اجتماع الامناء العامين: نشكُرُ مَن؟ ونشتُمُ مَن؟
نشر بتاريخ: 2020-09-06 الساعة: 09:08بكر أبوبكر
ما الصعوبة التي وقفت في وجه اجتماع الأمناء العامين الذي بدا سلِسًا طيّبًا، حتى هذه اللحظة الزمنية الفارقة؟ ونحن في الفترات السابقة أسلنا الدم، وكنا نتلاوم أونتشاتم ونتقاذف بكل ما تصل إليه أيدينا؟
على ماذا اختلفنا إن كانت غزة كانت ومازالت محاصرة؟ وعلى ماذا اختلفنا إن كانت الضفة الغربية مازالت محتلة وتحولت كالجبنة السويسرية المخترقة بالمستعمرات؟
وكيف ندعي أن اختلاف البرامج -أوفكرة الفسطاطين الإقصائية- مبرر للتكفير أو التخوين اوالتشهير مما امتلأت به مدافع هذا الطرف أوذاك؟
أين كنا عندما كان الشعب برمّتهِ يطالبنا بالوحدة والمصالحة والتجاوز للآلام والأحزان والإنقسام؟
وأين كان الأمناء العامون في ظل الاستماع الغادر لأصوات لا وطنية ولا قومية من هذا أوذاك من محور المقاومة المصلحي أو محور الملاومة اللامبدئي؟
وكيف لنا أن نخفي وجوهنا الكالحة بالخلافات على مدار السنين من الدم المهراق، والشهداء والجرحى والمعتقلين، ومن المناضلين على الأرض الطهور، ومن هدم البيوت والقتل البشع من الإسرائيلي المحمّل بكل أحقاد الدنيا وتلفيقات التاريخ، والكذب التوراتي الذي يقنع أشباه العرب أكثر من الصهاينة أنفسهم؟
يا أيها الأمناء العامين ألم تكن المسافة الأخوية بيننا أقرب بكثير من التجول حول العالم من مكة الى اليمن الى دمشق الى القاهرة الى غزة والى موسكو، ولربما لو طال الزمن أكثر لمررنا بعواصم أوربا أو أمريكا الجنوبية أيضا؟
أين كنا مادام الاتفاق أقرب الينا من حبل الوريد؟ كما بدا من بيان القيادة في 3/9/2020 ما بين رام الله الجريحة وبيروت الجريحة، أم أن الجرح هو الجامع الأكبر والذي تحول بالحقيقة من جرح الى مرض مزمن؟
أين كنا لنعترف الآن بوضوح ويُسرٍ أننا في مركب واحد؟
وكيف لنا أن نخرق المركب هذا، في مراحل متعددة سابقة، حتى سمعنا شتيمتنا من الناس بآذاننا وضربنا عنها صفحًا؟
أين كانت عقولنا وكيف حارت قلوبنا بين المحاور المصلحية حولنا ونحن الأعلم أن فلسطين ومصلحة شعبنا بقضيته المركزية هي الأولوية، وهي بصراعنا الوجودي مع الصهاينة تمثل التناقض الرئيس؟
لربما أن العام 2020 هو عام الذروة في كل شيء: بالسياسة وبالاخلاق، وبالاقتصاد وحرب النفوذ العالمي والإقليمي، وبالصراع الصيني-الروسي-الامريكي، وبالاختراق العجيب للجسد العربي، وبالصاعقة الصهيونية في انتخاب الإرهابي والفاسد الأول في دولة الكيان للمرة الثالثة خلال عام، وبتقبيل أقدامه من قِبل أبعاض الأمة.
وهو عام الذروة في العلُوّ الامريكي-الانجيلي-الصهيوني الثاني، وبالافتراق الوطني بين الجناحين المكسورين، والجائحة وحجم الألم.
ولربما هو عام الذروة بجماعة الطغيان والإسراف والبطر والاستبداد والإسراف والتفاخر وإضاعة الحق والعدالة المتطاولين بالبنيان، وصعود الأمم التي لسنا منها؟
وكيف نصعد كأمة لنتخذ مقعدًا متقدما بين الأمم ونحن أسرى عداءنا مع ذاتنا وهويتنا، مع لغتنا العربية الشريفة، ومع فلسطيننا الجامعة والقدس الكاشفة للعورات، وكيف نتقدم لنسمو ونحن أعداء ثقافتنا وحضارتنا العربية الاسلامية المسيحية، وتميزنا الرحب والجامع؟!
لربما أن العام 2020 كان الأكثر صعوبة في تاريخ البشرية الحديث ولنا كفلسطينيين أيضا: حيث قفز في مقدمته اتفاق ترامب- نتنياهو الثنائي، المسمى صفقة عصرهما ، ومَن اتبعها بسوء الى يوم الدين، وما كان من الاعتراف الامريكي بالقدس عاصمة للكيان، وضم الجولان العربي، وشطب ملف اللاجئين.....الخ، الا ليشكل نكبة جديدة إثر نكبة، تحالف معها تقبيل الأقدام من تحت الطاولة الى فوقها.
ما الصعوبة لدى مختلف الفصائل -على حقها بالاختلاف البرامجي- بالاعتراف أن إطارنا الجامع يتمثل في منظمة التحرير الفلسطينية-كما حدث بالأمس في بيان الأمناء العامين حيث ذُكرت كممثل شرعي ووحيد مرتين بالبيان- ولو شكلا من أشكال التوحد أمام العالم ليجعل أحد الوفود تتمنع في لقاء موسكو من عام فقط (عام 2019) عن هذا الاعتراف وتقرّ به اليوم؟
وما الصعوبة بالاعتراف بهدف الدولة الفلسطينية على جزء من أرض فلسطين، كما تم بالامس من الجميع، (ذكرت 3 مرات بالبيان) ومَن يفهم العقلانية والمرحلية ومتغيرات الواقع يعي أن من لا يستطيع الحصول على الجزء، لا يتنطح للمطالبة بالكل وليجعل من الحلقات متدرجة والمراحل متتالية؟
وماذا كان يضيرنا أن نختلف بين الأروقة، ونظهر متحدين في الفضاء العام، الذي لا يرحم اليوم، أم أن منشور على أحد وسائل التواصل الاجتماعي أهم من الأمن القومي، ووحدة الصف، كما يفعل عدو البشرية أسير تطبيق توتير الرئيس الامريكي الذي دى عليه الرئيس أبومازن مُحقّا عام 2018 بالقول "الله يخرب بيتك" "ترامب"؟
من نلوم ومن نشكر؟ هل نشكر "ترامب" أن وحدنا تحت قيادة الأخ أبومازن العربي الأصيل الوحيد الذي قال لا وألف لا للإدارة الامريكية التي تحكم العالم؟ أم الاولى أن نشكرالاخ الرئيس أبومازن الذي كانت لاءاته هي عامل الوحدة الكبير، وليس التوراتي الخرافي "ترامب"؟
هل نشكر الانبعاث الوطني نتيجة انكشاف التواطؤ الإقليمي والعربي ضدنا؟ أم نشكر الانبهار بالعقل الغربي وبالصهيوني في منطقتنا الى حد الاستخذاء (الذل) الذي جعلنا نعيد التفكير ونغسل دم الانقلاب من بين أيدينا ونمد الأيدى للمصافحة؟
هل نشكر أشباه العرب في الأمة التي أضاعوها بين إهمال عوامل قوتها اللامحدودة، وبين هرولتهم نحو الاندراج في وهم عظمة الإسرائيلي المخادع، ومكان نتنياهو الباهت تحت الشمس بابتلاع العالم العربي، وتنصيبهم له خليفة للمسلمين وسلطانا للعرب؟
لم يكن الأمر صعبا يا أيها الأمناء العامين، أليس كذلك؟ وما كان عليكم أبدا ان تصعدوا المنابر وكلكم أو غالبكم يحتاج للتجدد في الفكر والعطاء والأسلوب والإبداع والخطاب وطريقة التناول، وكلكم، أو لنقل وكلنا، بحاجة للشباب المؤمن بقضيته ووطنه أن يكونوا في مقدمة الصفوف.
من نلوم؟ ونحن لا نشتم، ومن نشكر في هذا الحدث الذي قابله البعض في شعبنا بالاحترام والمحبة والأمل، وقابله البعض الآخر بالتندر أو التشاؤم نتيجة تخلخل عوامل الثقة وتخلخل العلاقة بين القيادة والقاعدة، التي إن تواصلت بهذا الطريق الصعب دون الجماهير، وبالأسلوب غير المتجدد لربما يكون لنا من التغيير الوطني ما يقلب الطاولة.
m.a