الرئيسة/  مقالات وتحليلات

العنف .. أقوى مسرع لانهيار المجتمع

نشر بتاريخ: 2020-08-23 الساعة: 07:48

موفق مطر 

صدمنا مشهد تعذيب طفل رضيع على يد والده كما بدا في لقطات شريط فيديو منزلي انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي كانتشار النار في الهشيم حتى أن بعضنا خجل من كون  الوالد المجرم ينتمي لمجتمعنا الفلسطيني المبتلى بأعلى درجات وصور ومشاهد العنف ممن يعتقدون بضرورة فنائنا وانعدام وجودنا . 

 

نعتقد ان عنف وإرهاب المحتلين والمستوطنين العنصريين اليومي على اطفالنا ونسائنا وشيوخنا وشبابنا كاف لدفع كل فرد منا على اعادة النظر بمفاهيمه الاجتماعية  ومسئولياته كوالد أو زوج  أو أخ  ، والسعي لضبط سلوكه حتى لو اقتضى المعالجة الصحية والنفسية ، فالعنف قد نتفهم اسباب تفشيه  في مجتمعات تبدو الفوارق الطبقية فيها واضحة ، وكذلك التمييز العنصري على اساس اللون والعرق، وتنتشر فيه أمراض اجتماعية كتناول المخدرات ، وتقل فيه فرص العمل وتشتد فيه الضغوط النفسية على الفرد ما يدفعه للانحراف واللجوء الى العنف متعمدا او عن غير قصد ..لكننا في المقابل لا يمكننا تفهم عنف عم بين الرجال عموما وعنف ضحيته الطفل والمرأة خصوصا في مجتمعاتنا التي لطالما طمأنت نفسها بعيشها في اطار نظام اجتماعي تحميه مظلة اجتماعية يدعونها اعراف وتقاليد نبيلة ، تعلوها مظلة دينية سنامها السلام والعدل والحق. 

 

الطفل في المجتمعات المتحضرة المحكومة بالقوانين الراقية يعتبر ملك الدولة ، يحق لوالديه منحه اسميهما ، لكن لا يحق لي منهما  اهمال تربيته أو التقصير في رعايته نفسيا وصحيا ، وتأمين حقوقه في التعلم ، والعيش بكرامة ، وتوفير مناخ الحرية المتلائم مع عمره لتحريض مكامن الابداع عنده ، فالأمان والسلام  وسط العائلة القاعدة الأولى لإنشاء اسرة متماسكة آمنة بالعقلانية والحب تكون بمثابة لبنة في بناء مجتمع متراص قادر على الديمومة والخلق الحضاري وتحمل ضغط المتغيرات العالمية المنعكسة عليه جبراً ، أوصدها بإجراءات قانونية مسبقة تسد الثغرات كالفقر والظلم  والجهل والموروث اللا معقول التي قد تتحول جميعها الى نقاط ضعف تؤدي مع تراكمها الى انهيار البناء الاجتماعي أو تفريغه من مضمونه وإبقائه جاثما خاويا من معناه في احسن الحالات . 

 

تملك الدولة حق ابعاد والد الطفل عن بيت اسرته إن لم يكن بمستوى مسئولية اخلاقية سلوكية وصحية نفسية تؤهله للقيام بمهمته كوالد وأب في آن واحد ، وذات الأمر ينطبق على والدة الطفل اذا كانت دون القدرة على تحمل مسئولية الانجاب والتربية والرعاية من كل نواحيها ، وتؤول الحضانة الى أحدهما عندما تتأكد الجهات المختصة بانعدام قدرة أحد مكوني الاسرة على اداء واجبه المنوط به حسب القانون ، وقد تؤول الى مؤسسات خصصتها الدولة لحضانة الأطفال ورعايتهم حال ثبوت انعدام أهلية الوالدين، دون قطع الصلة مع الوالدين وبحث أسباب انهيار الاسرة مع سعي دؤوب لتوفير العلاجات النفسية الصحية اللازمة للوالد او الوالدة او كليهما لاستعادة الوضع الطبيعي للأطفال في اسرة سليمة السلوك والعواطف  والتربية .  

 

إن تسليم المجتمع بالعنف ضد الطفل والمرأة يعني التسليم بانهيار آجل لمجتمعنا آخذين بعين الاعتبار ضربات منظومة الاحتلال العنصري المنظمة والمبرمجة  لكياننا الاجتماعي ، الذي بدونه لا يمكننا رفع ركائز كياننا السياسي ، لذا لابد  من نظم تشريعات قانونية تحمي الأسرة ، وحق كل فرد فيها ، قوانين تضمن تطبيق شروط لابد من تحققها وتوفرها لدى طرفي عقد الزواج  قبل توثيقه وإقراره ، ففحص سلامة الدم وبلوغ السن القانونية للجنسين لا تكفي ، اذ يجب توفر شروط   اهمها  النجاح في امتحان نفسي وصحي  وثقافي بنسبة جيد جدا يضعها خبراء متخصصون ، يؤهل طرفي الزواج من دخول بيت الزوجية وتكوين اسرة سعيدة ، ولكن ليس قبل تأمين سبل عيش كريمة ودخل من عمل مستقر ، ورسم  مناهج تربوية  ثقافية اجتماعية عصرية يتعلمها افراد المجتمع من الجنسين ، تتوج بقوانين عادلة حامية ورادعة في آن واحد..فالعنف اقوى مسرع لانهيار المجتمع وتحويله الى ركام ، أما السلم فإنه اقوى مثبت لأركان المجتمع ورقيه ، وأحسن مورث للسعادة والأمان .   

 

m.a
Developed by: MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024