الرئيسة/  مقالات وتحليلات

نساء من الشيخ جراح ....ذهبوا ولكن عطرهم باق

نشر بتاريخ: 2020-06-29 الساعة: 12:30

 

 

بقلم : رولا سلامه

 

هنا في هذا الحي كان لنا ذكريات ، كنا نزور البيوت ونتعرف على النساء ونستمع للقصص والبطولات ،كانت النسوة يروين أدق تفاصيل حياتهن ، وكن يحفظن التاريخ ويروينه بتفاصيله وتواريخه وأحداثه ، كن يتجمعن ليس لشرب القهوة وتناول الفطور فحسب ، بل كن يكرسن وقتهن للاستماع للمحامين والحقوقين والتعرف على حقهم في الدفاع عن أنفسهم وأبنائهم وممتلكاتهم ، كن يشاركن بالدورات التدريبية المختلفه ، ويستمعن لشرح عن الحي وتاريخه وقصصه ، كن يجدن حفظ القوانين التي تحميهم من غطرسة الاحتلال وتعديه ومن وحشية المستوطنين وعنجهيتهم ، فالاحتلال وعلى مدار سنوات كثيرة قسم المدينة ووضع بصماته في كل بقعة وشارع وحي وزقاق، فلم تعد القدس كما كانت ، وأحياء المدينة قصصها كثيرة ، وحي الشيخ جراح واحد منها ، وكانت فارسة الحي والناطقة باسمه لا تكل ولا تمل وهي تشرح قصة اللجوء والتشريد ويافا وحيفا وما بينهما ، تروي حكاية الحي لكل من يسأل ولكل من يزور ولكل مهتم بقصة الأسر التي شرد بعضها وهدد بعضها الأخر.

 

أذكر ونحن نجمع قصص هذا الحي لنصور فيلما يوثق قصة من قصص حي الشيخ جراح أننا قابلنا سيدة نشطه مفعمة بالحياة تروي تاريخ الحي وتاريخ القدس وقصص الأسر التي تعيش هنا ، أمال القاسم ( والتي ترجلت عن صهوة الجواد وهي في ريعان الشباب وقمة العطاء ) كانت تشرح لنا مطولا ولأيام وأيام قصة هذا الحي وقصة ساكنيه وقصة قطعة الأرض التي قررت وكالة الغوث بناء مساكن لثمانية وعشرين اسرة ممن شردهم الاحتلال من منازلهم في حرب ضروس اقتلعتهم من جذورهم .

 

كانت أمال وبكل قوة واصرار وقرار أن تغرس في عقولنا قصة الحي وساكنيه ، فتشرح لنا تفاصيل بعض الأسر ومعاناتهم وكيف اجبر بعضهم على ترك منزله لمستوطن لا جذور له تحت حماية الاحتلال وأفراد شرطته ، ومررنا بقصة مريرة من نوع اخر مختلف عن باقي القصص ، قصة المرحومة رفقة الكرد - ام نبيل الكرد - وكيف أصبحت بين ليلة وضحاها تقتسم منزلها التي حافظت عليه لسنين عديدة مع مجموعة من المستوطنين جاءوا اليه عنوة وعبر قرارجائر ظالم باطل من محكمة تمثل الاحتلال وتدافع عنه ، كانت ام نبيل في التسعينات من عمرها عندما قابلانا لأول مره وكانت ذاكرتها في أحسن حال وبدأت تشرح لنا قصة المنزل وكيف بني من قبل وكالة الغوث وبالتنسيق مع الحكومة الأردنية صاحبة السيادة قبل الاحتلال الاسرائيلي وكيف عاشت لسنوات مع أطفالها الى أن كبروا وتزوج بعض منهم وبقي ولدها نبيل يعيش معها المعاناة اليومية ، الى أن قرر وبسبب ضيق المنزل القديم أن يضيف له غرفتين ليتوسع مع اسرته ، وكيف رفض قرار استصدار رخصة لسنوات الى أن قرر ابو السعيد ابنها أن يبني الغرفتين بدون رخصة ليبقى قريبا من والدته وقريبا من المنزل الذي ترعرع به وليحمي حيه الذي عاش به أجمل سنين عمره رغم كل شيء صعب ومر عانى منه كباقي الأسر الفلسطينية المقدسية ، وبعد اعتراض البلدية الاحتلالية على قرار البناء وبعد أن غرم ودفع ما عليه تفاجىء بأمر المستوطنين يحضرون للمنزل الجديد ويعيشون فيه بحماية الاحتلال وقرار محكمته .

 

قاومت الأسرة هذا القرار وقاوم الحي وساكنيه وانضم لهم العشرات وأحيانا المئات من المتظاهرين فلسطينيين واسرائيليين وأجانب دعاة سلام ونشطاء حقوقيين ليتضامنوا معهم ومع استرجاع حقهم ، ولكن دون جدوى ، قاومت ام نبيل وخرجت للشارع مع المتظاهرين وقاومت وضربت واصيبت وادخلت للمشفى مرات ومرات ولم تتوقف عن الحديث وسرد معاناة الحي بأكمله لكل وسائل الاعلام ولكل الوفود الدبلوماسية التي حضرت لمؤازرتها ولكل من زار الحي وتعاطف مع الأسر هناك ، لم تكن ام نبيل وكذلك أمال القاسم على علم مسبق أنهن سيرحلن قبل رحيل المستوطنين عن الحي ، ولم تكن أي منهما تعلم أنها ستترك فراغا كبيرا ليس في الحي وحده بل في المدينة جميعها ، لن نبالغ ان قلنا أن كل ركن وكل منزل وكل فرد وكل أسرة في حي الشيخ جراح بكت على فراقهن ، فرحلت أمال ورحلت بعدها ام نبيل وهن يعلمن جيدا أن لهن حقوق في الحي كما في المدينة كما في الوطن ، ولكنهن على قناعة تامة أنهن استلمن الامانه ممن سبقوهم وحفظن تاريخ الحي وأنهن تركن خلفهن من سيكمل المشوار ويحافط على الأمانة فنساء الشيخ جراح قبلن التحدي قديما وخرجن للشوارع مع الرجال وقاومن الاخلاء وعربدات المستوطنين ، وتعلمن جيدا كيف يكون النضال وكيف يحافظن على منازلهن والحي الذي عشقوه .

m.a
Developed by: MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024