الرئيسة/  مقالات وتحليلات

العنف والقتل ..عندما تؤخذ المرأة كالصلصال !

نشر بتاريخ: 2021-06-17 الساعة: 12:56

موفق مطر 

جريمة مزدوجة ، فقد قتل امرأته الشابة الحامل بجنين بعمر شهرين ، أما دافع الجريمة الأحدث في سجل الجرائم ضد النساء في بلادنا  فلا يخطر على بال أحد ، وقد يصدم بعضنا إذا علم أن المجرم قد عنف امرأته وهتك مانسبته 70% من جسدها بسبب رأيها  .. نعم رأيها ، فآخر شهيدة وضحية للظلم المجتمعي السائد بلا رحمة دفعت ثمن نصيحة أبدتها بالا يتم تزويج شقيقتها لشقيق زوجها ، قد يكون مهما للباحثين معرفة البيئة الاجتماعية التي حصلت فيها الجريمة ، لكن البيئة هذه ليست سببا وحيدا ، وإن وجب الاقرار أنها واحدة من الأسباب  الكثيرة  

 فالقاتل ازهق روحين في جسد واحد ، امرأته وابنه الجنين ، لسبب واحد وهو انعدام قدرته على تحمل رأيها . 

اذا بحثنا في السجلات  القضائية قد نجد اسماء اشخاص بلغوا ذروة التشدد  والتطرف بعملية قتل قد تكون مع سبق الاصرار والترصد ، وقد تكون ردة فعل  ، وانفجار فجائي لتراكمات ، فالواحد من هؤلاء يعتقد أن ( إمرأته ) - ولا نقول زوجه لأن الزوج تعني الشراكة في كل الحب والعقل والقرار والأحاسيس  وخطوات الحياة  بحلاوتها ومرها -  يعتقد أنها امرأته وملكه المادي الخاص كأي متاع قد يشتريه المرء بماله  ، وكتلة من (صلصال ) يشكلها كما يشاء ، تمضي معه حيث يشاء ، لا {أي لها ولا موقف إلا بما يصرح ويسمح ويشاء ، وتشعر وتحس وتتكلم فقط بما  يشاء ، وتلبس ما يختاره هو ويليق بمقاييسه ومعاييره للزي ولحشمة جسدها ، وتأكل وتشرب مما يشتهيه . 

صحيح أننا نسعى ونناضل لتحرير مجتمعنا من سرطان جرائم العنف ضد النساء ،لكن لا يمكن الوصول الى هذا الهدف دون الاقرار بأن لدينا موروثا اجتماعيا ومفاهيم  ثقافية خاطئة ، وتقاليد حرفها ذوو النزعات السلطوية على انواعها ودرجاتها عن قصد ، وهذه جميعها اخطر واشد دمارا من أي حقل ألغام قد يزرعه افضل خبراء العسكرية في العالم ، ألغام لا تحتاج لأكثر من مس بسيط في خيط الشخصية الذكورية  المتأصلة لتنفجر . 

لابد لنا من رسم خريطة طريق  للخلاص والتحرر من  عناصر التدمير الذاتي لمجتمعنا ، بثورة ثقافية تطهر مفاهيمنا وكتبنا وتراثنا من صور تقديس القتل باسم الرب ، أو بذريعة الشرف ، والخلط المقصود بين الفحولة والذكورية  المتسلطة والرجولة ،  فقضية التحرر من الجريمة ضد النساء لا يتعلق بقوانين رادعة وحسب - حتى لو بلغت دفاتر نصوص القوانين سقوف المحاكم الشرعية والنظامية والمجالس العدلية والتشريعية – بل بمناهج تربية اجتماعية ، وتعليم ، وصحة نفسية ، وتنوير ديني وثقافي ومجتمعي  ، فجريمة العنف ضد النساء تحتاج الى تكريس الايمان بكرامة وقيمة الانسان وحقوقه الطبيعية في الحياة بغض النظر عن جنسه ، و تنمية مستدامة للضمير الانساني ، حتى لا يتم تجميده أو السيطرة عليه بمقولات وتعميمات بمستوى دون  الصفر بكثير من حيث الحرارة  والحيوية ، ومن  حيث الزمان قياسا بموقع الأمم المتقدمة نحو سدة الحضارة  ، تنمية للإبقاء على منارات الضمير الانساني ، تكفل وتضمن الحوار العقلاني والقرار الصواب للشريكين في مؤسسة ( العائلة ) .تنمية عقلانية تنويرية ترفض الأعذار المخففة أو المحلة لجرائم  القتل والعنف ضد النساء ، فسفك الدماء بالثأر كإحدى السبل لنيل الفخر جريمة ، وتحليل  بتر وقطع الأيدي وجز الرقاب كعقاب جريمة . 

 إن العنف ضد النساء واستعبادهن وإبقائهن في أحسن الأحوال درجة ثانية ، ضعيفات ، خاضعات يرهبوهن بالجحيم، ويرغبوهن بالنعيم كلما لبين وأطعن طاعة عمياء !.سبيل  أشخاص وجماعات وأحزاب للاستحواذ على السلطة والحكم  ابتداء من السيطرة على  القاعدة الأهم ( العائلة ) وركيزتها المرأة ( الأم  المدرسة ) ..وعليه فإننا نحتاج لضمائر رجال الفقه والشريعة والقانون والسياسة ، المثقفين الشعراء والأدباء والكتاب من والمنظمات الحقوقية، وثورة في التعليم، فلعلنا ننشئ جيلا الضمير عند كل فرد فيه هو الميزان ، فالعدل اصيل  في ضمير الانسان. 

m.a
Developed by: MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024