الرئيسة/  مقالات وتحليلات

نقاش هاديء لمقال عجيب!

نشر بتاريخ: 2020-08-23 الساعة: 08:58

بكر أبوبكر

في ردود الفعل على تطورات الموقف العربي من الاتفاق الاماراتي مع الإسرائيلي-الأمريكي تجد طيفًا من ردود الفعل ما بين الشاتم والمندد أو الشاتم والمؤيد، وفي الحالتين تبقى حالة الشتم هي الجامع بين المندّد والمؤيّد ما هو سياق تعبير غير عقلاني ومتطرف الى درجة قد تصبح القطيعة حالة مبررة في اللاحق من الأيام، ما لا يمثل مطلقا حالة الانتماء العروبي الجامع لنا، شاء من شاء وأبي من أبى.

في الاتجاه العقلاني والمعتدل نقرأ للمؤيدين والمعارضين بلا بذاءة أو سوقية أوغوغائية، ونحترم فيهم شخوصهم، وسيل أحبار أقلامهم حول فلسطين، رغم اتفاقنا أو اختلافنا الكبير معهم.

وفي الاتجاه الذي تتموضع فيه الآراء المحقّة حيث الرفض للاتفاق تجد في السياق العقلاني العديد من الأسانيد والحجج النابضة بالحياة، بل والبديهيات، والتي تكفي وحدها للتعامل مع الحدث الخطيئة دون أي حاجة بتاتاً للشتم والبذاءة في التعبير مهما كان الاختلاف فاقعًا وجليًا.

 ومن هذه الحجج-أوالبديهيات- أنه لو كانت القضية الفلسطينية هي قضية فلسطينية مع الاحتلال الإسرائيلي أي أن الصراع فلسطيني-إسرائيلي فلا يحق لأحد أن ينوب عن الفلسطينيين للحديث باسمهم.

وإن كان الصرع عربي إسرائيلي فإن الإطار الجامع للآراء الملزمة هي مقررات الجامعة العربية-ومن خلفها قرارات الأمم المتحدة-والتي أكدت في كل دوراتها وصولًا لدورة القدس في الظهران بالسعودية عام 2018 على مركزية القضية، وعلى مبادرة الرئيس أبومازن في الامم المتحدة، وعلى خطة السلام العربية للملك عبدالله بن عبدالعزيز عام 2002 التي تقرر قيام العلاقات العربية مع الإسرائيلي بعد استقلال دولة فلسطين.

أي أنه في الحالتين لن يتمكن أحد أن يدّعي تمثيل الفلسطينيين أو العرب حين يمدّ يده (للسلام) مع الاسرائيليين، وهو حينها يضلّل نفسه أو غيره كما يفعل عديد الكتاب أو (المثقفين) الذين يؤيدون التوجه الاماراتي الرسمي الأخير نحو الإسرائيلي!

 لكن الأدهي والأطم والامرّ أن يذكر أحد الكتاب الخليجيين في سياق دعوته للعقلانية والواقعية السياسية أن دولته قامت: (بتصحيح مسار السلام الذي توقف في محطة أوسلو)؟! يا له من استنتاج فاحش الخطأ، وقرارعجيب بناء على استنتاج فاحش الخطأ أيضا؟؟

الجملة السابقة للكاتب المثقف والمتعلم أعلاه تمثل خروجا فجّا عن العقل والمنطق، فمن خوّلك بداية تصحيح مسار السلام؟! نيابة عن العرب أو نيابة عن الفلسطينيين؟

وهل وصلت القضية الفلسطينية الى هذه الدرجة السخيفة التي يمكن لأي بلد أو مثقف أو كاتب أو سياسي أن يدعي أنه يمدّ يده للإسرائيلي المحتل تحت عباءة فلسطين ليقول أنا أصحح مسار السلام؟؟

وهذا على فرضية أن اتفاقية أوسلو جلبت سلاما أصلًا! هو في حقيقته اتفاق مرحلي -وليس دائمًا- دمرته القوات الصهيونية عام 1999 نهاية الفترة الانتقالية، ثم أتبعته بتدمير الضفة وغزة بعد ذلك عدا ما حصل قبل الانتفاضة في (كامب ديفد 2) من مطالبات بشطب القدس!.

أنت أو أي بلد هل يحق له أو لها أن تقول أنني أصحح مسار السلام! نيابة عن...؟ يا للهول!

هل ألغيت أو صححت اعتراف امريكا بالقدس عاصمة للكيان، أم لعلك ألغيت ضم الجولان، أم ألغيت قانون القومية العنصري ضد العرب! أم أوقفت تمدد المستعمرات!؟ أم عاهدوك على وقف القتل اليومي وهدم البيوت؟ أم ألغيت ضم القدس أيضا أو صححت الاختراق اليومي والتدنيس لباحات الأقصى؟؟ يا له من تصحيح!

إن مثل هذا القول العجيب والتحليل التائه كان الرئيس أبومازن قد ردّ عليه وعلى أمثاله في خطابه عندما أعلن أن زمن الحديث (نيابة) عن القضية الفلسطينية وعن قيادة الشعب الفلسطيني هو زمن قد ولّى، وقد صدق في ذلك، حيث خاضت الثورة حروبًا قاسية ضد منتزعي القرار الفلسطيني المستقل في إطار الحاضنة العربية الداعمة وكما أكد الرئيس أيضا.

مما قاله الاخ الرئيس أبومازن في 18/8/2020: (نقول لكل من يريد أن يتحدث نيابة عنا، أنت لست مسؤولًا عن القضية الفلسطينية، نحن فقط الفلسطينيون هنا الذين نتكلم باسم القضية الفلسطينية. صحيح أن القضية الفلسطينية، قضية عربية وإسلامية، وأنتم عليكم أن تساعدونا وأن تقفوا إلى جانبنا، لا أن تحلّوا محلنا، لا أحد يستطيع أن يحلّ محلنا، هذا الزمن ولّى من وقت طويل لن يعود إلى الوراء.)

المهم أن الدكتور الكاتب للمقال عندما يقول نصًّاً أن (بلده الإمارات) (قام بتصحيح مسار السلام الذي توقف...)!! يضع من الأسباب الغريبة العجيبة ما يجعل شعر رأسك يقف ويجعلك لا تستطيع الصمت مطلقا!

 إذ يقول ببساطة وسيولة عجيبة: (وحدوث ذلك بعد مؤشرات على رغبة "إسرائيل" في هذا السلام المنشود)!؟ لا أدري كيف شعر ب(رغبة "إسرائيل" في السلام المنشود)؟! وكل العالم يقف ضدها وضد ممارساتها العدوانية وتمنعها عن السلام مع عشرات قرارات الإدانة!

وكيف "لرغبة" الإسرائيلي الخفية التي شعر بها الكاتب أن تتحول لسياسة ولاتفاقات وليس الإرادة؟! وكيف لها ذلك ممن ليس معنِي أصلا بالموضوع؟!

وكيف لمثل هذه الكلام الرغائبي أن يستطيع الصمود في ظل آلاف الشهداء والأسرى والجرحى (من العرب والفلسطينيين) في الحروب العدوانية من الاحتلال ضدنا، وبشكل يومي على غزة والضفة؟! ومن 70 عاما حتى اليوم؟

فهل يستطيع أحد في بضع كلمات أو أمنيات أن يجمّل وجه الكيان الإسرائيلي القبيح ويبني تحليلا ثم موقفا ثم قراراً سيادياً –كما يسمونه- قبيحاً بناء على "رغبة"؟!

أم أن وجهة النظر هذه لا ترى شاشات القنوات ولا تضع أصبعا على أمهات عناوين الأخبار لتشير للقاتل الذي هو من يُعلن يوميا بكل صفاقة أنني القاتل؟

ولكن كما قال الخالق سبحانه (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۖ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46)-الحج).

إذن قام مقال صاحبنا ب(تصحيح مسار السلام) وأعاد القطار الى سكّته كما قال! لأنه رأي أو أحس برغبة الإسرائيلي بالسلام؟! وموضحا في مقابل نظرته هذه أن دولته أصبحت: (فاعلا سياسيا في العالم الأكبر من حولها، وهذا بحد ذاته عامل إيجابي لصالح القضية الفلسطينية المركزية لكل العرب)؟!

بالتالي نظرا للفعالية في العالم الأكبر حقّ له ولدولته أن تتوقع وتحلّل وتقرر أن ما تقوم به أي كان ومن خلف كل الأمة والمنظمة والقيادة هو لصالح القضية!؟ التي يركلها هو هنا بقدمه ككرة قدم فيسجل بها هدفا لمصالح دولته فقط، كان الأحرى به أن يذكرها-هذه المصالح- دون الإدعاء أن هذه الكرة قد سجلت هدفًا في ملعب فلسطين!

الكاتب ذاته ولاحقًا في ذات مقاله يشير أن: (أصحاب الحق أضاعوا الفرصة) لماذا؟ ليعود الى التاريخ المجتزأ بعيدًا عن كل العوامل والظروف والنسيج المختلف في تبسيط مخل ومضحك مبكي، يقول: (أضاع أصحاب الحق أنفسهم الفرصة الأولى لإنشاء دولة فلسطينية عام 1947، وهو ما أوصى به الملك حسين ]الحسين لم يكن ملكًا بعد حينها؟![ آنذاك، إلا أن المقترح رفض جملة وتفصيلاً،]رفضته كل الأمة حينها[ حتى طال العهد بمشروع السلام إلى هذه الساعة.)؟!

ويختم الدكتور مقاله العجيب بالإصرار على: (تصحيح مسار السلام  الذي توقف) بالقول: (فإذا كان الخليج قادراً في هذه اللحظة الحاسمة، للدفع بالقضية الفلسطينية وتحمل تبعاتها كواجب قومي ]؟؟![ تحتمه الظروف التي قد تتهيأ لمثل ذلك، فإن القيام بشيء لفلسطين خير من انتظار سنين أخرى لا نعلم بمَ تنتهِ وما ينتابها.)!؟

وكيف للقاطرة ،ممثلة بأي دولة عربية، أن تدعي (الواجب القومي) أي أن تقوم بالدور نيابة عن العرب جميعا، وهي تُخرج القطار الجامع عن سكته، بل وتحطم القطار العربي ممثلا بالجامعة العربية، التي تقود القاطرات جميعا؟

m.a
Developed by: MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024