت موجودا في البداية حتى تتحدث عن المربع الأول؟ وإذا كنت تؤكد على ضرورة إجراء الانتخابات في العاصمة الفلسطينية، وإسرائيل الدولة المارقة والقائمة بالاحتلال رفضت ذلك، كيف ستجري الانتخابات فيها؟ وما هي الوسائل التي طرحتموها للخروج من المأزق؟ ولماذا تغطي بلطجة الاستعمار الصهيوني وتقبل بمشيئته، وتحمل الصناديق وتركض فيها من شارع لشارع، مع أن اتفاق وبرتوكول 1995 سمح للشعب بإجراء الانتخابات دون هذه الطرق الالتفافية والفاقدة الأهلية والنجاعة؟
ثم يتحدث عن المعادلات السياسية المعقدة في الصراع والإقليم، ويخرج بنتيجة بضرورة "وضع رؤية شاملة وناضجة محددة تحمل الكثير من الطهارة السياسية". ماذا تعني بالطهارة السياسية؟ وعن أي طهارة تتحدث؟ وما هي معاييرها؟ وهل في السياسة طهارة وأنت تقارع العدو الصهيوني؟ وهل تريد أن تلبس كفوفا بيضاء وأنت تكتب الرؤية السياسية، أم أنك تريد أن تقرأ المعوذات على الرؤية الشاملة لتكون طاهرة ونظيفة؟
المؤكد أن الشعب الفلسطيني يريد رؤية برنامجية شاملة، ولكن ما قيمة هذه الرؤية دون بناء جسور الوحدة الوطنية، ودون أن تتوطن حركتكم في المشروع الوطني، ودون أن تتخلى عن أجنداتها الاخوانية والإقليمية؟ وما هو الأساس الناظم لرؤيتكم الشاملة؟ لماذا لم تطرح تلك الرؤية في الندوة ذاتها؟
بعد ذلك يعرج على موازين القوى ثانية، ويقول، إن على جميع القوى الاسهام في بناء ميزان القوى لمواجهة الاحتلال؟ جيد، ولكن كيف وعلى أي أساس تريد للقوى المختلفة تغيير واقع ميزان القوى؟ هل باستمرار الانقلاب والانقسام؟ هل بالتحريض والتخوين والتكفير وتكميم الأفواه وبالاعتقال السياسي لكل معارض أو مخالف لكم في الرأي؟ وكيف يتم إعادة بناء موازين القوى، وأنتم تقفون في الضفة الفلسطينية على الحياد، ولم تشاركوا في المقاومة الشعبية في أية قرية أو مدينة إلا بالشعارات والتصريحات التي لا تسمن ولا تغني من جوع؟
وفي السياق يطرح هنية سؤالا "المهم كيف نبني معادلات إيجابية في بعدنا القومي والإقليمي والدولي، وألا يكون على حساب ثوابتنا الوطنية؟" السؤال يا رئيس المكتب السياسي مطروح عليكم أنتم في حركة حماس؟ هاتوا إبداعكم، ورؤيتكم وتفضلوا ساهموا في الإجابة على ذلك؟ كيف يمكن تغيير الصورة النمطية البائسة والمعيبة في تاريخ الكفاح الوطني التحرري وهناك انقسام، وانقلاب وفوضى وتجويع للشعب، والمتاجرة بدمه وشهدائه وجرحاه ومعاقيه؟
وقبل أن ينهي يتوقف أمام المأزق، فيقول "دخلنا النفق منذ اتفاقية أوسلو حتى الحصاد المر، الذي وصلنا إليه". ويتابع "بأن خللا كبيرا وقع على مفهوم المشروع السياسي الفلسطيني، وبعد أوسلو اضطربت الأهداف والوسائل والدولة والحدود ووظيفة السلطة". إذا كان النفق بدأ منذ التوقيع على أوسلو، لماذا بعد أن خونت أوسلو دخلت في مؤسساته؟ ولماذا تسبح في مياهه؟ أليس هذا أكبر وأعظم أشكال التناقض وعدم المصداقية، وتضليلا وحرفا لبوصلة النقاش العلمي (وأنت وأمثالك لا يحبون بالتأكيد كلمة علمي)؟ ومن الذي أوصل الشعب الفلسطيني إلى الحصاد المر؟ ألستم أنتم وانقلابكم على الشرعية؟ ثم أين هي مقاومتكم؟ وهل تعتقد وأقرانك في الحركة أن الحروب أو المواجهات الأربع من 2008/ 2009 حتى 2021 التي أدخلتم الشعب الفلسطيني فيها انطلت عليه، خاصة في قطاع غزة، الذين دفعوا وما زالوا يدفعون ثمن حروبكم الدونكيشوتية، رغم سقوط شهداء وأبطال من كل القوى والفصائل بما في ذلك من حركتكم، وأولئك الشهداء لا علاقة لهم ببرنامج الاخوان المسلمين يا هنية؟
وأما النقطة الثانية التي أجلتها، التي أكد فيها إسماعيل هنية، أن التناقض الرئيسي بين الشعب الفلسطيني والعدو الصهيوني. وهذا صحيح جدا. ولكن إذا كان التناقض المركزي مع العدو الصهيوني، لماذا حتى الآن لم تتم الوحدة الوطنية؟ لماذا تتعثر عمليات الحوار؟ وما هي خلفيات ذلك غير تمسككم بالانقلاب وخياره كبديل لوحدة الأرض والشعب والمشروع الوطني؟
كلمة أخيرة من يريد برنامج إجماع وطني، ومواجهة العدو الصهيوني، ويريد الشراكة السياسية وتغيير موازين القوى ويريد المزج بين المقاومة والنضال السياسي والدبلوماسي، عليه أولا وثانيا وعاشرا وألفا أن يعود لجادة الوحدة الوطنية، وأن يطوي صفحة الانقلاب ويعزز المقاومة الشعبية، ويعمق الديمقراطية، ويكف عن كاتم الصوت وتكميم الأفواه، ويرسخ التواصل مع القوى الوطنية خاصة حركة فتح، وليس التآمر عليها والإساءة لقياداتها، خاصة الرئيس محمود عباس. عودوا لرشدكم ولحاضنتكم الشعبية من خلال توطين أنفسكم في المشروع الوطني، وكفوا عن الديماغوجيا والتضليل والتكفير والتخوين. وهذا أول الغيث إن كنتم صادقين في طرحكم رغم كل التناقض الذي يحمله.
[email protected]