الرئيسة/  مقالات وتحليلات

ما لم تكن الديمقراطية عابرة للحدود

نشر بتاريخ: 2021-02-24 الساعة: 09:29


الكاتب: موفق مطر

هل يصح تسمية نظام الدولة التي تنتهك حقوق الإنسان خارج حدودها بالديمقراطي، حتى لو كان مواطنوها يمتلكون حريات وحقوقا غير محدودة؟!

لدينا مثالان واضحان تماما يجيبان على هذا السؤال الأول منظومة دولة الاحتلال الاستعمارية العنصرية إسرائيل ليس كنموذج لانتهاك حقوق وحريات الشعب الفلسطيني وحسب، بل حقوق وحريات الإسرائيليين سواء اليهود العرب والشرقيين وذوي الأصول الأفريقية وكذلك المواطنين الفلسطينيين الأصليين الذين اختلقت حكومة منظومة الاحتلال قانون القومية لتشريع حرمانهم من حقوقهم الأساسية والإنسانية.

 لم يوفر نتنياهو فرصة للتمييز بين الاسرائيليين على أسس عرقية ودينية إلا واستخدمها في اطار حملاته الدعائية الانتخابية كما جعلها منهجا لسياسته المسنودة بيمين متطرف لا يعرف شخوصه من الديمقراطية سوى سبيل الانتخابات ليتمكنوا من القفز إلى سدة اركان الدولة في السلطتين التشريعية في الكنيست والتنفيذية في الحكومة حيث تبلغ براعتهم في الابتزاز ذروتها وذلك لتحقيق أهداف عصبوية فئوية لاعلاقة لها بالصالح العام.

 الأفظع في هذا المثال أن بنيامين نتنياهو رئيس حزب الليكود وهو الأكبر حتى الآن في دولة منظومة الاحتلال فاسد ومطلوب للمحاكمة في عدة قضايا، وقال فيه رؤساء حكومات سابقون ونواب ووزراء ممن يعرفونه جيدا الكثير مما لم يقال في رؤساء ورؤساء حكومات تعتبر دكتاتورية، فهذا افيغدور ليبرمان الذي شغل منصب وزير الخارجية في إحدى حكومات نتنياهو قد قال: “إن نتنياهو يجر الشعب في إسرائيل والدولة ككل إلى حرب أهلية لإنقاذ نفسه من مشاكله الشخصية”. فيما وصفه ايهود باراك “بالدكتاتور واعتبره خطرا امنيا على اسرائيل”، أما المظاهرات الاسبوعية التي تجري أمام منزله ومقر حكومته منذ حوالي أربعين أسبوعا وترفع شعارات وتطالبه بالاستقالة وتطالب بمحاسبته ومحاكمته على فساده إنها دليل شعبي على فساد ديمقراطية منظومة الاحتلال اسرائيل على الأقل بمنظور الجمهور الاسرائيلي ذاته، فنتنياهو يحتمي بنتائج صناديق الانتخابات ليضرب عنق ما يسمى الديمقراطية الاسرائيلية التي لا نراها نحن الفلسطينيين كذلك لأن دولة الاحتلال اسرائيل قائمة على قواعد الظلم والاحتلال والاستعمار والقوانين المخالفة أصلا للقوانين الدولية والمواثيق والاتفاقيات الأممية، فالاحتلال والاستعمار والعنصرية لا يستوي أي منهما أو مجموعهما مع الديمقراطية إلا إذا تصالحت النار مع الماء وبلغ الانسجام بينهما كانسجام السمن والعسل.

أما الولايات المتحدة الأميركية فهي المثال الآخر على مستوى فساد النخبة السياسية التي تشن الحروب على دول في العالم وتنتهك القانون الدولي وتخالفه وتستولي على خيرات الشعوب ومقدراتها تحت عنوان نشر الديمقراطية والحرية، ولعل رفض أكثرية أعضاء الحزب الجمهوري في مجلس الشيوخ الأميركي إدانة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالتهم الموجهة إليه مثل خرق الدستور والتحريض على العنف واقتحام أقدس مكان لدى الشعب الأميركي من حيث رمزيته السياسية الوطنية دليل على ازدواجية المعايير لدى الطبقة السياسية المشرعة والحاكمة على حد سواء فيما خص معنى الديمقراطية وتطبيقاتها، حيث تلجأ سلطة التشريع في الولايات المتحدة كالكونغرس (مجلس النواب) ومجلس الشيوخ إلى سن قوانين عقابية على دول ومجموعات وأفراد بحجة معاداة الديمقراطية، ونعتقد أن الرئيس الأميركي الحالي قد عكس بمنطوقه بعضا من الصورة الحقيقية للديمقراطية الأميركية عندما قال بعد تبرئة دونالد ترامب “الديمقراطية هشة وبحاجة لمن يدافع عنها” أما اعتبار بايدن ديمقراطية دولته بالهشة فنعتقد أنه تلطف بالوصف لإخفاء كارثة حقيقية صنعها المشرع الأميركي الذي منح لرئيس الادارة الأميركية ترامب الضوء الأخضر للتغول على حقوق المواطنين الأميركيين وانتهاكها إلى حد استرجاع صورة التمييز العنصري التي كانت سائدة حتى نهاية الستينيات.

الديمقراطية منهج قويم وصالح يعزز مناعة الدول والشعوب الفكرية والسلوكية، ويرفع مستوى العدل والمساواة وتؤمن الحريات والحقوق بدون استثناءات أو انتقاص، فتتجسد في العقل الفردي والجمعي ثقافة وسلوكا وعقيدة، والديمقراطية لن تكون كذلك ما لم تكن عابرة للحدود تنطبق معاييرها على الإنسان أيا كان جنسه أو عرقه أو لونه داخل حدود الدولة أو في أي دولة كان، فيقل منسوب الظلم في العالم إلى حد الجفاف، ما يعني أن تكون الدساتير والقوانين في أي دولة تحت منهج الديمقراطية وليس فوقها، إذ لا سلام ولا استقرار في العالم إذا تم التعامل مع صحة العالم المعتلة بخلطة مشكلة من قشرة الديمقراطية وسموم الدكتاتورية.

mat
Developed by: MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024