ذكرى ميلاد الزعيم الراحل
نشر بتاريخ: 2020-08-05 الساعة: 17:55عمر حلمي الغول
هناك اشخاص في التاريخ يتركون بصمة دامغة في حياة شعوبهم والبشرية، ولا يقبلون ان يكونوا رقما عاديا، بل يقفون في صدارة المشهد في مرحلة تاريخية محددة. وتلعب الكاريزما الشخصية، بالإضافة لتميزهم في إدارة المعارك الوطنية او الطبقية، وفي إمساكهم دوما بالحلقة الرئيسية من حلقات الصراع في مواجهة الأعداء، وفي تقريب وتعزيز المسافات مع الأصدقاء والحلفاء، ومن خلال الذكاء الفطري والإبداع في تدوير الزوايا، واستشراف المستقبل، والتقاط المفاتيح الأساسية لحل المعضلات، والخروج من دوامة الأزمات بأقل الخسائر الممكنة، كل ما تقدم من عوامل تلعب دورا هاما في تكريسهم كزعماء للأمم والشعوب والحركات التحررية أو الإجتماعية.
محمد عبد الرؤوف عرفات القدوة الحسيني، المكني بياسر عرفات، والمولود في الرابع من آب/ اغسطس 1929 في القاهرة، واحد من هؤلاء المميزين، والذين تمثلوا دور القيادة منذ وعي دوره في الحياة، وأدرك مسؤولياته الشخصية والوطنية والقومية، وضع نصب عينيه إنتزاع مكانة القائد الأول للشعب الفلسطيني، ومنذ اسس رابطة الطلاب الفلسطينيين في مصر في الخمسينيات من القرن الماضي، وتأسيس حركة فتح مع اقرانه في اللجنة المركزية، وفي إلتقاطه لحظة تاريخية هامة دون غيرها في إطلاق شرارة الثورة مطلع العام 1965، والأهم من ذلك إنتزاع السيطرة على منظمة التحرير بالجدارة، وبالقدرة على تقديم الذات والحركة كعنوان لقيادة الشعب العربي الفلسطيني، مستفيدا من تعثر وإرباك القوى الوطنية والقومية الأخرى، وإضاعتها الفرصة من بين يديها، فكان السباق لإغتنام تلك الفرصة الذهبية، التي لن تتكرر ثانية، ووضع يده مع القوة العربية الأكثر تأثيرا في المشهد القومي، مع زعيم الثورة الناصرية البطل، جمال عبد الناصر، الذي خرج من هزيمة حزيران / يونيو 1967 أقوى، وأكثر حضورا في المشهدين الوطني والقومي، رغم مرارة الهزيمة.
ومع ذلك ابو عمار المبدع في إدارة الصراع لم يعادِ أحدا سوى العدو الصهيوني، والعبقري في فن التكتيك والمناورة، لم يناصب اي من الأنظمة العربية العداء، مع انهم لم يكونوا بالمجمل معجبين به، ولا بدوره، ولا بالثورة الفلسطينية، التي كسرت الكثير من النواميس والأقانيم في المنظومة الرسمية العربية، وثبت مقولة ومبدأ "عدم التدخل في الشؤون الداخلية العربية." مع انه يعلم علم اليقين انهم جميعا، وكل من موقعه وحساباته سعى ومازال يسعى بعضم حتى يوم الدنيا هذا، حتى بعد رحيل القائد المؤسس عرفات للهيمنة على مركز القرار الفلسطيني، لإستخدام الورقة الفلسطينية في الحسابات الصغيرة. وتمكن من اللعب في المسرح العربي المتماوج، والمتعدد المستويات والحسابات، ونجح في الخروج من عنق الزجاجة الف مرة، حتى في ايلول الأسود 1970، ورغم إحتدام الصراع مع النظام الأردني آنذاك، وبفضل الدعم العربي الرسمي وخاصة نظام عبد الناصر، تمكن من الحروج من الأزمة، وأعاد لاحقا العلاقات الأردنية الفلسطينية إلى سابق عهدها، وافضل، ورد الصاع صاعين للكثير من الأنظمة دون فتح معارك معهم، حتى من فتحوا معارك معه ومع قيادته، سعى بهدوء المقتدر لتجسير العلاقات معهم، ولم يقاطعهم، ولم يكسر الزجاج الذي يمشي عليه.
وفي لبنان قاد الثورة بنجاح، رغم الأخطاء والمثالب الصغيرة والكبيرة، التي وقعت فيها الثورة خلال وجودها على الساحة اللبنانية من بعد هزيمة حزيران / يونيو 1967، ووقع إتفاق القاهرة مع الرئيس شارل الحلو1969، وخاض الحرب الأهلية مرغما ضد القوى الإنعزالية، لإنهم فرضوا الحرب على الثورة تنفيذا للمخطط الصهيو أميركي لتصفيتها، وأسس مع القائد اللبناني القومي الراحل كمال جنبلاط القيادة الفلسطينية اللبنانية المشتركة، وصمد بمواجهة الجيش الإسرائيلي المجوقل في إجتياح العام 1982 بعد 88 يوما من اطول حرب عربية إسرائيلية، وأكد للعالم انه سيعود لفلسطين، وفعلا بعد إشتعال شرارة الثورة في الثورة (الإنتفاضة الكبرة) 1987حتى 1993 في الضفة بما فيها العاصمة الأبدية القدس وقطاع غزة تمكن من العودة على ارضية إتفاق أوسلو البائس. وهو يعلم انه اتفاق ناقص ومثلوم، لكنه شاء أن يثبت الشعب الفلسطيني على خارطة الجيوبوليتك في الإقليم، وأكمل الرئيس محمود عباس المهام القيادية، وتمكن من تجاوز العديد من مثالب اوسلو مع الحصول على القرار الأممي 67/19 في نوفمبر 2012، الذي إعترف بفلسطين دولة مراقب، وكذلك تم إنتزاع العديد من القرارات الأممية لصالح القضية والشعب.
في ذكرى رحيل ياسر عرفات تنحني الهامات الوطنية والقومية عرفانا بدوره التاريخي في قيادة الثورة الفلسطينية المعاصر، وتحقيق العديد من الإنجازات الوطنية الهامة. وسيبقى اسم ومكانة ورمزية ابو عمار عالية شامخة، تعكس إسطورية الرجل وشجاعته ودهاؤه السياسي. ولا قيمة لسجل البطولة والكفاح التحرري دون تسييد الشهيد الرمز ياسر عرفات رأس القائمة.
m.a