الرئيسة/  مقالات وتحليلات

ابن زايد يوغل في التطبيع

نشر بتاريخ: 2020-08-31 الساعة: 09:27

عمر حلمي الغول

يعتقد بعض السياسيين والإعلاميين العرب، أن الشعب الفلسطيني وقيادته الوطنية "تنساق" وراء العواطف والشعارات الطنانة، و"لا تعير" اهتماما لحسابات التاريخ، والربح والخسارة في معادلات الصراع مع العدو الصهيو أميركي. وينسى هذا النفر من التجار والمرتشين بالمال السياسي من الدول والقادة المتساوقين والمرتهنين لإملاءات إدارتي ترامب نتنياهو، أن قيادة منظمة التحرير الفلسطينية تزن مواقفها بميزان الذهب، ولا تغريها، ولا تغويها الخطابات والشعارات الرنانة، وتعمل بمعايير شديدة الحساسية للدفاع عن المصالح الوطنية، وتحرص حرصا شديدا جدا على كل علاقة مع الدول الشقيقة، وأحيانا على حساب الموقف الوطني، وتتعرض للنقد من النخب السياسية الفلسطينية والعربية لمرونتها العالية، ولكيفية إدارتها العلاقات مع الأشقاء العرب.

لكن القيادة الفلسطينية عندما تستشعر أن هذا النظام، أو ذاك تجاوز الخطوط الحمر، وبدأ المتاجرة علنا بالقضية الوطنية، ويعمل على التدمير المنهجي لبنية النظام الرسمي العربي، ومرتكزات سياساته التاريخية تجاه الصراع الأهم، والاستراتيجي، الصراع العربي الصهيوني، عندئذ لا تجامل، ولا تداهن، ولا تداري، ولا تغطي الشمس بغربال التطبيع، وتعلن مواقفها بشجاعة واقتدار، ودون خشية، ودون حسابات صغيرة. وفي الوقت ذاته لا تنسى للحظة المواقف الأخوية الصادقة، والدعم المادي والسياسي والدبلوماسي لقادة الدول والشعوب العربية، وتحتفظ في أدبياتها ومواقفها وتعاليمها بعظيم الامتنان لكل قائد قدم الدعم لفلسطين وشعبها، مع أن الواجب يفرض على كل نظام عربي تقديم الدعم، لأنه ليس منِة منهم، ولا لسواد عيون الفلسطينيين، إنما دفاعا عن الكل العربي.

مع ذلك لا تتنكر القيادة الفلسطينية لأي قائد عربي مد يد العون للشعب والقضية الفلسطينية، ولا تبصق في البئر، الذي شربت منه، وتعتز بالمواقف القومية الأصيلة، ومن بين هؤلاء القادة يحتل المغفور له الأب المؤسس، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان مكانة عظيمة في نفوس كل الفلسطينيين دون استثناء. ولهذا يميزوا ألف مرة بين الشيخ الحكيم، وبين من ارتمى في أحضان العدو الصهيو أميركي، أمثال محمد بن زايد، الذي لم يحفظ شيئا من ميراث وسجل والده الشجاع، وناقض كل مرتكزات السياسة العربية الرسمية، التي تبناها نظام دولة الإمارات عموما وإمارة أبو ظبي خصوصا.

ولهذا لا يمكن وضع الشيخ المؤسس لدولة الإمارات في ذات الكفة مع ابنه محمد، الذي خان تاريخ والده، وأشقائه، وعائلته، وشعب الإمارات الشقيق، وتخلى عن أشقائه الفلسطينيين مقابل ثمن بخس. ولم يتوقف بن زايد الابن عند حدود الإعلان الثلاثي الذي دشنه ترامب في 13 آب/ أغسطس الماضي، ولكنه أصدر أمس السبت، مرسوما بإلغاء القانون الاتحادي في شأن مقاطعة دولة إسرائيل الاستعمارية، والعقوبات المترتبة عليه. وقالت وكالة الأنباء الإماراتية "وام" إن "المرسوم بالقانون الجديد يأتي ضمن جهود الإمارات لتوسيع التعاون الدبلوماسي والتجاري مع اسرائيل". وهو ما يعني أن الحاكم بأمره في الإمارة اندفع في الخيانة دون فرامل، وذهب بعيدا في الارتماء في أحضان ترامب ونتنياهو ومن لف لفهم من أعداء الأمة، مع أن رئيس الحكومة الفاسد لم يتورع عن رفض بيع إدارة الرئيس ترامب طائرات الـ F35، ورد على ابن زايد المرتد عن مرتكزات مبادرة السلام العربية، بأن خيار الضم مازال موجودا على طاولة الحكومة الإسرائيلية، وكذب الحاكم الضبياني الجاهل والأمي في تاريخ الدولة الصهيونية الكولونيالية.

كان المرء يراهن على مراجعة الشيخ محمد بن زايد لخيار التطبيع المجاني، ويعيد النظر في سياسة الارتماء الساذجة، وذات الخلفيات السطحية. لكنه لم يعد قادرا بعد أن وضع كل بيضه في السلة الأميركية الصهيونية، معتقدا أنه يستطيع تحقيق مكانة مميزة عند سادته، وتناسى أن رؤساء أميركا ليسوا أكثر من موظفين لمرحلة محددة، حتى لو تولى أي منهم الرئاسة لدورتين، وبالتالي الرهان على قادة وموظفي البيت الأبيض، هو رهان خاسر، والأكثر خسارة الرهان على القادة الصهاينة، الذين لا عهد لهم، ولا ضمير عندهم، ولا ضابط يحكمهم، ولا عقد أو اتفاق يلزمهم. ومع ذلك يوغل محمد بن زايد في الخيانة، ويهدد كل يوم مستقبل المنظومة العربية الرسمية، ويضر ضررا بالغا بالقضية الفلسطينية. ولذا لن تهادن القيادة الفلسطينية بن زايد، ولن تجامل كائنا من كان من الحكام العرب في حال تورطوا في ذات النهج والطريق الخياني.

m.a
Developed by: MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024