محمد نفاع: أحب الأرض وكتب حكايتها وقاوم من أجلها
نشر بتاريخ: 2021-07-18 الساعة: 12:57
عادل الأسطة
في الخامس عشر من تموز رحل ابن قرية بيت جن محمد نفاع، أحد أهم الأصوات القصصية الذين نشأنا على قصصهم وتربينا على مضامينها في ٧٠ القرن ٢٠. وما من كاتب من كتاب القصة الفلسطينية الذين بدؤوا يكتبونها في حينه لم يقرأ له ولإميل حبيبي وحنا ابراهيم ومحمد علي طه وسلمان ناطور وتوفيق فياض. ولا أبالغ إذا قلت إن أكثر كتاب السبعينيات قرؤوا للأسماء المذكورة أكثر مما قرؤوا للجيل المؤسس؛ بيدس وصدقي والإيراني والعزوني، ولا أبالغ أيضا إذا زعمت أنهم لم يعرفوا إلى اليوم، إلا أقلهم، قصص الأخيرين.
لقد ترك نفاع وجيله على كتاب السبعينيات أثراً أكبر من الأثر الذي تركه بيدس وجيله، ويعود السبب إلى توفر قصصهم وعدم توفر قصص الجيل الأول.
حتى نقاد القصة القصيرة الفلسطينية الذين برزت أسماؤهم في السبعينيات، مثل فخري صالح ونبيه القاسم ومحمود عباسي، كتبوا عن نفاع وجيله أكثر مما كتبوا عن بيدس وجيله، بخلاف النقاد من جيل الخمسينيات مثل هاشم ياغي الذي كتب عن بيدس وجيله وجيل الخمسينيات مثل سميرة عزام وكنفاني وجبرا، ولكن ما كتبه لم يصل للأسف إلى أيدي نقاد السبعينيات إلا قليلا جدا.
كان لمحمد نفاع وجيله إذن حضور لافت، ومن عاش في ٧٠ القرن ٢٠ وتردد على المكتبات ومعارض الكتب يعرف هذا جيداً، ويحفظ أسماء مجموعات نفاع «الأصيلة» و «كوشان» و «ريح الشمال» و «ودية» عن ظهر قلب.
من يكتب حكايته يرث أرض الكلام:
كتب نفاع حكايته ليرث أرض الكلام.
كانت الصهيونية فكرة أخذت طريقها إلى أرض الواقع، وبدأ الكتاب الصهاينة يكتبون حكايتهم ليرثوا أرض فلسطين، وفي العام ١٩٠٢ كتب الأب الروحي للصهيونية (ثيودور هرتسل) روايته «أرض قديمة جديدة: إذا أردتم فإنها ليست خرافة» وتخيل فيها الدولة المنشودة وقد تحققت بعد٢٠ عاما، وهو ما كان تحقق في ١٩٤٨، وفقدنا نحن الأرض وصرنا نكتب حكايتنا إلى اليوم.
صار الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على فلسطين صراع هويات وحكايات وصراع وجود، وهذا ما أدركه الطرف الفلسطيني متأخراً حين كف عن البكاء على الماضي وصار يكتب حكايته ويعمل لأجل استرجاع وطنه.
محمد نفاع على مدار تجربته القصصية عبر عن علاقة الفلسطيني بأرضه وحث على الدفاع عنها ودعا إلى المقاومة. ويحضر هذا في قصصه ويتخذ شكلين:
- دفاع المواطنين عن أراضيهم
- دفاعهم عن حكايتهم وعروبة أماكنهم.
ويتجسد الشكلان أيضا في مجموعته «التفاحة النهرية» (٢٠١١)، ويمكن أن نتوقف أمام قصتي «مختار السموعي» و «الجرمق» منها.
مختار السموعي:
يكتب نفاع قصته هذه عن زمن الخمسينيات حين كان الفلسطينيون الباقون يعيشون تحت الحكم العسكري.
يحتجز مختار السموعي، وهو يهودي يمني الأصل، عنزتين واحدة للسارد والثانية لجاره، فيحتاج الفلسطيني، لكي يصل إلى مكان احتجازهما في قرية السموعي إلى تصريح من الحكم العسكري، وحين يحصل عليه يذهب ويذهب معه ابن جاره الذي يروي القصة.
في أثناء سعيه للحصول على التصريح يجري بينه وبين موظف الحكم العسكري الحوار الآتي:
« - تصريح يا خواجا للسموعي، قال عمي علي للموظف.
- كفار شماي، قال الموظف.
- للسموعي!! إي!!
- اسمها كفار شماي.
- تصريح للسموعي... حجزوا لنا هناك...
- قلنا اسمها كفار شما... ي فش سموعي اليوم.
- يا عمي السمو... عي حد فراضة... ولو
- كيبوتس فرود!!
- فراضي... ولو!!
- كيبوتس كاردوش!!
- فوق كفر عنان يا خواجا
- كفار حنانيا!!! قال موظف الحاكم العسكري.»
وواضح أن كلا من الفلسطيني واليهودي الإسرائيلي يروي حكايته، وأنهما يتصارعان على الأرض وحكايتها وهويتها. الفلسطينيون يعرفون تفاصيلها، وهذا ما نعرفه من عمي علي الذي حين يمر بالمكان يتذكر تفاصيله الدقيقة، والإسرائيليون عملوا في ١٩٤٨ على تسوية القرية بالأرض وأقاموا الكيبوتسات على أنقاضها وعبرنوا أسماءها العربية وهودوا ملامحها.
الجرمق:
في قصة «الجرمق» يأتي الكاتب على مصادرة أراض قرب الجرمق ومقاومة الفلسطينيين للمحتلين واشتباكهم معهم.
كعادته يتغزل القاص بالأرض ويربط بين حبها وحب المرأة، فالسارد الذي يحرس مع أهل القرية الأرض وينامون فيها يتذكر ماضيه وإعجابه بإحدى فتيات القرية رآها قبل سنوات في المكان الذي يحرسه، وحين يتصدون للمستوطنين والجيش يراها تتصدى معهم، فيعجب بها أكثر ويراها وهي تقاوم أجمل.
في قصة «المخبر. ن» يربط نفاع بين الحب والمقاومة ثانية ويرى أنه لا توجد قيمة إنسانية أسمى من المقاومة.
لقد كتب نفاع حكايته ليرث أرض الكلام ومضى.