حكومة صفاء ... وجامعة الفقراء
نشر بتاريخ: 2020-07-16 الساعة: 10:18موفق مطر
تكفل الرئيس أبو مازن بتحمل تكاليف الدراسة الجامعية لأربعة توائم هم، أبناء المواطن ناهي حنني من بيت فوريك في نابلس بالضفة الغربية، وثلاثة توائم أبناء المواطن أيمن قديح من خان يونس في قطاع غزة، نجحوا جميعهم بامتحان الشهادة الثانوية بتفوق وامتياز. ولا تعتبر مبادرة الرئيس واستجابته هذه سابقة من حيث اهتمامه وحرصه على المستوى العلمي لدى أفراد الشعب الفلسطيني بل تجديد وتحديث وتطوير لفلسفته الشخصية ولمهام موقعه الرسمي، فمؤسسة الرئيس محمود عباس أنشأت صندوقا خاصا لمساعدة الطلبة الفلسطينيين الناجحين في الثانوية العامة في المخيمات الفلسطينية في لبنان قبل عشر سنوات تحت اسم برنامج الطالب، حيث يحظى الطلبة الناجحون المتقدمون للتسجيل في الجامعات بمساعدات مالية تمكنهم من تحقيق آمالهم، هذا إلى جانب سجل طويل يبين تكفله حالات خاصة كثيرة من أنحاء الوطن.
نعلم حرص وزارة التعليم العالي على تأمين منح تعليمية للطلبة المتفوقين وأبناء الشهداء والأسرى، ونعلم أن بعض الحالات تلقى استجابة إنسانية سريعة من فاعلي الخير، فيسارع بعضهم لإعلان كفالته لحالة أو اكثر، فيما يبقي آخرون الأمر طي الكتمان، ولكل فلسفته في عمل الخير وحكمته في التكافل وهذا أمر جيد.. ففاعل الخير سرا أو علانية يحيي آمالا لدى شريحة من شبابنا لا ذنب لهم سوى أنهم ولدوا على بساط رقيق، في بيت مسقوف بألواح صناعية!! في كنف والد عصامي مكافح، يعمل ليلا نهارا لتأمين لقمة عيش كريمة لأبنائه.. ولكن ألم يحن الوقت لرفع بنيان جامعة الفقراء في فلسطين، أيعقل أن نصبح ونمسي على الفخر بمقولة انعدام الأمية في مجتمعنا، فيما نسبة كبيرة من أبناء الكادحين في الوطن الناجحين بامتياز لا يستطيعون استكمال دراساتهم الجامعية بسبب انعدام قدراتهم المادية على تأمين تكاليفها وأقساطها، ولنا في الطالبة صفاء الشيخ العيد من رفح في قطاع غزة مثال حيث يتحمل والدها تأمين تكاليف دراسة جامعية لإخوتها الأربعة من قبلها ستكون هي خامسهم، لكن والدها بائع الثلج المبرد الجوال يقف الآن مصدوما غير قادر على تأمين تكاليف الدراسة الجامعية لابنته المتفوقة (بمعدل 99,4) لكن العظيم في هذه العائلة أن اخوتها الذكور يفكرون بتأجيل دراساتهم في الطب واللغة العربية والمحاسبة وغيرها لتأمين تكاليف دراسة اختهم في الجامعة، فهل مر عليكم تدبير وتخطيط كتدبير وتخطيط هذه العائلة التي تستحق فعلا لقب "الحكومة الصغيرة"، فعائلة صفاء تملك من الكرامة ما يمنعها من السؤال أو عرض قصتها على الملأ، لذا نهيب بالحكومة الكبيرة، حكومة السلطة الوطنية، حكومة حركة التحرر الوطني، حكومة الشعب المتحرر من الأمية، بأن يكون ملف صفاء كنموذج على سبيل مثال واقعي وليس الحصر على طاولتها.
نعرف وندرك حجم المهام والمسؤوليات على حكومتنا المقتدرة، لكن ما نعرفه أيضا أن نواب التشريعي السابقين ووزراء الحكومات السابقة خلال ربع قرن مضت تقريبا يتحملون المسؤولية مباشرة عن عدم رفع قواعد وأركان جامعة حكومية يدرس فيها أبناء الفقراء المتفوقون والناجحون غير المتفوقين، فالمال كان متوفرا والكادر المتخصص أيضا، لكن الفكرة كما يبدو رغم إلحاحنا على تجسيدها، قد أسقطت في غياهب جب النسيان، حتى أننا لا نعرف إلى الآن لماذا لم تنشأ جامعة مجانية للمواطنين في فلسطين أو على الأقل لأبناء العائلات التي لا يمكنها دخلها الشهري أو السنوي من دفع تكاليف الجامعات الخاصة، فإدخال ابن المواطن الفقير للجامعة على حساب الحكومة يتلقى العلم فيها على حساب مال الشعب خير للمجتمع من تركه تائها ضائعا يبحث عن مصيره حتى تتلقفه جماعات الجهل والتخلف العصبوية فتدخله في صفوفها، ثم تخرجه وهو في أوج حقده على المجتمع وعلى الحكومة وعلى مبدأ المواطنة ايضا.
نعرف وندرك أن كثيرا من رجال الأعمال يتكفلون بمصاريف طلبة فقراء يدرسون في الوطن أو في الخارج، لكننا نأمل ببزوغ يوم تاريخي في فلسطين، يتجسد فيه عمل عظيم غير مسبوق في بلاد العالم، كيف لا خاصة ونحن نعتبر أنفسنا استثناءً في كل أمر من امور الحياة..ونعتقد في هذا السياق أن شراكة شرعية وطنية موثقة مبرمجة مخطط لها بدقة بين الرأسمال الوطني، ومال الشعب (الحكومة) ستمنحنا وليدا نوعيا يتخرج من رحم (جامعة الفقراء) حاملا جينات الفلسطيني الوفي العاقل الملتزم الثائر المتحرر المتنور الحر...فابناء الشيخ العيد كمثال يجب ان يستمروا ولا ينقطعوا عن دراستهم الجامعية، أما صفاء كمثال أيضا فإن حقها على الحكومة وأبناء البلد ذوي الأيادي البيضاء بات فرض عين.
m.a