الرئيسة/  مقالات وتحليلات

العنف الداخلي علامة ضعف وغياب

نشر بتاريخ: 2021-01-04 الساعة: 13:39

قلم: الدكتور أحمد رفيق عوض

ظاهرة العنف في مجتمعنا تتجذر أكثر، وتأخذ ابعاداً أخطر، ولا يكفي أن نحللها فقط، أو أن نكشف عن أسباب تفشيها، إذ سيبادر كثيرون إلى القول إن هذا العنف ممنهج ويُغذى من اطراف كثيرة أولها الاحتلال من أجل اضعاف النسيج الاجتماعي وتفكيكه وبالتالي تسهل السيطرة عليه واستغلاله لخدمة المستعمر وأهدافه، وهذا صحيح، اذ ان احد أسباب فشل ثورة 1936 كانت الخلافات العشائرية، وبهذا الصدد، فإن من يقرأ ما كتب عن المجتمع الفلسطيني في أواخر القرن التاسع عشر سيدهش حقا لتفشي ظاهرة العنف الداخلي بين القبائل والعشائر، التي استثمرها المحتل الإنجليزي ومن ثم المحتل الإسرائيلي، وهناك من يعزو سبب هذه الظاهرة حالياً الى تداخل المناطق الجغرافية وضعف القانون وقلة الوازع الديني وانتشار السوشال ميديا التي تعزل الناس عن بعضهم البعض وتزيد في عدوانيتهم وخصوصاً الشباب منهم، وهناك من يقول إن هناك إحساس كامل بالهزيمة والاحساس بالدونية لعنف المحتل وغطرسته، وبالتالي، فإن العنف يعود الى الداخل كتعبير عن الاحتقان والتوتر الشديد. كل هذا ممكن وصحيح. ولكنه لا يكفي على الاطلاق.

 

فإذا كان العنف تعبير عن لحظة ضعف وهزيمة، وتعبير عن غياب للنموذج والقدوة، فإن استمرار هذا العنف يهدد بتفكيك المجتمع ونظامه السياسي.

 

ان استمرار هذا العنف- برأيي المتواضع- يتسع لانقسام الشارع الفلسطيني سياسياً واجتماعياً وجغرافياً، وهو ايضاً يُغذى بسبب غياب الاهداف الموحدة والمرجعيات المشتركة، عندما تغيب الاهداف الكبرى تحضر الاهداف الاصغر، ثم تحضر المصالح. ليس الفقر عندنا ما يدعو الى العنف، وليس الجهل، وليس العشوائيات او الازدحام، على اهمية ذلك في احيان معينة، ارى ان العنف يحتاج الان الى حضور القدوة والمثال الاجتماعي والسياسي، ويحتاج الى تحديد الاهداف العليا المتمثلة في الارض والقيم التي تدعو اليها، هذا يعني غياب الادوار المأمولة كلها او بعضها، فأين الاسرة التي تحمي وترضع قيم التسامح والمحبة والالفة، واين المؤسسة التعليمية، واين المؤسسات الموازية، كالمساجد والكنائس والاحزاب، واين قادة الفصائل المحليين الذين رأينا دورهم الرائع في انتفاضة1987. لماذا اختفى العنف كلياً في السنوات الاولى لتلك الانتفاضة مثلاً، على رغم انه لم يكن هناك مخفر واحد او شرطي واحد.

 

العنف في مجتمعنا الان نذير شؤم وانذار خطر يدق نظامنا الاجتماعي والسياسي، لا أحد يستهين بما يحصل، ولا أحد يستنيم الى مقولات هي الان بحاجة الى فحص حقيقي.

 

حتى نتخلص من هذا العنف، يجب تقديم البدائل السياسية والاجتماعية للشارع الفلسطيني.

 

هذا شارع منقسم ومتوجس وشكاك، ينتظر من يقوده ويؤطره نحو تلك الاهداف التي يبدو انها نُسيت بعضها او كلها.

m.a
Developed by: MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024