السلام الإماراتي الإسرائيلي وشروط قراءته فلسطينياً
نشر بتاريخ: 2020-08-17 الساعة: 07:54بقلم: العميد أحمد عيسى
دولة الإمارات ليست الدولة العربية الأولى التي توقع اتفاقية سلام مع دولة إسرائيل، فقد سبقها في ذلك مصر العام 1979، ومنظمة التحرير الفلسطينية العام 1993، والمملكة الأردنية الهاشمية العام 1994.
وفيما نجحت هذه الاتفاقيات على الصعيدين المصري والأردني، إلا أنها وصلت لنقطة اللاعودة على المسار الفلسطيني، إذ استعادت مصر والأردن ما احتلته إسرائيل العام 1967 من أراض للبلدين، على إثر مفاوضات طويلة وشاقة جرت وفق مبدأ الأرض مقابل السلام وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، أما على الصعيد الفلسطيني فقد اتضح بعد ثلاثة عقود من توقيع اتفاق أوسلو وبدء المفاوضات بين الطرفين أن إسرائيل ليس بواردها صناعة سلام مع الفلسطينيين، بل غايتها فرض الاستسلام عليهم كما تجلى بوضوح في "صفقة القرن" التي كشف عنها البيت الأبيض في 28/1/2020.
ويكمن الفارق بين دولة الإمارات والأطراف الثلاثة التي وقعت اتفاقات سلام مع إسرائيل، أن الأولى ليست دولة من دول الطوق، إذ لا حدود جغرافية برية أو بحرية لها مع إسرائيل، ولم ينخرط شعب وجيش الإمارات في حرب مباشرة معها في اي من الحروب التي اندلعت في المنطقة ولا زالت متواصلة حتى يومنا هذا، ولم تخضع أراضيها يوماً للاحتلال العسكري الإسرائيلي كما مصر والأردن والفلسطينيين الذين لا زالوا يخضعون للاحتلال حتى يومنا هذا.
وعندما جنح المصريون والفلسطينيون والأردنيون لتسوية الصراع مع إسرائيل سياسياً، كان الدافع والمحرك الرئيس لهم في ذلك استعادة أراضيهم التي أحتلت خلال الحروب لا سيما حرب العام 1967، وقبلت إسرائيل بذلك ضمن مبدأ الأرض مقابل السلام، وقد دعمت لإمارات وغيرها من الدول العربية والإسلامية هذا الجنوح للسلام والتسوية السياسية للصراع من خلال مبادرة السلام العربية العام 2002، التي دعت أكثر من 50 دولة عربية واسلامية الى توقيع اتفاقات سلام مع إسرائيل مقابل انسحاب الأخيرة من كل الأراضي العربية التي أحتلتها بالقوة العسكرية العام 1967.
وعلى ذلك تكون الإمارات هي الدولة العربية الثالثة، والدولة الخليجية الأولى التي توقع اتفاقية سلام مع إسرائيل، والأهم أنها ستكون الدولة العربية الأولى التي تنقلب بهذا التوقيع على الرؤية المجمع عليها عربياً وإسلامياً ودولياً، لا سيما بعد قرار مجلس الأمن رقم (1515) العام 2003، الذي اعتمد مبادرة السلام العربية كأحد مرجعيات عملية التسوية السياسية للصراع في المنطقة.
وفي هذا الشأن ترى هذه المقالة أنه إذا كان هذا الانقلاب على الإجماع العربي نابع من رؤية إماراتية صرفة، يرى أوُلي الأمر فيها أنه يخدم مصالح البلاد والعباد، (وعلى الرغم مما في ذلك من مرارة)، فمن حكم في ماله ما ظلم، ما يعني أن الأمر يبقى شأنا إماراتيا سيادياً خالصاً، ولا يحق لغير الشعب الإماراتي الاعتراض عليه، الأمر الذي ينطبق على قطر وتركيا وغيرهم من الدول العربية والإسلامية، لمن يجادلون في ذلك محاولين بقصد أو بغير قصد إخفاء المصيبة الجلل المتضمنة في الاتفاق توقيتاً ومضموناً ومقصداً، أما إذا جرى هذا الانقلاب ضمن رؤية إماراتية قد جرى تطويرها مع جهات عربية وغير عربية بعيداً عن الشعب الفلسطيني ومؤسساته الشرعية، وأن غايتهم ومقصدهم ومبررهم في ذلك خدمة المصلحة الفلسطينية العليا على عكس ما يرى الشعب الفلسطيني، فهذا بلا شك تدخل علني سافر في الشأن الفلسطيني الداخلي، وتعدي علني صارخ على كرامة ووعي الشعب الفلسطيني، الأمر الذي يجعل من المشروع التساؤل، مَن الذي خولكم من الشعب الفلسطيني بذلك؟ ولمصلحة من هذا الانقلاب؟ وما هي تداعياته على الشعب الفلسطيني ومستقبله؟ وما هي الإجراءات الإماراتية المتوقعة في الساحة الفلسطينية الداخلية بعد توقيع الاتفاق رسمياً في واشنطن في الأسابيع الثلاثة القادمة؟ وأخيراً كيف سيحمي الفلسطينيون مستقبلهم الذي يريدون؟
وفي هذا الشأن تظهر قراءة البيان الثلاثي المشترك الذي تكون من 445 كلمة طبقاً لنسخته العربية، والذي أعلن عنه الرئيس ترامب يوم الخميس الموافق 13/8/2020 والذي أسماه اتفاق ابراهيم لمنحه صبغة دينية (الأمر الذي بحد ذاته لا يخل من دلالة) أن الاتفاق لا يدور حول المصلحة الإماراتية فقط، بل هو وفقاً لمنطوق النص اختراق ديبلوماسي تاريخي، لتعزيز السلام في الشرق الأوسط، والأهم أنه استمرار لجهود الطرفين (الإماراتي الإسرائيلي) للتوصل الى حل عادل وشامل ودائم للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وفقاً لرؤية الرئيس ترامب للسلام التي كشف عنها البيت الأبيض في يناير/كانون ثان الماضي، والتي رفضها الشعب الفلسطيني بقده وقديده.
وتأسيساً على ذلك يكون الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي ليس تدخلاً سافراً في تحديد المستقبل الفلسطيني وتصميماً إماراتياً إسرائيلياً أمريكياً على إملاء الصفقة على الشعب الفلسطيني وحسب، بل محاولة لسرقة الحلم الفلسطيني بمستقبل أفضل عمداً لا جهلاً أو خطأً.
وهنا أتساءل مرة أخرى، ألا ينطوي هذا الانقلاب على مشاركة إماراتية علنية لكل من الاحتلال الإسرائيلي وشريكه الأكبر أمريكا في مصادرة حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره ورفض ما يراه لا يخدم مصالحه؟ أليس في ذلك تجاوزاً إماراتياً واضحاً لكل مؤسسات الشعب الفلسطيني القيادية بل وعزلاً إماراتياً صريحاً لهذه المؤسسات؟ وفي الشأن ذاته، هل حقاً لا يلاحظ من راحوا يبررون خجلاً الانقلاب الإماراتي هذا بقياسه ومقارنته بسلوك غيرها من الدول العربية مع إسرائيل في الوقت الذي لا يجوز فيه القياس، أن هناك توافق أمريكي إماراتي بأن القيادة الفلسطينية في إعلان رفضها لصفقة القرن إنما تثبت أنها لا زالت حبيسة أفكار ومعتقدات قديمة عفا عليها الزمن؟ وفقاً لقول السيد كوشنير في أحد مقابلاته النادرة مع الصحفي الأمريكي جوناثان سوان، بتاريخ 3/6/2019 على موقع Axios الأمريكي الشهير، فضلاً عن التوافق الإماراتي مع أقوال السفير الأمريكي في تل أبيب دافيد فريدمان، لصحيفة نيويورك تايمز بتاريخ 8/6/2019، التي قال فيها "القيادة الفلسطينية الحالية برفضها لصفقة القرن تكون قد نصبت نفسها عقبة جدية أمام تحسين حياة الفلسطينيين، وعليها أن تفهم أن ليس لديها فيتو ضد مسار التحول في المنطقة".
ثم هل حقاً لم يلاحظ هؤلاء حجم السعادة والارتياح التي عبر عنها ممثلي الدولة العميقة في إسرائيل عقب إعلان تلاوة البيان الثلاتي بقول الجنرال عاموس يادلين، في تغريدة له على حسابه الخاص في تويتر يوم الخميس الموافق 13/8/2020 "سيمكن الاتفاق إسرائيل من تركيز قدراتها وإمكانياتها لمواجهة تهديدات الأمن القومي الجدية التي تهددها، والتي تتمثل بتدهور الاقتصاد ووباء كورونا وإيران وحزب الله وحركة حماس في غزة".
في ظني أن ما تقدم يكفي لإثبات أن الانقلاب الإماراتي على الإجماع العربي قد صمم لخدمة المصلحة الإسرائيلية لا الفلسطينية، كما أن ما تقدم يكفي لكشف أن الأولوية الآن هي لاستنبات قيادة فلسطينية تفكر بلغة العصر وفق معيار كوشنير، ولا تكون عقبة أمام تحسين شروط حياة الفلسطينيين وفق معيار فريدمان.
لا تنسوا أيها السادة أن هذه المعايير هي نسخة مكررة من المعايير التي وضعها الرئيس جورج بوش الابن العام 2002، لدعم أمريكا مطلب الفلسطينيين بدولة مستقلة، وكان بوش قد اضاف عليها معيار عدم الانخراط وتشجيع (الإرهاب)، الأمر الذي دفع البعض من بين ظهرانينا بالانقلاب على الراحل عرفات مما مهد لقتله ورحيله شهيداً، الفارق هذه المرة أن المعايير هنا جرى تبنيها واعتمادها إماراتيا وعربياً ولم تبق أمريكية، وأجزم هنا أن هذا هو عنوان القادم من الأيام، وهذا هو التحدي الأساس أمام الشعب الفلسطيني، وهنا يجب أن يتركز الجدل والحوار الفلسطيني لكل من لم يفقد بصيرته بعد.
المدير العام السابق لمعهد فلسطين لأبحاث الأمن القومي
m.a