الرئيسة/  مقالات وتحليلات

معركة الشيخ جراح مستمرة

نشر بتاريخ: 2021-05-05 الساعة: 13:21


بقلم عمر حلمي الغول

إصدار المحكمة الإسرائيلية قرارا بتجميد إخلاء المنازل في حي الشيخ جراح، إلى الثالث من حزيران المقبل إلى حين إصدار قرار جديد، أي بعد أقل من شهر، لم يحل المشكلة، بل زاد من تفاقهما؛ لأن المحكمة الإسرائيلية جزء لا يتجزأ من أدوات السيطرة على منازل المواطنين الفلسطينيين، وهي شريكة للمنظمات الصهيونية والحكومة الإسرائيلية في تنفيذ مخطط التطهير العرقي، وطرد السكان من منازلهم. كما أن أجهزة أمن دولة المشروع الصهيوني لم تتوقف عن استفزاز وملاحقة المواطنين المعتصمين في الشيخ جراح دفاعا عن منازلهم وحقهم في الحياة والكرامة والعيش الآمن، ما أدى أمس الأول، إلى إصابة 10 مواطنين بجروح مختلفة؛ نتيجة اعتداء قوات جيش الموت وقطعان المستعمرين. وأفاد شهود عيان، أن قوات وأجهزة الاحتلال قمعت اعتصام الأهالي مع من جاء لمساندتهم من أبناء الشعب، ورشوا المياه العادمة على المواطنين ومنازلهم، وقام المستعمرون بالاعتداء على المواطنين، وجرى نقل 3 من المصابين إلى المستشفى حسب وكالة "وفا".

وكانت المحكمة قبل التأجيل الأخير، حددت موعد 6/5 الحالي للإتفاق بين المستوطنين واهالي الحي الفلسطينيين، وعرض المستوطنون خيار تطهير عرقي بطريق التفافي، مفاده اولا إقرار العائلات المهددة بالطرد من منازلها، بانها "مستأجرة" وفق قانون "حماية المستأجر" الإسرائيلي؛ ثانيا ان تحدد فردا من كل عائلة ينتهي الإنتفاع بوفاته، باعتباره آخر الأجيال المنتفعة من "الإيجار المحمي"، وهو ما يعني 1-  التخلي الطوعي عن حق الملكية للعقار، والتنازل المجاني لصالح قطعان المستعمرين؛ 2- العمل على اغتيال الأشخاص، الذين تم تحديدهم كآخر الأجيال لنقل الملكية فورا للمستعمرين؛ 3- إطلاق يد المحكمة لتحكم لصالح المستعمرين الصهاينة وفق الاتفاق التطهيري العرقي؛ 4- ابراز القضية امام العالم، بأنها قضية حقوق للمستعمرين، وهي مدعومة بالوثائق وبالتنازل الطوعي من قبل الفلسطينيين. وهذا لن يحدث، ولن يحصل عليه قطعان المستوطنين وحكومتهم ومنظماتهم الإستيطانية.

وقضية سكان حي الشيخ جراح تعود إلى عام النكبة 1948 عندما أُرغم قطاع واسع من ابناء الشعب الفلسطيني على ترك قراهم ومدنهم تحت سيف الإرهاب ومجازر العصابات الصهيونية المنظم، وإضطروا للجوء للحي لحين عودتهم لديارهم، التي هجروا منها، وعلى اثر ذلك في عام 1956 تم الاتفاق بين الحكومة الأردنية والأمم المتحدة على توفير منازل لنحو 28 عائلة مهجرة في الحي، تبرعت الحكومة الأردنية بالأرض وأنشأت المنازل على أن يستملكها ساكنوها بعد 3 سنوات. عطلت حرب حزيران 1967 حصول السكان على أوراق الملكية. في العام 1972 بدأت المنظمات الاستيطالنية الصهيونية حملة طرد السكان الفلسطينيين والاستيلاء على منازلهم، وقام بعض المستعمرين بتزوير وثائق ملكية لعدد من المنازل، وقبلت بها المحكمة الإسرائيلية، وهو ما يؤكد للمرة الألف أنها جزء من مخطط التطهير العرقي. لكن الجماهير الفلسطينية رفضت التنازل أو إخلاء مساكنها وتصدوا لكل المحاولات السابقة. وكانت أول عملية إحلال لقطعان المستوطنين حصلت عام 2008 و2009، حيث اخليت 3 عائلات من منازلها غرب حي الشيخ جراح، ومازالت قضيتها مطروحة أمام المحكمة الإسرائيلية، وهذه الأيام تنظر المحكمة الإسرائيلية في تهجير 4 عائلات أخرى، وستنظر في آب/اغسطس المقبل، في تهجير 3 عائلات، وهو ما يعني دحرجة عملية التطهير العرقي عبر سياسة الخطوة خطوة، حتى تمر دون ضجيج كبير، والنتيجة سيتم طرد 500 مواطن فلسطيني قبل نهاية العام الحالي 2021 من بيوتهم على قارعة الطريق.

مما تقدم يتضح أن معركة المواجهة والتحدي تتصاعد، وعمليات التأجيل للبت في القرارات القضائية، أو إعطاء فرصة للتوصل لمساومات رخيصة وبخسة مع المستعمرين رفضتها الجماهير الفلسطينية، كما رفضها ويرفضها كل عاقل يحترم عقله ووعيه الوطني، وكل إنسان أممي يلتزم بحقوق الانسان واتفاقيات جنيف الأربع.

وأرسلت المملكة الأردنية الهاشمية في الآونة الأخيرة الوثائق، التي لديها والمؤكدة ملكية السكان الفلسطينيين لمنازلهم، وكذلك تم إحضار وثائق الطابو من الأرشيف العثماني لذات الغرض. وهو ما يعني أن كل ذرائع وتزوير المنظمات الصهيونية الاستيطانية وحكومة نتنياهو معهم، لن تفلح في إثبات أية ملكية للارض والعقارات الفلسطينية. وسترتد حجة المحكمة الإسرائيلية إلى نحرها، ومفادها، أن من "حق اللاجئين اليهود" في أملاكهم المزعومة قبل عام 1948، وتجاهلت المحكمة حق اللاجئين الفلسطينيين في بيوتهم وأراضيهم، التي طردوا منها عام النكبة، وعليه ليفتحوا باب العودة للاجئين الفلسطينيين ليعودوا لدياهم ومدنهم وقراهم، وبالتالي منطق زيد يرث، وعمر لا يرث لن تنطلي على أحد، ولن تمر.

المؤكد أن معركة الشيخ جراح تتجه نحو التصعيد، وعلى سكان الحي، والعاصمة الأبدية، القدس وكل أبناء الشعب في الضفة وفي مناطق الـ48 الوقوف صفا واحدا خلف العائلات المهددة بالتطهير العرقي، وأن يتم تشكيل لجنة وطنية عامة من قبل القوى وجهات الاختصاص لوضع خطة وطنية شاملة لمواجهة التحدي، والعمل من الآن لتطوير أشكال وأساليب المواجهة لوأد طرد السكان من منازلهم، وعدم الانتظار حتى الثالث من حزيران/ يونيو المقبل. أضف إلى ضرورة التوجه لمحكمة العدل الدولية، ومحكمة الجنايات الدولية ومجلس حقوق الإنسان الأممي لطرح ملف التطهير العرقي في القدس العاصمة، وليس في الشيخ جراح وحده ولكن في كل أحياء العاصمة الفلسطينية، وكسر حلقات المخطط الاستعماري الصهيوني، وتحرير العاصمة حيا حيا بالوثائق والكفاح الشعبي السلمي والنضال السياسي والدبلوماسي.

[email protected]

mat
Developed by: MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024