الرئيسة/  مقالات وتحليلات

استطلاعات الرأي تُسقط قضية فلسطين!

نشر بتاريخ: 2020-08-27 الساعة: 09:16

بكر أبوبكر

 ترى البعض من القادة يبخّسون بأهمية الرأي العام عامة، متبعين المثل العربي القديم الناس على دين ملوكهم، وبالتالي يبخّسون من استطلاعاته أيضا، ولسان حالهم يقول: نحن من نصنع الرأي العام وكأن الناس منعزلون عن محيطهم وحجم تأثراته العظيم! وغيرهم يستندون إلي الاستطلاعات كمرجعية في حملاتهم الإعلانية الحزبية أو المنظرة لمواقفهم وآرائهم.   

وفي جميع الأحوال فإن  لكل من يعيرون استطلاعات الرأي العام أهمية، أو الذين يبخّسون في قيمتها، ليس لهما كطرفين إلا احترام كثير من نتائج مراكز الاستطلاعات ليس لأنها تخدمهم حزبيا أوسلطويا، وإنما لأنها تزودهم بمادة خام، مادة أولية، بيانات، يستطيعون من خلالها أن يرسموا خطة تحرك أو استراتيجية مختلفة تجاه القضية التي أمامهم .

المثير فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية أنها فقدت معظم بريقها والألق نتيجة تحولات عالمية وعربية وإقليمية وطنية عظمى منذ زمن بعيد.

سقط ثوب القومية العربية عن اكتاف العرب بوفاة رافع لوائها الكبير، ودخلت "إسرائيل" الى البيت العربي مع زيارة السادات للقدس عام 1977، ثم دخلت في قلب البيت العربي مع قناة الجزيرة، وتم حرف الاهتمام الرئيس بالقضية عبرالتوجيه المنظّم للاهتمام بالعدو الجديد الذي صنعه أو ربّاه ونمّاه الأمريكان، أي العدو الاسلاموي المتطرف فتحالفوا مع  عرب الاعتدال ضد هذا العدو المخترع.

وسقط قبل ذلك المعسكر الشرقي الذي كان له الدعم الكبير لمسيرة الثورة الفلسطينية، ولم تعد الصين الجديدة قادرة على ممارسة دور رعاية القضايا الثورية لانشغالها بالتنمية الاقتصادية الرأسمالية في ظل نظام اشتراكي، كما كان للتفرد الأمريكي بالعالم، وتعمدها أسر وتطويع وإخضاع غالب الدول العربية لوهم قوتها التي لا تنكسر، وتقديمها "اسرائيل" كذراعها الأيمن أو قدمها بالمنطقة أو كطليعة جيشها وعقلها الالكتروني المتطور أن تراكض العرب وراء سراب ووهم "مصادقة" "إسرائيل" لكسب ودّ أمريكيا.

يمكننا الاسهاب في استعراض مجمل المتغيرات العربية والعالمية والاقليمية والداخلية الفلسطينية التي أضعفت مستوى النظر والتعامل مع القضية الفلسطينية، وخاصة مع تدمير الأمريكان والاستعماريين الجدد بوسائلهم المختلفة لحجارة القلعة العربية حجرا حجرًا منذ سلاح النفط عام 1973، وفي مرحلة لاحقة عبر استخدام أنظمة منها نظام صدام حسين.

 وبمجرد أن زال العراق القوي عن الخريطة (عام 2003)، و بعد تقاعد الجيش المصري عن مواجهة العدو (عام 1979م) كانت سوريا هي الهدف (عام 2011م) وتم التدمير الكامل للدولة وجيشها. ومن هنا يتضح حجم الدمار العربي -الذي الى جانب الفعل الأمريكي والخضوع العربي- لعب فيه العامل التركي والإيراني الدور السلبي الكبير جدا.

في التحليل لانحدار الأمة الكثير، وفي تذبذب أنظمة الحكم أو انحدارها وخذلانها لفلسطين سواء من الناحية الاسلامية أو القومية أو الاخلاقية يمكن قول الكثير.

الا أن التغيير لم يطل الأنظمة وقادتها فقط، للأسف، وانما طال فئتين أخريين هي فئة المفكرين والمثقفين والكتاب وعلماء الأمة، كما طال عموم الجماهير التي تشربت قيم الانبهار والخضوع اللذيذ، والاستتباع الاستعماري الاستهلاكي للغرب سواء باعوجاج لسانها العربي، أو بانحراف ثقافتها الأصيلة، وبتبنيها طريقة التفكيرالغربية المنقطعة عن جذورها الحضارية، أو انبهارها بالشعور الصفراء ومنتجات العيون الزرقاء الاستهلاكية.

إذن التغيير طال الجماهير أيضا، وهذه ملاحظات عامة واضحة بالنسبة لنا، ولكن ان تستند لاحصائيات واستطلاعات فوجب على أصحاب العقل والتفكير والرأي من الساسة والمثقفين أن يعيدوا النظر والتحليل ويعيدوا رسم خطتهم واستراتيجيتهم بل ويتوجب عليهم التغيير في الشخوص غير المتجددين بالفكر والعطاء، فالبلد والأمة وفلسطين أهم من كل الأشخاص والقيادات.

يقول جيمس زغبي مدير المعهد الامريكي العربي، ومدير مؤسسة زغبي للخدمات البحثية في أمريكا: (كانت فلسطين واحدة من الموضوعات الثابتة دوماً في الاستطلاعات، ففي عام 2002، على سبيل المثال، وجدنا أن هذه القضية احتلت، مع البطالة والرعاية الصحية، واحدة من نقاط الاهتمام السياسية الثلاثة العليا في معظم الدول العربية، خاصة في مصر والمملكة العربية السعودية، وظلت أولوية عليا حتى سنوات قليلة مضت).

ثم يعبر الأستاذ زغبي عن حجم دهشته من التغيير الفظيع عام 2019 من خلال استطلاع مؤسسته البحثية المختصة بقياس الرأي، وهو هنا يتكلم عن قياسه في العالم العربي، إذ يقول: (هذه المرة هالني التغير الكبير في الميول تجاه الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، لقد أصبح في الطبقة الدنيا من الأولويات في كل بلد)! ورغم أن العرب مازالوا يحمّلون "إسرائيل" وامريكا المسؤولية، ويدعمون مبادرة السلام العربية، ويلومون العرب على التقصير، إلا أن هناك كما يضيف: (خيبة أمل عميقة من السلطة الفلسطينية، وشعور بأن علاقات طبيعية إسرائيلية مع الدول العربية، قد تكسب بعض أوراق الضغط على "إسرائيل"، مما قد يساعد في الحصول على حقوق الشعب الفلسطيني)؟!

وفي استطلاع واستقراء لاحق لمركز الزغبي عام 2020 في الدول: (مصر والأردن وفلسطين والسعودية والإمارات، هذا بالإضافة إلى "إسرائيل".)

وضمن تحليله للبيانات يستنتج إن: (أكثريات في الدول العربية الخمس، ما عدا فلسطين،  يريدون استكشاف وسائل جديدة لإقناع الإسرائيليين بفوائد السلام مع الفلسطينيين، ولذا يفضلون بعضاً من العلاقات الطبيعية مع "إسرائيل" كوسيلة للخروج من المأزق)؟!

المفاجئ أيضا ما ذكره جيمس زغبي في سياق استطلاعات مركزه أن: (المثير للانتباه أن غالبيات كبيرة في مصر والأردن والإمارات، ذكرت أنه من المقبول لبعض الدول العربية أن تسعى في طريق العلاقات مع "إسرائيل" حتى من دون سلام.)؟!

لقد فعل التغيير في الآراء والتوجهات مفاعيله، ولا ننكر الدور الكبير للإعلام الموجه والاعلام الكتروني المتوحش من قبل الدول الرأسمالية وعلى رأسها أمريكا وقدمها أو يدها اليمنى في المنطقة دولة الاحتلال، وبعض متصهيني العرب عبر محطات الإشغال الكثيرة جدا بالثانوي على حساب الرئيس، أو ما ظنناه نحن أنه مازال الرئيس، وتحطيم فكرة الانتماء العربي أوالاسلامي أو المسيحي العربي كما تحطيم فكرة القدوة في السياق الحضاري العربي ما يسهل معه ضخ أفكار استهلاكية تؤدي للانهيار العربي.

لكن ذلك كله، لا يمنعنا من القول أن تقصيرنا نحن كبير كفلسطينيين قادة وكوادرومثقفين وجماهير، وكعرب وأن عدم قدرتنا على تلمس أو فهم المتغيرات أو فهم معنى التجديد أدى للتكلّس فينا، إضافة لإهمالنا الجماهير، وتحسّس توجهاتها ونبضها، وتبادل التأثير والتأثر فيها، فضاعت من بين أيدنا أوراق قوة كثيرة تستدعي إعادة النظر والتفكير وحسن التددبر ورسم الاستراتيجيات الجديدة.

m.a
Developed by: MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024