«الضم» في متاهة
نشر بتاريخ: 2020-06-29 الساعة: 12:33
بقلم:يونس السيد
قبل أيام قليلة من الموعد المقرر لتنفيذ جريمة ضم الأراضي الفلسطينية (الأغوار وشمال البحر الميت) إلى دولة الاحتلال في الأول من يوليو/تموز المقبل، تزدحم الأجندة بسيناريوهات متعددة تضع العملية برمتها في متاهة بانتظار ما سيقرره نتنياهو الذي عادت واشنطن لرمي الكرة في ملعبه.
لأول مرة منذ إنشائها، تجد دولة الاحتلال نفسها في دوامة بهذا الحجم من الغموض والتخبط عند سعيها لسرقة أجزاء من الأراضي الفلسطينية، على الرغم من اتفاق الجميع على مبدأ السرقة. لكن المشكلة تكمن في كيفية إخراج العملية المتناقضة مع القانون الدولي على مرأى من المجتمع الدولي، وفي ظل رفض فلسطيني وعربي قاطع، وتناقضات وخلافات داخلية، وبين دولة الاحتلال وواشنطن، وبين المسؤولين الأمريكيين أنفسهم، وفوق ذلك فهي تدرك أن فاتورة «الضم» ستكون باهظة الكلفة سياسياً وأمنياً وأخلاقياً، وربما تدفع بالمشروع الصهيوني برمته إلى الهاوية في نهاية المطاف.
في الداخل الإسرائيلي، لم تفلح كل المحاولات التي قادها السفير الأمريكي ديفيد فريدمان في رأب الصدع بين نتنياهو وجانتس وتحالفاتهما؛ بهدف الاتفاق على موقف موحد كما ترغب واشنطن. وبالتالي فقد بقيت «خرائط الضم» بيد نتنياهو وقلة قليلة من المحسوبين عليه، بمعزل عن شريكه في الائتلاف ووزير الحرب بيني جانتس، الأمر الذي انعكس على جيش الاحتلال وخططه واستعداداته لمواجهة أي تصعيد فلسطيني في حالة تنفيذ «الضم»، ما اضطره لبحث كيفية التعامل مع كل السيناريوهات المحتملة.
وفي واشنطن، استدعت الخلافات الداخلية بين المسؤولين الأمريكيين وبين الإدارة و«تل أبيب» عقد اجتماع في البيت الأبيض لتقييم عملية الضم، وظهر الخلاف جلياً بين فريدمان المتحمس لعملية الضم بسرعة وجاريد كوشنير صهر الرئيس ترامب الذي يعتبر نفسه مسؤولاً عن ملف الشرق الأوسط؛ إذ بينما دافع فريدمان عن سرعة الضم خوفاً من عدم فوز ترامب بولاية ثانية، اعتبر كوشنير أن العملية يجب أن تستخدم كتهديد للفلسطينيين لدفعهم إلى المفاوضات حول ما يسمى «صفقة القرن»، وإلا فإن الضم الأحادي على هذا النحو سيكون بديلاً لخطة التسوية الأمريكية، وسيؤدي إلى خروج الفلسطينيين نهائياً من العملية، وإلحاق الضرر بالعلاقات مع العرب. وفي كل الأحوال انتهى النقاش في البيت الأبيض إلى إعادة رمي الكرة في ملعب نتنياهو، بينما تحدثت مصادر مواكبة عن أن واشنطن ترغب في ضم محدود وعلى مراحل، يبدأ بالمستوطنات القريبة من القدس، ويبتعد عن غور الأردن وشمال البحر الميت.
على الجانب الآخر، يبدو واضحاً أن أثمان عملية الضم ستكون مرتفعة؛ إذ لا يمكن احتساب ردة الفعل الفلسطينية والتي ستتراوح بين تصعيد عسكري، وربما انتفاضة شعبية شاملة ضد الاحتلال، وخطوات سياسية قد تدفع السلطة إلى التخلي نهائياً عن طريق التسوية والبحث عن بدائل كالعودة إلى الأمم المتحدة والرباعية الدولية، والحصول على اعتراف أوروبي بالدولة الفلسطينية، في ظل المناخ السائد داخل الاتحاد الأوروبي، ومن ضمنه الوثيقة التي وقعها أكثر من ألف برلماني أوروبي من 25 دولة من دول الاتحاد، والتي يعارضون فيها ضم الأراضي الفلسطينية.
m.a