زمانُ لُكَع بن لُكع!
نشر بتاريخ: 2020-08-18 الساعة: 09:16بكر أبوبكر
ذهب الزمانُ الذي ارتبطت فيه القضية الفلسطينية بالمشاعر الدينية السامية.
وما عادت القدسُ مهبط أفئدة الأمة، وما عادت فلسطين الأرض المقدسة التي يصابر ويُرابط فيها المجاهدون.
ذهب زمانُ شدّ الرّحال الى القدس، فالقدسُ ما عادت القدس.
وذهب زمانُ
أعزّ مكانٍ في الدنا (الدنيا) سرجُ سابحٍ (خيل يسابق الريح)
وخيرُ جليسٍ في الزمان كتابُ!
سقط الكتابُ والسيف معا، فانتشر العمى والغُثاء.
ذهب الزمانُ الذي التفّت فيه الأمة لتنظر الى مسرى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم كواحد من أشرف وأطهر بقاع الأرض.
ظهر الأعورُ الدجال الذي يشكّك تحت حجج وذرائع مختلفة أن القدس والأقصى ما كانت طاهرة ولا مطهرة ولا مقدسة!
واعتلى المنبر من سمّمَ فكر الأمة وثقافتها وحضارتها، فاطلق النارعلى بُراق الرسول عليه الصلاة والسلام في القدس.
ذهب الزمانُ الذي كانت فيه الأمة العربية تنشد للبارودي:
بلادُ العُربِ أوطـــــــــــــــاني مــــنَ الشّـــــــــــــامِ لبغدانِ
ومن نجدٍ إلى يَمَــــــــــــــــنٍ إلى مِصــــــــــــــرَ فتطوانِ
فلا حدٌّ يباعدُنا ولا ديــــــــنٌ يفرّقنا لسان الضَّـــــادِ يجمعُنا بغسَّانٍ وعدنانِ
لنا مدنيّةُ سَـلفَـتْ سنُحييها وإنْ دُثرَتْ ولو في وجهنا وقفتْ دهاةُ الإنسِ والجانِ
فهبوا يا بني قومي إلى العـلياءِ بالعلمِ وغنوا يا بني أمّي بلادُ العُربِ أوطاني
ذهب مع النشيد العروبي الواحد زمان ]الأمة[ سواء الاسلامية أو العربية.
"كنتم خير أمة اخرجت للناس"، فذهبت الأمة التي استمرأت الفُرقة والتبعثر والعداوة والتباغض.
سقطت الأمة التي لم تصُن ذاتها، مع علوّ صوت المنكر العربي، والاسلامي بالتفاف الأفعى الصهيونية على مساحة الأمة الذبيحة الذاهلة المنبهرة النائمة، فذهب خيرُها مع الريح.
سقط متراس " الجسد الواحد يشدّ بعضه بعضًا" مع وفاة الكبار.
سقط جدار الأمة الاخير مع رحيل ميشيل عفلق (أبومحمد)، ووفاة جمال عبدالناصر، ووفاة د.محمد عمارة، ووفاة قسطنطين زريق وأنطوان سعادة، وياسر عرفات، وخالد الحسن، وحسن البنا، ومالك بن نبي وعلال الفاسي والشيخ حسن الترابي، والشيخ عبدالله السالم الصباح، وجواد علي وعلي الوردي، وفاطمة اسماعيل وهدى شعراوي وزها حديد، وعباس محمود العقاد ومحمد عابد الجابري وطه حسين.....، الذين اختلفوا واتفقوا ولكنهم لم يختلفوا على العلم، وعلى أخلاقية الخلاف كما لم يختلفوا على حق الأمة في فلسطين، وفي الوحدة والحرية والتقدم،
انتقلنا في هذا الزمن اللُكع من حُسن التدبّر والتآزر، والنظر للقضية المركزية نظرة واحدة الى مرحلة العمى الطوعي، والانسحاق اللذيذ تحت أقدام الرأسمالية الخادعة والصهيونية الماكرة، مع أطنان من الغباء القومي، وحرق الأرواح، والخساسة واللؤم.
قال عليه السلام: (لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَكُونَ أَسْعَدَ النَّاسِ بِالدُّنْيَا لُكَعُ ابْنُ لُكَعٍ).(واللُكَع هو الخسيس اللئيم أو العبد أو الأحمق الدنيء والسفلة من الناس حسب الحديث)
يا لهذه اللّكاعة التي أصابتنا بعد أن أطبق زمن الرويبضة علينا بأسنان التمساح ينهشُ الجسدَ كُلّه فيُدميه، ويكسرُ فيه العظام حتى يخيل للرائي أنه يحلم!
سقطت القضية المركزية!
فتحولت عبر دهاليز الزمن المرّ -بما فعلناه نحن بأنفسنا- الي شعارٍ تافه!
شعارٌ يتكرر ثم يتكرر ثم يتكرر، في القمم العربية ال48، ومنها بالقمة ما قبل الأخيرة (قمة القدس في الظهران-السعودية ٢٠١٨ التي أكدت على "مركزية القضية الفلسطينية"!!! )، يا للمهزلة!
ذهب الزمانُ الذي كان الصراع فيه بين مختلف الدول على أفضل الحلول المطلوب تبنيها من أجل فلسطين! والوحدة، والعدالة!
ذهب الزمانُ الذي كان الصراع فيه بين الزعماء والرؤساء والأحزاب، والكبار والسفلة بحق أو دون حق، على فلسطين.
أصبح الصراع اليوم على اللذائذ والمصالح والاستخذاء (الضعف والذّلة) لهذا المحور الإقليمي، أو لذاك المتسيّد في بيته الأسود!
تلكّع الزمانُ، فلم تعد دول اليوم ولا أحزابها ولا قادتها العِظام تنقسم بين محور القبول ومحور الرفض! من أجل فلسطين! القضية المركزية للامة!
ذهب الزمان الذي كانت فيه الرصاصات والأفكار والأراء تتوحد حين الحديث عن فلسطين ضمن وعي وفهم أن العدو الاسرائيلي لا يبغي احتلال فلسطين فقط، بل هو سيف الاستعمار البتار لاحتلال الأمة، أوتدميرها بإبقائها جريحة أسيرة، مفتتة مجزأة مبتورة الأعضاء...ذهب.
ذهب ذاك الزمانُ الجميل بخيره وشرّه، ضمن سياسة الدبلوماسية الحربائية الناعمة التي اتبعها الإسرائيلي فلفّ خيوطه المسمومة حول أنظمة العرب التي أستُخذيت!
قال عليه السلام:"لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء، حتى يأتيهم أمر الله. وهم كذلك"، قالوا: يا رسول الله وأين هم؟ قال: "ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس". صدق رسول الله.
ثم...باع المفكرون ضمائرهم، وروايتهم، وحضارتنا وتسلّوا بعدّ الدولارات.
وسلّم الأئمة مفاتيح المساجد للحاخامات!
لقد أسلمت الأمة لحيتها للإسرائيلي يجرّها من رقبتها دون لجام!
وبالت الثعالب على جثث المثقفين الذين استمرءوا تقيبل أقدام المحتلين.
سقط الساسة، والقادة والزعماء، وأهينت الأمة، وحارت وتشتّت، نامت وما قامت، ولكن عندما يسقط المفكرون والمثقفون والعلماء، ويتلكّعون يسقط جدار الأمة الحامي، الجدار الأخير.
m.a