الرئيسة/  مقالات وتحليلات

نحن في عيون الاسرائليين

نشر بتاريخ: 2020-07-16 الساعة: 10:38

نحن في عيون الاسرائليين


"اسرائيل لا تشكل خطراً عل نفسها وسكانها فحسب، بل على اليهود كافة وعلى الشعوب والدول الاخرى في الشرق الاوسط وما وراءه".
لم يحاكم قائل هذه العباره بتهمه معادة السامية، ولم تلتصق جذوره بالنازيه كما حصل للكاتب الفرنسي روجيه غارودي ، الذي اعتبر ان اسرائيل انما قامت على اساطير، اثبت علماء الاثار اليهود الجدد بطلانها، انها مقولة اطلقها الكاتب  الاسرائيلي عالم الفيزياء النووية، اسرائيل شاحاك، الذي لم يكتفي فقط بفضح اسرائيل وسياستها، بل هجرها الى حيث يبحث عن ذاته في فضاء يكسر فيه اغلال العقل التي تحاول اسرائيل ، تكبيل مواطنيها بها. وكغيره، سلط شاحاك الضوء على دولة الاستعلاء القومي والتطرف الديني وما تمثله من خطر على قيم العالم الحر، وليس اوضح مثالاً على هذا الاستعلاء ، من مقولة رددها نتنياهو في كتابه (  مكان تحت الشمس) على لسان احد الحاخامات، حيث اورد ان اعظم زعماء المانيا فرديك الاكبر ، الذي لم يكن ايمانه بالله يقينيا ، قد طلب من طبيبه ان يأتيه بدليل لا يقبل الشك على وجود الخالق، فقال له بلغه الواثق ( وجود اليهود) ، نعم وجود اليهود دليل لكل المتشككين بوجود الله، هكذا يراها نتنياهو وغيره من صانعي الاساطير والخرافات ، فاليهود في منزلة فوق البشر ولكنها اقل قليلاً من الاله، فهم كادونيس الفينيقي نصف بشر ونصف آله، ينتصرون على اعدائهم كلما كانوا اقرب الى يهوه، ويعاقبوا كلما ابتعدوا، فاسرائيل فشلت في حرب لبنان لانها فقط برأي الحاخام دووف ليور استحقت ذلك بجداره كعقاب من الله لانها سلمت جزءاً من ارض اسرائيل للمصريين في مفاوضات كامب ديفيد ، ورابين قتل لانه خالف شرائع السماء وتعاليم الرب فارسل له ملاكاً على هيئة ايغال امير.
في بداية السبعينيات من القرن الماضي علق عالم الاجتماع تامارين على قرار فصله من جامعة تل ابيب " لم اكن اتخيل ان اكون اخر ضحايا يشوع بن نون" حيث لم يكن فصله الا نتيجة بحث اكاديمي ، قام به في منتصف الستينات اثبت فيه خطورة التعليم الايدلوجي في رسم صورة نمطية للاخر، تقوم على الازدراء والعنف، حيث قدم نتائج دراسته لجامعته فتم فصله، لانه قد شكل خطراً على مبادىء الدولة وقيمها وموروثها الثقافي، بما يشكل مساساً لا يسمح به لجوهر الثقافة اليهودية، ونفياُ للاساطير المؤسسة لدولة الديمقراطية الحديثة، وفي ظل هذه المنظومة الايدلوجية الخطرة، كان لا بد للفلسطيني ان يبحث عن صورته في ايدلوجيا الدولة التي لطالما حرضت على المناهج الفلسطينية، بادعائها انها لا تنشر قيم التسامح، وتقوم على الكراهية، وتشجع على العنف ، ولم تقف عند هذا الحد في التحريض ، بل اتهمت الرئيس ابو مازن بممارسة الارهاب الدبلوماسي، وان المفتي امين الحسيني كان مولعاً بالنازية ومتعاون معها، اتهامات اطلقها نتنياهو ليعيد تعريف الارهاب ليكون وصفاً لكل من يعتقد ان له حق على هذه الارض، او جذور تاريخية، او مصاب بداء الامل بالخلاص من الاحتلال، وربما قريباً ستلصق هذه التهمة بكل من لا يمجد يهوه وبدائعه عل الارض ، وشعبه المختار، وحكومته الربانية ودواوود الجديد بنيامين نتنياهو .
ان دولة اسرائيل في عالم الحداثة، تمارس عملية تأطير ثقافي ايدلوجي، بهدف تشكيل ادراكات المجتمع اتجاه الاخرين، من خلال مكننة النشء ضمن ثنائية ( نحن والاغيار)، وما يحكمها من علاقة تقوم على عنصرية العرق والعنف المقدس، الذي لا يتم برضا الرب، بل بأمر منه، فيرسل يهوه ملائكته جنوداً من لدنه، ويشترك بنفسه في القتال كما جاء في اكثر من موضع في الاسفار المقدسة ( لنسلك اعطي هذه الارض واسير امامك ملاكاً واطرد الكنعانيين واليبوسيين والحثيين ...الخ).
وقد اعادت المدرسة الدينية في اسرائيل انتاج ثقافتها ضمن ثابت اصيل، وهو تعاليم الحاخامات، والتي شكلت جوهر الانتاجات الفكرية كافة، من سياسة وادب وفكر، لانتاج رواية صهيونية يقول عنها الاديب الشهيد غسان كنفاني: " ان الرواية الصهيونية لا تضخم الحقائق وتنفخها بالمبالغة فقط، بل تخترعها ايضاً)، اذا من نحن في نظر دولة تخشى على وجودها منا ، وتلبس ثوب الضحية ، وتحاول ان تسوقنا للعالم، حيناً ارهابيبن وحيناً اخر فاسدين  وفي كل الاحوال متخلفين وبدائيين، نحتاج دوماً لاوصياء او مؤدبين، ويجيب نتنياهو على ذلك مؤكداً ما قاله الاب الروحي لما يسمى بالصهيونية التصحيحية جابوتنسكي ( ان بريطانيا التي قد اصابها داء السامية، حين انتزعت 80% من ارض اسرائيل الانتدابية ومنحتها للهاشميين لاقامة امارة شرق الاردن ، واذا اردتم سلاماً في هذه المنطقة بالرغم من الظلم التاريخي الذي الحقته بريطانيا باليهود، على العالم ان يعترف ان في هذه الارض شعبين، وان الحل هو وجود دولتين لشعبين الشعب العربي شرق النهر ، واليهودي غربه ، دون ان نسمح لقيام دولة في المنطقة الفاصلة بين الدولة اليهودية والعربية)، وبرأي نتنياهو ان غرب الاردن كانت خاليه الا من بعض التجمعات البدوية، وقد وجدت طلائع المهاجرين اليهود اريحا حين دخلوها متجهين نحو الغرب تماماً كما تركها يشوع بن نون، ولا ينسى نتنياهو ان يفسر زيادة اعداد العرب الفلسطينيين خلال هذه الفترة بالمقارنة مع اليهود ، عازياً ذلك لهجرات من شبه الجزيرة العربية، للعمل في المستوطنات الاسرائيلية، في ظل ازدهار الاقتصاد اليهودي النشط الذي رافق تعمير وبناء هذه الارض.
لم تستخدم اسرائيل السياسة فقط كأداة في نفي الاخر، او الصاق التهم به، بل وظفت الادب والدين ايضاً في تشكيل الصورة النمطية لما يسمى بالاغيار او ( الغويم)، فبالرغم من كون الادب في مختلف المجتمعات المتحضرة، تعبيراً عن قيم وجدانية انسانية تسمو فوق الايدلوجيا وتتجاوز حدود السياسة، الا ان الكثير من الادب الاسرائيلي وظف في انتاج صورة مشوهة للاخر ،فقد ذكر الكاتب الاسرائيلي ايلي فودا عشرات القصص والروايات الادبية، التي قادت لتشكيل هذه الصورة لدى النشء في اسرائيل ، مثل قصه خربه خزعة ( قريه افتراضية تمثل جغرافيا وتاريخ الفلسطينيين)، التي وصفها حنان حيفر بانها عمل يحمل في ثناياه تناقض صريح، فمن جهه تتعاطف مع الضحية، ومن جهه اخرى تصف العربي بالبدائي والجبان، فالعرب حسب صاحب الرواية يزهار سميلانسكي ضابط الاستخبارات وعضو الكنيست عن حزب مباي اليساري، ومؤيد الحكم العسكري ضد اهلنا في الداخل، هم بدائيين وجبناء، لم يقاتلوا خلال حرب( الاستقلال )، كانوا يهربون كلما تقدم المقاتلين اليهود، ويعود لتعزيز هذه الصورة في روايته الاسير، التي صورت العربي كمهزوم ومستسلم من خلال صورة الاسير بطل القصة الذي لم يجد كاتبها فرقاً بينه وبين الحمار الذي يملكه، فلا يعرف ماذا يدور حوله، ولا يعرف سنوات عمره، وهي ذات السمات التي حملتها ايضاً رواية ناتان شاحيم، ( خريف اخضر)، التي تتحدث عن اسير اخر كان بدائياً يصر على تقبيل ايادي الجنود، ويبوح باسرار بلده دون ان يطلب منه احداً، قبل ان يقرر الجنود ان لهذا العربي بالرغم من ذلك دور ووظيفة، فيلحقوه بمجموعة كلاب بوليسية لكشف الالغام، فينفجر فيه لغماً فيموت.
هذا العربي الجبان، في الادب الاسرائيلي هو امتداد لصورة الكنعاني، الذي لم يكن فقط جباناً بل مخادعاً وكذاباً ايضا، وهي صورة ذكرها سفر يشوع للكنعانيين المستسلمين، في معركة جبعون ( بين رام الله والقدس) حين اوهموا الفاتحين اليهود انهم ليسوا من اهل البلاد، بل من سكانها جاءوا بحثا عن رزقهم ، قبل ان يكتشف الحقيقه فيسوقهم عبيداً لبني اسرائيل، وهي ايضاً امتداد لصورة الفلسطيني  جوليات العملاق ، الذي لم يكن الا نمراً من ورق ،قتله فتى يهودي يافع اعزل الا من مقلاع وبعضاً من حجارة الوادي.
ان مختلف القصص والروايات والاساطير التي تأسست عليها اسرائيل، قد أُخذت من موروث ثقافي ، ما زال يحكم السياسة الاسرائيلية، ويحدد سماتها فكما اليهودي في منزلة بين الإله والبشر، فان الاغيار كما جاء على لسان موشيه بن ميمون مؤلف مشناه التوراه والذي عاش مكرماً بين رعايا الدولة الايوبيه في مصر، هم في منزلة بين البشر والقرد، فهم من حيث الشكل اقرب للبشر ومن حيث القيمة اشبه بالقرد، لانهم حسب بن ميمون لا يمكن ان يقتربوا من القيمة الدينية او ان يمنحهم الله هبة الايمان، فهل يا ترى دولة ما زالت تستند على انتاجات فكرية وادبية وسياسية وفق منظومة عنصرية استعلائية ، يمكن ان تمثل قيماً مشتركة مع عالم متحضر كما وصفها نائب الرئيس الامريكي بنس ؟ دون ان نغفل ان هناك من يشاركها قيمها من اليمين الامريكي وبعض حلفائه.
15/7/2020

 

m.a
Developed by: MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024