المحكمة الجنائية الدولية: تصاعد المواجهة مع إسرائيل
نشر بتاريخ: 2021-03-24 الساعة: 09:58
بقلم أشرف العجرمي
مرت ست سنوات على انضمام فلسطين رسمياً إلى معاهدة روما (نظام روما الأساسي) في العام 2015 حتى قررت المحكمة الجنائية الدولية في مطلع هذا الشهر فتح التحقيق رسمياً في جرائم الحرب المرتكبة في الأراضي الفلسطينية المحتلة أي كامل الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية وقطاع غزة باعتبارها أراضي تابعة لدولة فلسطين وتخضع لولاية المحكمة، مع أن المحكمة اتخذت قراراً في نهاية العام 2019 أنها تنوي التحقيق في هذه الجرائم منذ حرب العام 2014 على غزة فصاعداً. هذا الموقف القاطع للمحكمة الدولية عدا أنه في غاية الأهمية إلا أنه أفقد السلطات الإسرائيلية عقولهم وتوازنهم ودفعهم لإصدار مواقف رفضوية متشنجة سيترتب عليها الكثير من الضرر على إسرائيل، وفي نفس الوقت سيكون توتير كبير في العلاقة الفلسطينية - الإسرائيلية أقرب إلى مواجهة متصاعدة قد تقود إلى تفجر الوضع.
الموقف الإسرائيلي الأولي الذي صدر ضد قرار المحكمة الدولية البدء في التحقيق بجرائم الحرب المحتملة في المناطق الفلسطينية المحتلة هو اتهام المحكمة باللا سامية وأنها مسيسة ولها أجندة معادية لإسرائيل وأنها غير صاحبة اختصاص ولا ولاية لها على الأراضي الفلسطينية لأن فلسطين ليست دولة، وأن إسرائيل ترفض القرار ولن تتعاون مع المحكمة. والإدارة الأميركية وبعض الدول الغربية أصدرت موقفاً يشكك بولاية المحكمة باعتبار أن فلسطين ليست دولة. وفي الواقع هذا الموضوع يخضع لإجماع إسرائيلي كبير، فكل الأحزاب الصهيونية باستثناء حركة «ميرتس» ترفض فكرة تحقيق الجنائية الدولية مع مسؤولين سياسيين وأمنيين إسرائيليين وتخشى من وضع تصبح فيه القيادات الإسرائيلية الحالية والسابقة مطاردة ومطلوبة للمحاكمة وممنوعة من السفر. و«ميرتس» تطالب بالتعاون مع المحكمة الجنائية وهي تطرح بديلا بالذهاب نحو حل الصراع وتحقيق التسوية السياسية على أساس حل الدولتين. وقد هوجم موقف «ميرتس» في الحملات الانتخابية لليمين الإسرائيلي.
بالرغم من محاولة تبهيت قرار الجنائية الدولية والتقليل من أهميته في ردود فعل الحكومة الإسرائيلية إلا أنها في واقع الأمر تأخذه على محمل الجد وتتعامل معه على أنه خطير للغاية. ولعل موقفها من القيادة الفلسطينية يعكس حقيقة نظرتها لتبعات القرار الدولي. فهي قامت بسحب بطاقة (VIP) من وزير الخارجية رياض المالكي لأنه يتولى الملف مقابل المحكمة وضايقت المرافقين معه، وهذا على ما يبدو أول التداعيات. كما رفضت إسرائيل – حسب ما ذكر في وسائل إعلام إسرائيلية – اتخاذ إجراءات تخفيفية للتعاون مع السلطة بناء على طلب جهات دولية ترغب في القيام بخطوات ملموسة على الأرض لتعزيز الثقة بين الجانبين وللتمهيد لعملية سياسية قادمة بحجة تعاون السلطة مع المحكمة الدولية. بل إن إسرائيل تهدد بالمزيد من العقوبات ضد مسؤولي السلطة في حال استمرار التعامل مع الجنائية الدولية.
ومن المتوقع أن تكون هذه من أهم ساحات المواجهة مع إسرائيل في المرحلة المقبلة ما بعد الانتخابات وتشكيل الحكومة القادمة أو حتى في ظل الذهاب لانتخابات جديدة حيث إن هذا الموضوع مقلق لإسرائيل ولا تريد أن تفعل شيئاً في تغيير واقع الاحتلال، بل تسعي لأن يكون دائماً بلا كلفة وتستمر في تطبيق سياساتها الاستيطانية التي تعتبر حسب ميثاق روما جريمة حرب يعاقب عليها القانون الدولي. وقد تلجأ لسحب بطاقات الشخصيات المهمة لعدد من المسؤولين الفلسطينيين وتقييد حركتهم وربما تقيد عمل السلطة وتضيق عليها في القضايا التي تحتاج إلى موافقات ومصادقات إسرائيلية. كما ستذهب إسرائيل إلى الاستعانة بالجهات الدولية المؤثرة كالولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية كألمانيا التي عملياً ترفض قرار الجنائية الدولية للضغط على القيادة الفلسطينية لثنيها عن تقديم الملفات والدعاوى، ولتمييع الموضوع والمماطلة فيه قدر الإمكان. وقد تستعين كذلك ببعض الدول العربية من أجل هذا الغرض. وستحاول الحكومة الإسرائيلية الضغط على كريم خان البريطاني الجنسية المدعي العام الجديد الذي سيتسلم مهام منصبه في شهر حزيران المقبل على اعتبار أن المدعية العامة الحالية فاتو بن سودة «شخصية معادية» لإسرائيل ولم تنجح معها الضغوطات الكثيرة التي مارستها إسرائيل بهذا الشأن.
المشكلة الأهم في دور المحكمة الجنائية الدولية بعد قرار فتح التحقيق في جرائم الحرب الإسرائيلية هي إدخال البعد القانوني بشكل واضح في الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي بعد أن كان البعد السياسي هو الطاغي في التعامل مع هذا الملف، وهذا عملياً حيد القانون الدولي بشكل كبير. الآن، إسرائيل تواجه محاكمة دولية ليس فقط على جرائم ارتكبتها في عدوان 2014 وما بعده بل على مجمل ممارسات الاحتلال ومجرد استمراره واستمرار مصادرة حقوق الشعب الفلسطيني والتمييز العنصري ضده. وإمكانية فلتان إسرائيل من المحاكمة هي احتمال ضعيف مهما طال الوقت لأنها فعلاً تخالف كل القرارات والقوانين الدولية وأيضا بسبب وجود مؤسسات حقوقية إسرائيلية ترصد هذه المخالفات وتقدمها في تقارير موثقة. وهذه المؤسسات لا يمكن اتهامها باللاسامية الكاذبة. وفقط ينبغي عدم التراجع وعد الخضوع للضغوط والمضي قدما حتى النهاية إلى أن تتحقق العدالة الدولية بإنجاز الحقوق الوطنية والإنسانية للشعب الفلسطيني.