الرئيسة/  مقالات وتحليلات

لماذا لا أنام؟

نشر بتاريخ: 2020-07-16 الساعة: 10:21

 بكر أبوبكر

كلما حاولت النوم أجدُ صدّا من جسدي والعيون، وكأن عيوني مفتوحة على نهار طويل يرفض أن يلِج في الليل ماهو شغله! أو كأنك -وأنت في السرير-في مواجهة شمس تأبى المغيب.

قلق النوم لدي ارتبط بأوجاع جسدية كثيرة من الكتفين حتى الكعبين، تأتي وتذهب! ولحسن الحظ  أنها لاتأتي كلها معًا.

فعندما تشعر بالإبرة تخترقك وبألمِها المضاعف حين تدخل كتفك الأيمن تكون قدماك في احترارٍ شديد. وعندما تدخل الابرة الطويلة أو قضيب الحديد الساخن كلّه في ساقك اليسرى لا يكون قد دخل يدك اليمنى!

وعندما يصيبك وجع الرأس بأحد أنواعه قد لايترافق مع سخونة القدمين أو برودتها وفي هذا نعمة، والحمد لله.

وعندما تشعر بحرارة طاغية تلفّ كامل الجسد تخجل الأوجاع الأخرى عن الظهور! فتختفي مؤقتًا.

وقد ترى غيرك يستشعر من الأوجاع الجسدية ما لم تخبره أنت، أما إن كنت ممن يترددون على الحمام ليلًا للتبول كل ساعتين أو ثلاث، أو ممن يتحسسون من أدنى الأصوات درجة، فلك الله.

الأوجاع الجسدية المقلِقة والمهدِدة للنفس بعدم النوم قد يكون مفهومًا أمرها، أما تلك العقلية أوالنفسية أوالروحية فهي من الصعوبة بمكان بحيث أنك تجتهد لتقفل مسارها استعدادًا للنوم ولكن هيهات! يصبح النوم عليك عزيز ليلحق بالغول والعنقاء والخل الوفي!

أنت لا تنام إن تراكبت عليك الهموم أو الطنون أوالمشاغل أو الاحزان أو الاحباطات من صديقك أو عملك أو زوجك أو مدرستك أو طلابك أو مديرك أو قضيتك، أوغير ذلك، فيضجّ دماغك النشِط بالصور الكئيبة الكثيفة كما يعجّ بالاحتمالات السلبية فقط! فكيف تنام؟

يبدأ عقلك بالدوران في متتالية حزن يجرّ حزنًا، وألم يداعب ألمًا، وفكرة تنكح أختها فتولد فكرة أكثر إيلاما من الأولى وهكذا دواليك حتى لا يحتمل دماغك كل هذه الأفكار، فتغلق معها بوابة الظلمة المؤدية للنوم بيديك.

قد لاتنام لسبب انفتاح أكثر من بوابة أو ملف من ملفات ذاكرتك، أو يومك، فإذا انفتحت بوابة التفكير وتقليب الأمر على أوجهه فأنت قد خرجت من نطاق الإظلام المتوجب أن يكون بُعيد النوم من خلال إسدال الستائر على ملفات التفكير، فلم تستطع.

وإذا انفتحت بوابة المشاعر المرتبطة بموقف أو مواقف، بشخص أوأشخاص، برغبة غير متحققة فعليك السلام سيجتاج جسدك الاضطرابُ الذي يغلق معه بوابة الإظلام الجميلة فتواجه الشمس وضوء النهار في عقلك، وأنت كنت تحاول الاستعداد للنوم فلا تنال بُغيتك.

بوابة النهار في ذهنك وكامل جسدك قد تنفتح هكذا فجأة وأنت تحاول فتح بوابة الليل استعدادًا للنوم في موعد ساعتك الحيوية (البيولوجية) فلاتدري لماذا انفتحت؟ وعليه لاتعلم كيف تغلقها فتواجه النهار بطوله وعرضه في معركة خاسرة، فذهنك ملتهبٌ يقظٌ لايكف عن الدوران.

هناك من البوابات المتوقع أن فتحها قد يغلق نهارات عقلك مثل البوابات المؤدية لملفات الذكريات السعيدة فإن وصلتها وانغمرت فيها فأنت سعيد. وإن وصلت ملفات المشاعر الودودة فأنت ملك. وكيف لك ذلك وسيل التوجّس أو الترقب أو السلبية ينخر عظامك ويفعل في جسدك الأفاعيل؟

وإن فتحت ملفات الأحلام التي راودتك عبر حياتك وخُزّنت في مجلد ضخم في ذهنك فتنقلت بينها متخيرًا الأجمل -وهذا حقك- طلبًا للراحة والهدوء وصولا لبوابة النوم فهذه بداية قد تؤدي لتبني عقلك الأجمل أو الأنسب أو المريح فتعود للدخول في الحلم القديم فتنتعش...وتنام.

 ولا تكون مثل الشاعر أبونواس حين قال: (تَمَنّاهُ طَيفي في الكَرى فَتَعَتَّبا. وَقَبَّلتُ يَوماً ظِلَّهُ فَتَغَيَّبا)، والكرى هو النوم. أو كما قال الشاعرابراهيم ناجي في قصيدته الجميلة (من أجل عينيك عشقت الهوى) الشهيرة التي غنتها أم كلثوم حين يقول في أحد أبياته: (يقظة طاحت بأحلام الكرى. وتولى الليل والليل صديق).

يقولون لك يمكنك أن تمارس التأمل أو التصوّر عبر عملية التخلِية أو التبييض لما في ذهنك من أفكار أو مشاعر كئيبة أولًا لتستطيع أن تلِج لمرحلة الاستدعاء للذكريات اللطيفة، أوالصور الجميلة، أو الامنيات المتحققة في ذهنك، أو استجلاب حلم من مجلد الأحلام القديمة مرورًا ببوابة الخيال المصنوع من قِبَلك! ثم اطبع ذلك على شاشة ذهنك البيضاء! وبعد بضع محاولات جادة ومِران وتدريب صعب...تنام. وهل ترى هذه الوصفة بسهولة وصفة شوربة الشعيرية أوالخضار مثلا؟ وكيفية التحكم بمقدار الملح فيها؟

أن تكون بوابة النهار مفتوحة في عقلك على مصراعيها! وأنت تجتهد أن تغلقها بلاجدوى فأنت كمن يتصدى وحده لإغلاق باب حديدي مصفح لخزنة مصرف! أو كمن يتصدى لوحده لجر شاحنة متوقفة في الشارع العام!

إنها (يقظةٌ طاحَتْ بِأَحْلَامِ الْكَرَى ... وتولَّى الليلُ، والليلُ صديقْ) وأنت هنا بالحقيقة تكون قد سقطت في جحيم الصحوِ حين تطلب النوم، فلاتجد الثاني ولست بحاجة الأول، وكيف لك أن تجد الكرَى وكمية الكهرباء التي تضيء في عقلك حينها بحجم قرص الشمس أوبشدة حرارتها وضوئها.

من المفهوم أن تقلق لتُبدع، أوأن تقلق لتنسج فكرة جديدة من تلك القديمة أو المستقرة، أو أن تقلق لحل مشكلة أو لتفكك محزَنَة، أما أن تنفتح بوابة النهار في ذهنك قبيل النوم هكذا دون أي سبب معلوم لديك، فهنا تكمن الطامة الكبرى!! فلا تستبين أأنت نائم أو في صحوك ترتع؟ لتعلم حينها بشاعة العيون الجاحظة في مواجهة الشمس الساطعة وتكتشف لأول مرة في حياتك -ربما- أهمية النوم بالتطبيق العملي ثقيل الوطأة.

 

m.a
Developed by: MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024