من القدس إلى روما
نشر بتاريخ: 2021-11-07 الساعة: 11:45
د. رمزي عودة
ليس مفاجئا في هذه الأثناء حملة التحريض التي تقوم بها دولة الاحتلال ومنظمات الاستيطان ضد الرئيس محمود عباس، حيث تتهم هذه الحملة السيد الرئيس بأنه يعرض "القدس اليهودية الموحدة" إلى التقسيم بسبب ضغطه على الإدارة الأميركية لإعادة فتح القنصلية الأميركية في القدس الشرقية. وتتعزز مشاعر الكراهية والتحريض ضد السيد الرئيس على إثر ارتفاع نشاط دبلوماسية القيادة الفلسطينية على المستوى الدولي بشكل لافت هذه الأيام، حيث يزور الرئيس أبو مازن إيطاليا والفاتيكان في زيارة تاريخية لها دلالاتها الدينية والسياسية، كما يشارك الدكتور محمد اشتية رئيس الوزراء في قمة المناخ في بريطانيا، ويتوقع خلال الفترة القريبة عقد قمة روسية فلسطينية في موسكو. وعلى المستوى الدولي نجحت الدبلوماسية الفلسطينية الجمعة الماضي في استصدار قرار للجمعية العامة في الأمم المتحدة بشبه إجماع، يؤكد على حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، حيث صوتت 158 دولة لصالح القرار، و6 ضده، وامتنعت 10 دول عن التصويت.
وتهدف دبلوماسية القيادة الفلسطينية في هذا الحراك النشط إلى إعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية، بحيث تتصدر الأجندات الإقليمية والدولية للدفع بتسوية عادلة للقضية الفلسطينية وفقاً لقرارات الشرعية الدولية. من جانب آخر، تسعى هذه الدبلوماسية إلى خلق رأي عام دولي يستطيع الضغط على دولة الاحتلال لوقف الاستيطان، وتهويد القدس، والتصدي لسياسات القضم الجزئي للأراضي الفلسطينية المحتلة.
وفي موضوع زيارة السيد الرئيس أبو مازن لإيطاليا والفاتيكان، تضغط الدبلوماسية الفلسطينية لوقف انتهاكات الاحتلال المستمرة في الأراضي المحتلة، كما أنها تسعى لحمل الدول الأوروبية على الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وتبني مبادرة الرئيس في حل الصراع من خلال عقد مؤتمر دولي للسلام برعاية دولية. وفي السياق، فإن هذه الزيارة تركز على ما يمكن تسميته الدبلوماسية الدينية نظراً لأهمية الفاتيكان كمركز روحي للمسيحية الغربية من جانب، ونظراً لأهمية القدس كمركز روحي للمسلمين والمسيحيين في شتى بقاع العالم من جانب آخر. وبالضرورة، تسعى الزيارة التي يمكن تسميتها "من القدس إلى روما" لإرسال رسالة إلى قلب المسيحية الغربية تؤكد على مسؤوليتها الدينية والأخلاقية بوقف انتهاكات الاحتلال في القدس، وذلك حتى يتسنى الحفاظ على الطابع المقدس للقدس وحماية المؤمنين وأماكن عباداتهم التي تتعرض لانتهاكات يومية بفعل قطعان المستوطنين. إنها رسالة السلام التي يؤمن بها كل المؤمنين، وهي بالطبع رسالة تتناقض كليا مع فكرة الصهيونية العنصرية والعدوانية والتي برزت قبل نحو 150 عاما في كتاب موشي هس المسمى " من روما إلى القدس" والتي طالب فيها بالتحالف بين المسيحية الغربية واليهودية بهدف تقويض ما أسماه بطريقة عنصرية "البربرية المنتشرة في الشرق الأوسط".