القدس وانتخابات دولة فلسطين 2021 : ورقة سياساتية الكاتب: د. وليد سالم
نشر بتاريخ: 2021-01-18 الساعة: 13:58مدخل
مع صدور قرار بقانون رقم 1 لعام 2021 المعدل لقرار بقانون رقم 1 لعام 2007 حول الإنتخابات الفلسطينية عن الرئيس الفلسطيني محمود عباس ونشره في مجلة الوقائع الفلسطينية يوم الثالث عشر من كانون الثاني الجاري ، وما تلاه من إصدار لمرسوم رئاسي يحدد مواعيد الإنتخابات المتتابعة يوم الخامس عشر من ذات الشهر ، يكون قد تم حسم مسألة الإنتخابات الفلسطينية التي عقدت آخر مرة قبل خمسة عشر عاما . ورغم المعانيات التي تخللت هذه الفترة من التأخير سيما مسألة الإنقسام وما رافقها من مظاهر ضارة على كل المستويات ، إلا أن ما يثير التفاؤل هذه السنة أن الإنتخابات التي تقررت لعقدها خلالها هي إنتخابات لرئاسة دولة فلسطين ومجلسها التشريعي ( برلمانها ) هذه المرة وليست مجرد إنتخابات للمرحلة الإنتقالية كما كانت عليه الإنتخابات التي عقدت سابقا، كما أن هذه الإنتخابات تشمل أيضا دولة فلسطين والمجلس الوطني الفلسطيني لمنظمة التحرير الفلسطينية في عملية واحدة وإن كانت متتابعة زمنيا .
تناقش هذه الورقة السياساتية عدة خيارات بشأن كيفية عقد الانتخابات الفلسطينية في القدس مع كل المشكلات المرتبطة بذلك، أولها خيار عقدها ضمن إطار ما نص عليه بروتوكول الإنتخابات لاتفاق أوسلو 2 الذي وقع في نهاية ايلول عام 1995 والذي نص على ترتيبات لإنتخابات مرحلة إنتقالية تعقد بالتنسيق مع إسرائيل وهو خيار قد لا يكون من الممكن الحصول على موافقة أسرائيل عليه سيما أن إنتخابات 2021 تتم لدولة وليس لتمديد المرحلة الإنتقالية، حيث أن إسرائيل و حكومتها القادمة المرتقبة بعد إنتخابات أواخر إذار قد لا تقبلا غالبا بعقد هذه إنتخابات تأتي تحت عنوان " إنتخابات لدولة فلسطين " التي لا تعترف بها وتشترط أن يتأتى إنشاؤها عن إتفاق تفاوضي في القدس أولا، كما ان اللجوء مجددا إلى الضغط الاوروبي وضغط إدارة بايدن الأمريكية الجديدة على اسرائيل بشأنها قد لا يؤتي ثمارا، سيما وأن الإدارة الأمريكية قد تتوافق مع إسرائيل حول أن لا تكون الإنتخابات إنتخابات دولة وأن تسعى للضغط على الجانب الفلسطيني لجعلها إنتخابات تمديد لفترة الحكم الذاتي إلى حين يتم التوافق على دولة مع إسرائيل كنتاج لإتفاق تفاوضي. يعني ذلك أنه قد يكون علينا أن نستعد لإنتخابات تأخذ شكل المواجهة مع الإحتلال سيما في القدس. وبناء عليه ترجح الورقة خيار اجراء إنتخابات لبرلمان ورئاسة دولة ومجلس وطني فلسطيني تعقد على مراحل وفي إطار الصراع مع الاحتلال من أجل الانفكاك عنه وتحقيق خطوة إضافية على طريق التحرر الوطني ، وتطرح الورقة المراحل والآليات المقترحة لتحقيق ذلك في القدس سيما قدس 1 الواقعة داخل الجدار وضمن حدود بلدية القدس الإسرائيلية، وانعكاس هذه الترتيبات على الانتخابات الفلسطينية برمتها. وفي سياق الورقة ستجري مناقشة كل هذه الخيارات وكذلك كل المسائل المتعلقة بعقد الانتخابات في القدس ترشيحا وإنتخابا ودعاية إنتخابية ومراكز إقتراع والمراقبة المحلية والدولية للإنتخابات وغيرها من المسائل ذات العلاقة .
فيما يتعلق بانتخابات المجلس الوطني الفلسطيني الفلسطيني فقد كانت تتم حتى عام 1996 على أساس ان تنتخب الفصائل المشاركة في منظمة التحرير الفلسطينية ممثليها في المجلس يضاف لذلك ممثلي الاتحادات الشعبية والجاليات الفلسطينية المنتخبين ، وإضافة لذلك كان المجلس الوطني يضيف لعضويته أعداداً من المستقلين يقوم بإنتخابهم أعضاء المجلس من ممثلي الفصائل والاتحادات والجاليات الفلسطينية. ومنذ انتخابات المجلس التشريعي الأول للسلطة الوطنية الفلسطينية فقد تم إعتماد إضافة أعضاء المجلس التشريعي المنتخبين الى المجلس الوطني وذلك كممثلين عن فلسطين المحتلة عام 1967.
وقد كانت القدس وفلسطين المحتلة عام 1967 تمثل قبل ذلك التاريخ في المجلس الوطني من خلال لاجئيها ونازحيها، ولكنها مثلت لأول مرة مباشرة في المجلس الوطني بعد الإنتخابات التشريعية في عام 1996. هذا وقد طرحت على مدار حياة المجلس الوطني الفلسطيني منذ تم انشاؤه في القدس في اول ايار عام 1964 عدة أفكار لانتخاب المجلس الوطني الفلسطيني من أبناء الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات، وتكررت هذه الأفكار في اتفاقات المصالحة الفلسطينية التي تمت بعد حصول الانقسام عام 2007 جراء سيطرة حماس على قطاع غزة في ذلك العام، وفي هذه الورقة سيتم التطرق الى كيفية عقد هذه الانتخابات في القدس.
وفيما يتعلق بالانتخابات التشريعية والرئاسية فقد تمت مرتين حتى الآن، الاولى عام 1996 وشملت انتخابات رئاسية وتشريعية وفق صيغة الدوائر الانتخابية حيث قسمت فلسطين إلى ستة عشر دائرة إنتخابية حينذاك ، أما الثانية فقد جرت كانتخابات رئاسية عام 2005، وتشريعية عام 2006 وذلك وفق صيغة 50% للدوائر و50% تمثيل نسبي وقد شملت القدس في الحالتين وتم في تلك الإنتخابات رفع عدد أعضاء المجلس التشريعي من 88 إلى 132 منهم 20 يالمئة نساء، وستجري انتخابات 2021 وفق صيغة التمثيل النسبي الكامل وعلى مرحلتين تبدأ بالانتخابات التشريعية على ان تليها الانتخابات الرئاسية فإنتخابات المجلس الوطني الفلسطيني.
تقترح الورقة أن يصار لاحقا لوقف إستثناء القدس من الانتخابات المحلية الفلسطينية لدى عقدها ، حيث هي إنتخابات تجري منذ القرن التاسع عشر،وقد جرت انتخابات بلدية القدس لأول مرة عام 1863 ورئس البلدية حينذاك المفكر المقدسي المعروف يوسف ضياء الخالدي وجرت هذه الإنتخابات في عهد الانتداب البريطاني وخلال فترة الحكم الأردني ثم الاحتلال الإسرائيلي بعد 1967 منذ عام 1972، واستمرت بصورة شبه منتظمة بعد تشكل السلطة الوطنية الفلسطينية عام 1994 لكل المحافظات الشمالية والجنوبية، ولكنها لم تشمل القدس بعد تشكل السلطة.
وعودة للقدس فقد كانت هنالك بلدية لها أطلق عليها إسم أمانة القدس، وقد تم إجراء الانتخابات لهذه الأمانة آخر مرة عام 1963 وذلك بإشراف من الحكومة الأردنية، وبعد عام 1967 قام الاحتلال الإسرائيلي بحل أمانة القدس أياماً بعد احتلاله للمدينة في حزيران من ذلك العام، وقام "بتوحيد" القدس الشرقية مع القدس الغربية واخضع كلتيهما إدارياً وخدماتيا لبلدية القدس الغربية الإسرائيلية ( حلبي2007).الا أن أمانة القدس لم تتخل عن دورها واستمرت في ممارسة نشاطها من عمان برئاسة أمين القدس روحي الخطيب حتى عام 1994 حيث تلاه بعد وفاته زكي الغول في رئاسة الأمانة واستمر في ذلك حتى عام 2019 حين وافته المنية. وكان من أنشطة أمانة القدس في عمان القيام بتمثيل المدينة في اتحادات العواصم والمدن العربية والعالمية، كما قامت الأمانة بعقد 59 اتفاق توأمة للقدس مع مدن عالمية بعد قيام السلطة الوطنية الفلسطينية كما تفيد معلومات المؤتمر الوطني الشعبي ( يونس العموري من المؤتمر الوطني الشعبي).
وقد قام الرئيس ياسر عرفات بإعادة تشكيل أمانة القدس بمرسوم رئاسي عام 1999، ثم تم تعيينها مرة أخرى عام 2012 من الرئيس محمود عباس، والسؤال اليوم يتعلق بكيفية انتخابها وذلك كما نصت عليه قرارات دورة المجلس الوطني، ودورتي المجلس المركزي التي عقدت كلها عام 2018 والتي نصت على ضرورة إعادة تشكيل أمانة القدس وفق أفضل صيغة ديمقراطية وتمثيلية.
إذن فلقد عقد في القدس انتخابات تشريعية ورئاسية بعد نشوء السلطة الوطنية الفلسطينية، فيما لم تعقد فيها انتخابات محلية كما لم تعقد انتخابات للمجلس الوطني الفلسطيني.
الإنتخابات التشريعية والرئاسية والقدس
تشمل محافظة القدس وفق التقسيم الفلسطيني خمسين تجمعًا سكانيًا، يقع ٢١ تجمعًا منها في ما أطلق عليه قدس ١ من قبل جهاز الإحصاء المركزي الفلسطيني، وهي تمثل ذلك الجزء من محافظة القدس الواقع داخل جدار الفصل العنصري تحت السيطرة الكاملة للنظام الاستيطاني الاستعماري الصهيوني وسلطته العسكرية ، ومواقع قدس ١ حسب التصنيف المعتمد لدى جهاز الإحصاء المركزي هي: كفر عقب، بيت حنينا، شعفاط ، مخيم شعفاط، البلدة القديمة، باب الساهرة، الشيخ جراح، وادي الجوز ، الصوانة، الثوري ، سلوان ، رأس العامود، الطور ، العيسوية، الشياح، بيت صفافا، أم طوبا، صور باهر ، شرفات ، السواحرة الغربية ، وجبل المكبر( جهاز الإحصاء المركزي ، ٢٠١٧).
٤٤٢ الف يسكنون محافظة القدس ككل( جهاز الإحصاء المركزي ، ٢٠١٩، ص. ٢٧).
وقد ورد في المادة ٦ من ملحق ٢ لإتفاق المرحلة الانتقالية الفلسطينية الاسرائيلية الموقع بتاريخ ٢٨ أيلول ١٩٩٥ والمشهور باسم ترتيبات خاصة للإنتخابات الفلسطينية في قدس ١، وتضمنت هذه الترتيبات قيام عدد من مواطني قدس ١ بالاقتراع داخل خمسة مكاتب للبريد في المدينة وذلك وفق الطاقة الاستيعابية لتلك المكاتب، فيما يقوم باقي مقدسيي قدس ١ وهم الغالبية بالتصويت في مراكز اقتراع فلسطينية تقع خارج قدس ١( الاتفاقية الانتقالية الفلسطينية الاسرائيلية: ملحق الانتخابات ص.39 من لجنة الانتخابات المركزية 1996).
mat