الشباب في مناظرة التطرف وفقدان الهوية
نشر بتاريخ: 2020-08-16 الساعة: 09:55بكر أبوبكر
أين نقف من العنف المستشري في المجتمعات عامة شرقا وغربا؟ وأين نقف من الاتجاه الشبابي المتزايد نحو العنف، وكأنه "موضة" يتم التزيّن بها في مواجهة الآخرين؟ وهل لنا من الامكانيات لوقف التدهور؟
وربما عشرات الأسئلة الأخرى تثورعند كل حادثة عنف، أو فلتان أمني، أو إرهاب سواء في أمريكا الموبوءة بالعنف أو استراليا أو في آسيا أو في أوربا، وفي منطقتنا العربية كما في أوغندا وميانمار والهند وأكرانيا ودول البلقان وغيرها.
في التأمل بالعنف بأشكاله سواء اللفظي أوالجسدي أو غيره من الممكن أن نقرأ حالة من الحيرة وربما التشتت والتفكك لدى فئات عدة بالمجتمعات أبرزها الشباب في مرحلة البحث عن النفس، مرحلة القلق على الدور واستكشاف المستقبل والرغبة بإظهار الذات والتميز لا سيما في ظل التعدد الثقافي وانتشاره في كل مكان وسهولة الوصول له، وفي ظل تنوع المداخل ولربما مع افتقاد البوصلة الصحيحة ما يجعل من الحيرة منطقة مظلمة قد تشكل جسرًا نحو التعصب او التطرف.
فقدان الهوية
في صراع القديم والجديد في نفس الانسان جدل وقلق وأرق، وكلّه من مظاهر فقدان الهوية باعتقادي، فالهويات اليوم أصبحت متصادمة وكثيرة العدد لو صنّفنا المنظمات الكثيرة التي ينخرط فيها الشخص ومجموعات وسائل التواصل الاجتماعي القلِقة في السياق، والتي تحفّز الآخر ليكون له الدور، والظهور والبروز، فكيف يكون ضمن جماعة ويكون متميّزا بذاته وبجماعته عن الآخرين وما حدود العلاقات بين الجماعات؟ وكيف الخروج من دائرة المعاني والرموز لدائرة الإيمان والقناعة التي تدخل فيها أبعادٌ تربوية ودينية وقيمية أخلاقية كثيرة ولكن رابطها الرئيس هو رحلة البحث عن الذات وعن الهوية.
الفوضى القيمية
في هذا الزمان يعيش الناس وبين أيديهم وسائل يستطيعون عبرها أن ينقضوا الموروث المستقر، فلم يعد من المخفي الكثير ولم يعد التعليم التقليدي يفي بالغرض، لأنه واقع تحت تأثير محرّكات البحث على الشابكة، التي تكشف فتثير وفي سياقات البحث يظهر لنا تنظيرات صراع الحضارات لا حوارها، ويظهر لنا قيم رفض الآخر كما قيم التواصل الحِدّية التي تسوّر نفسها وتعزل ذاتها حتى لو كانت منفتحة بالآلة على العالم، فتصبح الوسيلة (الاتصالية) نقمة تقوقع وليس نعمة اتصال وانفتاح وتقبّل، ولنضيف للعامل القيمي والروحي ضعف الوازع الديني في ظل عداء الخطاب التقليدي مع متغيرات الدنيا، فلم يعد لدى رجل الدين التقليدي الخطاب من المقدرة والتأثير كما اليوم للمغني أو الممثل أو مقدم البرامج أو لشريط قصير أولجملة انفعالية على فيسبوك!
الخلل في الأدوار
بالاضافة لفقدان الهوية أو البحث المحموم عن الذات وبالإضافة للفوضى القِيمية-الأخلاقية والروحية فإننا نجد مساحة الخلل في الأدوار تتجاوز الكثير من الشخوص والأفراد والمؤسسات سواء في البيت أو المدرسة، أو لدى أهل الرأي فلم تعد الأسرة الحاضنة لوحدها وضعف دور المدرسة التربوي، وتضخمت أدوار أخرى جديدة منها دور المنظمات المجتمعية والمجموعات الافتراضية (على الشابكة والتطبيقات) ودور الاحزاب الشعبوية لا سيما تلك التي ترمي شباكها ليس نحو روح المواطن وقلبه وعقله، وإنما نحو رغباته ونوازعه، فتخاطب أسوأ ما فيها، وهنا يصبح دور السياسييين وقادة الرأي دور الصياد في الماء العكر بانتهازيته وتناقضاته (وشعبويته) التي تبيح له ما لا يبيحه لغيره، وتتيح له التواصل في سدّة الحكم الحزبي أو السلطة او على رقاب الناس ومثل هذه الفئة في ظل ضعف الأيديولوجيات والأفكار التقاربية وقيم الحب والتجاذب تصبح ذات شوكة وغلَبَة وتصبح ذكية الاستغلال للنوازع الشعبوية سواء الدينية أوالقومية أو العشائرية أوالعلمانية الاقصائية أو غيرها.
m.a