الرئيسة/  مقالات وتحليلات

البيان رقم واحد.. ونقيفة سعيد العرمة

نشر بتاريخ: 2021-01-06 الساعة: 08:22

موفق مطر

نعتقد أن أبواب المدرسة الوطنية مفتوحة على مساحة الوطن والأراضي المحتلة بطولها وعرضها  لمن يريد تعلم أو تعليم تجربته في علوم وفنون المقاومة الشعبية السلمية.

 

لقد ثبت لكل صادق ومخلص في انتمائه الوطني جدوى تطبيق منهج المقاومة الشعبية السلمية على ارض فلسطين، وإذا احتاج المترددون لبراهين عملية فليس عليهم سوى الوصول الى كل منطقة من ارض الوطن تشهد مواجهات وصدامات مباشرة بين المواطنين الفلسطينيين وعلى رأسهم قادة وطنيون سياسيون من مراتب تنظيمية متعددة كأعضاء مركزية حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح وقادة اقاليم ومناطق وشعب، وشخصيات اعتبارية ودينية واجتماعية.

 

ربما لفتت نظر المتابعين لأحداث يوم الجمعة الماضي صورة الكهل الفلسطيني بزيه الشعبي وهو يتصدى بـ(النقيفة) لجنود الاحتلال الاسرائيلي المسلحين بأحدث الأسلحة الفردية وقنابل الغاز استهدفوه بقصد اصابته اكثر من مرة، فبدا المواطن الفلسطيني الخمسيني سعيد العرمة "ابو العبد" من دير جرير نشيطا يجاري شبابا يصغرونه بجيلين على الأقل، فصار رمزا وملهما لرسامي الغرافيك والكاريكاتير والمصورين الصحفيين الى جانب المواطن الفلسطيني خيري حنون "ابو ناصر" الذي لقب بجورج فلويد الفلسطيني، نسبة لما حدث مع مواطن أميركي من اصول افريقية قتل اختناقا نتيجة جثو شرطي اميركي بركبته على عنقه حتى فارقت روح الرجل جسده وهو يصرخ: "إني اختنق..اريد ان اتنفس".

 

كثيرة صور المواطنين الذين يصبحون بفضل شجاعتهم وجرأتهم رموزا للمقاومة الشعبية السلمية حتى انهم باتوا يحظون بشهرة في اوساط الشعب الفلسطيني وحتى على صعيد الجمهور العربي بمكانة لا تحظى بها شخصيات سياسية بمستوى قادة امناء احزاب، ما يؤكد فوز النضال الميداني بالمرتبة الأولى متقدما على الطرح النظري الفضائي او المنبري!.

 

 أن يصبح للشعب الفلسطيني رموز في مسار المقاومة الشعبية، فهذا امر مهم للغاية وبرهان على قدرة حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح على توريث الفعل النضالي الشعبي لأجيال بعد أجيال، فأبو العبد وخيري حنون وغيرهم الكثير رفعوا مكانة ومسمى المواطن الوطني المجهول الى مصاف المواطن الوطني المعلوم والثابت في الذاكرة الوطنية الجمعية، ويحسب هذا كانجاز متقدم، وانتصار جديد لفلسفة التجذر والصمود في أرض الوطن ومبدا الدفاع عنها، وبهذه الصور  المتتابعة الآتية من ميادين المقاومة الشعبية التي تقودها حركة فتح، يتأكد العالم من مدى ايمان الفلسطيني بحقه التاريخي والطبيعي الأبدي في ارض وطنه، وادراكه البعيد المدى للأخطار المحدقة بوجوده كفرد ومجتمع وشعب وهوية.. فنقيفة ابو العبد عرمة اليوم لا تقل اهمية عن السلاح الناري الذي حمله الفدائي الذي نفذ عملية اطلاق الثورة الفلسطينية المعاصرة قبل 56 عاما واشهرت بعدها حركة فتح وجودها كحركة تحرر في البيان رقم واحد، فالمقاومة الشعبية اليوم شكل قانوني وشرعي متاح لنا حتى النصر والاستقلال.

 

المقاومة الشعبية السلمية ليست منهجا حديثا، وإنما منهج كفاحي متناسب من ظروف موضوعية  فرضت ذاتها في مرحلة معقدة واستثنائية تمر على القضية الفلسطينية، ومسار الصراع مع المشروع الاستعماري الاحتلالي الاستيطاني الاسرائيلي، فهذا الاسلوب تاريخي، وحق طبيعي منحته القيم والقوانين الانسانية والوضعية الدولية، فالأرض حق وملك فردي وعام للشعب لا يمكن لسلطة غزو واحتلال واستعمار مهما بلغ  جبروتها سلبه أو اغتصابه.

 

يقاوم شعبنا بسلاح الحجر والمقلاع والنقيفة، والمظاهرة متظللا ومحتميا بعلم فلسطين الرباعي الألوان، وسلاحه أما مخازن هذا السلاح فإنها في كل بقعة وفي كل متر مربع على هذه الأرض الطيبة، ذخيرة طبيعية لا تنضب،  تفي لتلبي همة الشباب من الجنسين والرجال والنساء وكل من يعتقد بقداسة أرضه كقداسة نفسه فيدافع عنها رغم رد الفعل العنيف والإجرامي من جنود جيش الحرب الاسرائيلي، ابتداء من الرصاص المعدني وصولا الى اطلاق الرصاص المتفجر على رؤوس وصدور وأطراف الشباب، مرورا باستخدام الكلاب الشرسة، والتفنن في صنع الكمائن، والسيطرة على بيوت المناضلين، ورش المتظاهرين بـ (المياه السوداء) وهي مياه عادمة (نجسة) كريهة الرائحة، تسبب آثارا سلبية على صحة المصابين.

 

ما زالت جماهير قرية كفر قدوم تجربة ماثلة تقدم لمنهج الكفاح الشعبي الفلسطيني ضد الاستعمار الاحتلالي العنصري الاسرائيلي نموذجا يحتذى في الانتصار للمشروع الوطني الفلسطيني، وإيقاف زحف المشروع الاستعماري الاسرائيلي. نظرا لديمومة  الفعاليات وقدرتها على الاستمرار بحيوية ووتيرة عالية لم تتراجع ولا مرة منذ انطلاقة فعالياتها الاسبوعية قبل عشر سنوات، وما زالت  قرية الخان الأحمر بوابة القدس الشرقية، نموذجا لميدان مقاومة شعبية سلمية منعت استكمال مشروع استيطاني يعرف باسم (a1) يفصل شمال الضفة الفلسطينية عن جنوبها  ابتداء من شرق القدس وصولا حتى البحر الميت.

 

يتحمل مناضلو حركة فتح وزر المقاومة الشعبية السلمية قبل اطلاق البيان رقم واحد للقيادة الوطنية الموحدة للمقاومة الشعبية وبعدها، يمضون بنفس طويل، وصبر لا يعجزهم عن ابداع وسائل الصمود، فالمناضلون الوطنيون لا يميزون بين بقعة وأخرى من ارض الوطن فحيثما اقتضت المواجهة مع الاحتلال والغزاة المستوطنين ومنعهم من الاستيلاء على اراضي المواطنين تراهم هناك فالأرض وفق تربيتهم الثورية لوطنية مقدسة حيثما كانت وفي أي جهة من أرض الوطن.

 

المقاومة الشعبية ليست هدفا وانما وسيلة تتطلب عطاء بلا حدود، وتنظيما على الأرض ومقومات صمود ومتابعة وديمومة وتطوير وتوسيع دوائرها وإبداع وسائلها.. كما تحتاج الى روح التنافس بين الفصائل الوطنية لإظهار الالتزام بهذا المنهج من النضال الوطني وفق ما تم الاتفاق عليه بعد اجتماع امناء الفصائل العام الماضي، فالتجارب الرائدة في المقاومة الشعبية السلمية، ستكون علامة شعبنا الفارقة في تاريخ كفاحه، وتجربة مميزة في سجل تاريخ الشعوب من اجل الحرية والاستقلال.

m.a
Developed by: MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024